وجدت دراسة من جامعة شيكاغو أن الدماغ يقسم التجارب اليومية إلى "فصول"، مثل تقسيم المشاهد في الأفلام، بناء على ما يركز عليه الشخص، بدلا من مجرد الاستجابة للتحولات البيئية.
وفي اللحظة التي يخرج فيها الشخص من الشارع ويدخل إلى مطعم، على سبيل المثال، يبدأ الدماغ "فصلا" جديدا من اليوم، وهو التغيير الذي يسبب تحولا كبيرا في نشاط الدماغ. وتحدث مثل هذه التحولات طوال اليوم، عندما يواجه الناس بيئات جديدة، مثل الخروج لتناول الغداء، أو حضور مباراة كرة القدم لأطفالهم، أو الاستقرار لمشاهدة التلفزيون ليلا.
وأراد الباحثون أن يفهموا بشكل أفضل ما يدفع الدماغ إلى تشكيل حدود حول الأحداث التي نواجهها، وتسجيلها فعليا على أنها "فصل" جديد في اليوم.
وكان أحد الاحتمالات هو أن "الفصول" الجديدة ناجمة بالكامل عن تغييرات كبيرة في محيط الشخص، مثل كيف يأخذه الدخول إلى مطعم من الخارج إلى الداخل. ومع ذلك، هناك احتمال آخر وهو أن "الفصول" الجديدة مدفوعة بنصوص داخلية يكتبها الدماغ بناء على الخبرة السابقة، وأن حتى التغييرات البيئية الكبيرة قد يتجاهلها دماغنا إذا لم تكن مرتبطة بأولوياتنا وأهدافنا الحالية.
ولاختبار فرضيتهم، طور الباحثون مجموعة من 16 سردا صوتيا، كل منها مدته من ثلاث إلى أربع دقائق.
وحدثت كل قصة في أحد المواقع الأربعة: مطعم، مطار، محل بقالة، وقاعة محاضرات. وتناولت أحد المواقف الاجتماعية الأربعة: الانفصال، عرض زواج، صفقة عمل، ولقاء لطيف.
واستمع المتطوعون إلى هذه السرديات، مثل البث الصوتي بينما استخدم العلماء التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) لمسح أدمغة المشاركين. وباستخدام طريقة خاصة طورها الفريق سابقا، تتبعوا التغيرات في نشاط المخ، وخاصة في القشرة الجبهية الأمامية الوسطى (mPFC)، وهو جزء من المخ يتصور ويفسر المدخلات اللحظية من محيطنا.
ووجد الباحثون أن الطريقة التي يقسم بها الدماغ التجربة إلى أحداث فردية تعتمد على ما يهتم به الشخص وما ينتبه إليه.
ولاحظ الباحثون ارتفاع نشاط القشرة الجبهية الأمامية الوسطى عندما تغيرت الأحداث الاجتماعية الرئيسية في القصة - عندما تم إغلاق الصفقة التجارية أو قبول عرض الزواج. ولكن إذا طلب الباحثون من المشاركين التركيز على ميزات المواقع بدلا من ذلك، مثل الجلوس في مطعم وطلب الطعام، فإن تقسيمهم للأحداث يتغير، وكذلك نشاط أدمغتهم، وأصبحت لحظات مثل طلب الأطباق "فصولا" جديدة بالغة الأهمية في القصة.
وقال كريستوفر بالداسانو، المؤلف الرئيسي للدراسة، والأستاذ المساعد في علم النفس بجامعة كولومبيا: "أردنا تحدي النظرية القائلة بأن التحولات المفاجئة في نشاط الدماغ عندما نبدأ فصلا جديدا من يومنا لا تنجم إلا عن تحولات مفاجئة في العالم، وأن الدماغ لا يفعل حقا أي شيء مثير للاهتمام عندما ينشئ فصولا جديدة، بل يستجيب بشكل سلبي فقط للتغيير في المدخلات الحسية. ووجد بحثنا أن الأمر ليس كذلك، فالدماغ، في الواقع، ينظم بنشاط تجارب حياتنا إلى أجزاء ذات معنى بالنسبة لنا".
وقام الباحثون بقياس الأماكن التي أنشأ فيها الدماغ "فصولا" جديدة، سواء من خلال النظر إلى فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي للدماغ لتحديد نشاط الدماغ الجديد، وفي مجموعة منفصلة من المشاركين، من خلال مطالبتهم بالضغط على زر للإشارة إلى متى يعتقدون أن جزءا جديدا من القصة قد بدأ.
ووجدوا أن الدماغ يقسم القصص إلى "فصول" منفصلة اعتمادا على المنظور الذي قيل لهم أن ينسجموا معه، ولم ينطبق هذا فقط على سيناريو عرض الزواج في المطعم، بل يمكن للشخص الذي يسمع قصة عن الانفصال في المطار، إذا تم حثه على الانتباه إلى تفاصيل تجربة المطار، أن يسجل "فصولا" جديدة أثناء مروره بالأمن ووصوله إلى البوابة.
وفي الوقت نفسه، يمكن حث الشخص الذي سمع قصة عن شخص ينهي صفقة تجارية أثناء التسوق في البقالة على تسجيل الخطوات الجديدة للصفقة التجارية كـ"فصول" جديدة، أو أن ينسجم بشكل أساسي مع مراحل التسوق في البقالة بدلا من ذلك.
وأثرت التفاصيل التي تم حث المشاركين في الدراسة على الانتباه إليها على ما أدركته أدمغتهم كـ"فصل" جديد في القصة.
ويأمل الباحثون المضي قدما في التحقيق في التأثير الذي تخلفه التوقعات على الذاكرة طويلة المدى.
وكجزء من هذه الدراسة، طلب الباحثون أيضا من كل مشارك أن يخبرهم بكل ما يتذكره عن كل قصة. وما زالوا في طور تحليل البيانات لفهم كيف يغير المنظور الذي طُلب منهم تبنيه أثناء الاستماع إلى القصة الطريقة التي يتذكرونها بها.
المصدر: لايف ساينس