في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على الرابط أعلاه للمشاهدة على الموقع الرسمي
تعد "البقعة الحمراء العظيمة" على كوكب المشتري أضخم إعصار في المجموعة الشمسية، حيث يتجاوز قطرها حجم كوكب الأرض بأكمله، ويرجع أول توثيق لهذه البقعة الفريدة في عام 1831، ومنذ ذلك الحين ظلت تعمل على جذب اهتمام العديد من العلماء، نظرا لشكلها المهيب الشبيه بعين كائن حي يحدّق بالأرض باستمرار دون أن ترمش.
وتناولت دراسة حديثة نُشرت في دورية "ذا بلانتري ساينس جورنال" صورا للبقعة التقطها تلسكوب هابل الفضائي بين شهري ديسمبر/كانون الأول 2023 ومارس/آذار 2024، وأظهرت أن البقعة التي تبدو بيضاوية غير مستقرة في شكلها، ففي بعض الفترات تمتد بشكل طولي، وفي فترات أخرى تمتد بشكل عرضي، أشبه بقطعة من الجيلاتين تهتز باستمرار مع كل حركة.
تعد هذه التغيرات الهيكلية مثيرة وصادمة، إذ إنها تقدم فهما جديدا حول ديناميكية الغلاف الجوي لكوكب المشتري العملاق، وتقول الباحثة الرئيسة آمي سيمون من مركز غودارد التابع لوكالة ناسا في بيان صحفي صادر من مرصد هابل "يتيح لنا تلسكوب هابل دقة عالية في دراسة شكل البقعة الحمراء العظيمة التي تتقلص وتتمدد في الوقت الذي تتغير فيه سرعتها أيضا، في حين أننا لم نكن نتوقع هذا السلوك، ولا نمتلك حتى أي تفسيرات هيدروديناميكية لهذا التغيرات الطارئة".
وتتميز أجواء المشتري بتقلبات شديدة، وهو بطبيعته كوكب غازي على عكس كوكب الأرض الصخري، حيث تحاصر الرياح القوية البقعة الحمراء بين تيارين نفاثين عند 22 درجة جنوب خط استواء المشتري، وتعمل هذه التيارات على إبقاء العاصفة في مكانها طوال الوقت، بينما تدفعها للتمدد والانكماش بشكل دوري.
وفي هذا السياق، أوضح عالم الفلك مايك وونغ من جامعة كاليفورنيا في البيان الصحفي ذاته "إن التفاعل بين العاصفة وهذه التيارات يشبه ساندويتشا ممتلئا تتدفق مكوناته إلى الخارج عند الضغط".
وأظهرت الملاحظات أن البقعة الحمراء الكبرى تتسع وتصبح أكثر إشراقا في الأشعة فوق البنفسجي عندما تبطئ حركتها، مما يشير إلى انخفاض امتصاص الضباب في الطبقات العليا من الغلاف الجوي، في المقابل، عندما تسرع العاصفة، تنكمش أبعادها، مما يعكس تأثير التفاعل بين العاصفة والمحيط.
وقد تمكّن تلسكوب هابل، من خلال مجموعة صور متتالية، من توثيق هذه التحولات بشكل دقيق، مما سمح للعلماء بمراقبة الدورة الكاملة للاهتزاز خلال فترة 90 يوما، وقد يعزز هذا الاكتشاف فهم العلماء لآليات العواصف على الكواكب العملاقة الأخرى وربما على الكواكب خارج المجموعة الشمسية.
منذ سنوات عديدة، تمكن العلماء من رصد انكماش تدريجي للبقعة الحمراء العظيمة، إذ بلغ عرضها الحالي حوالي 14 ألفا و750 كيلومترا، ويتوقع الباحثون أن العاصفة ستستقر في شكل أصغر وأقل استطالة مع استمرار انكماشها.
كما يسعى فريق البحث للحصول على بيانات إضافية باستخدام تلسكوب جيمس ويب الفضائي، الذي أجرى في وقت سابق هذا العام مسحا شاملا بالأشعة تحت الحمراء القريبة فوق العاصفة، ويأمل العلماء أن توفر هذه البيانات نظرة أعمق على سرعة الرياح داخل العاصفة وربطها بتغيرات الأبعاد المرصودة.
ولا تزال البقعة الحمراء العظيمة تمثل لغزا فلكيا محيرا، ومع كل اكتشاف جديد، تفتح هذه العاصفة الهائلة أفقا أوسع لفهم التغيرات الجوية في العوالم الأخرى، ويأمل العلماء أن تسهم الأبحاث المستمرة، بمشاركة بيانات من علماء فلك هواة ذوي خبرة، في تحسين رصد هذه التحولات الدقيقة.