على نحو ملحوظ شهدت البشرية زيادة في متوسط العمر المتوقع للإنسان خلال القرن الماضي، لكن معدل هذه الزيادة أخذ بالتضاؤل في القرن الـ21 وفقا لدراسة نشرت في دورية "نيتشر أجينغ".
وأسهمت التطورات العلمية الكبيرة خلال القرن الماضي في إحداث ثورة هائلة على مستوى متوسط العمر البشري، خصوصا في الدول المتقدمة علميا، وذلك عن طريق تقليل معدل وفيات الأطفال، وكذلك تقليص معدل وفيات البالغين وكبار السن بتحقيق الرعاية اللازمة.
ومع ذلك، تشير الدراسة الحديثة إلى أن هذا النمو في متوسط العمر المتوقع قد لا يستمر بالوتيرة نفسها في هذا القرن، إذ أظهرت النتائج أن زيادة طفيفة تعادل 2.5 سنة في معدلات الأعمار قد تضاف خلال الـ30 عاما المقبلة، وهو معدل ارتفاع أقل بكثير مقارنة بالـ100 عام الماضية.
ويقترح مؤلفو الدراسة أن هذا التباطؤ يرجع إلى اقتراب البشرية من الوصول إلى الحد الطبيعي الأعلى لمتوسط العمر المتوقع، فقد أصبحت أسباب الوفاة الآن جينية، مرتبطة مرتبطة بشكل أساسي بالتدهور الطبيع للحمض النووي، وهو ما يسمى بالشيخوخة البيولوجية، وليس الإصابات أو الأمراض.
وتعرّف الشيخوخة بأنها عملية بيولوجية طبيعية تتميز بالتدهور التدريجي في الوظائف الجسدية والعقلية للكائن الحي مع مرور الوقت، ويحدث هذا التدهور نتيجة تراكم الأضرار في الخلايا والأنسجة، مما يؤدي إلى ضعف القدرة على التجديد والإصلاح، كما تشمل مظاهر الشيخوخة تغيرات مثل التجاعيد وضعف العضلات وتراجع وظائف الأعضاء الحيوية وانخفاض القدرة على مقاومة الأمراض.
وبذلك، يكون ما توصل إليه الطب الحديث من علاج بعض الأمراض المرتبطة بالتقدم في العمر وأعراض الشيخوخة -مثل ألزهايمر أو السرطان- ليس سوى ضمادة تبقي الإنسان على قيد الحياة إلى أن يصل إلى الحد الطبيعي الذي تمثله الشيخوخة وموت الخلايا.
وفي هذه الدراسة أقدم أعضاء الفريق على تحليل متوسط العمر المتوقع في الفترة بين عامي 1990 و2019، مستندين إلى بيانات من مناطق تضم بعضا من أطول الشعوب عمرا حول العالم، وشملت هذه المناطق دولا مثل أستراليا وفرنسا وإيطاليا واليابان وكوريا الجنوبية وإسبانيا والسويد وسويسرا وهونغ كونغ والولايات المتحدة.
وخلص التحليل إلى أن وتيرة التحسن في متوسط العمر المتوقع بدأت في التباطؤ، خاصة بعد عام 2010، كما توقع الباحثون أن فرص الأجيال المستقبلية في الوصول إلى عمر 100 عام ستكون منخفضة نسبيا، إذ قد تصل النسبة إلى 5.1% للنساء و1.8% فقط للرجال.
وأظهرت الدراسة أيضا نتائج مثيرة تشير إلى أن الأطفال الذين ولدوا في هونغ كونغ في عام 2019 لديهم أعلى فرصة للوصول إلى عمر 100 عام، إذ بلغت النسبة 12.8% للإناث و4.4% للذكور.
وتعكس هذه النتائج الحاجة الملحة لإعادة توجيه أولويات البحث العلمي، بحيث يصبح التركيز أقل على معالجة الأمراض الفردية وأكثر على فهم العمليات البيولوجية التي تؤدي إلى الشيخوخة.
كما أشار الباحثون إلى الأهمية الكبيرة لعلم الشيخوخة، وهو المجال الذي يهتم بدراسة بيولوجيا الشيخوخة، وليس فقط الأمراض المرتبطة بتقدم العمر.
ولرفع متوسط العمر المتوقع بشكل ملحوظ تقترح الدراسة أنه من الضروري البحث في أساليب لإبطاء أو حتى عكس عمليات الشيخوخة الخلوية.
كما أن الأبحاث بشأن الأدوية التي تستهدف عملية الشيخوخة ذاتها -مثل تلك التي تهدف إلى إطالة التيلوميرات، وهي الأغطية الواقية الموجودة في نهايات الكروموسومات التي تتقلص مع تقدم العمر- قد تسهم في إبقاء الأشخاص "أصغر" لفترة أطول.