اكتشف العلماء طريقة ثورية لوضع حد لاضطراب الرحلات الجوية الطويلة من خلال الكشف عن السر الكامن في نهاية بروتين يسمى CK1δ، وهو البروتين المنظم للساعة البيولوجية في أجسامنا.
ويقدم هذا الاكتشاف، الذي حققه باحثون من كلية الطب بجامعة ديوك وجامعة سنغافورة الوطنية وجامعة كاليفورنيا في سانتا كروز، نهجا جديدا لضبط إيقاعات ساعتنا البيولوجية، وهي الدورات الطبيعية التي تستمر 24 ساعة والتي تؤثر على أنماط النوم والاستيقاظ والوظائف اليومية بشكل عام.
وقد تم نشر النتائج التي توصلوا إليها في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences (PNAS)، ويمكن أن تمهد النتائج إلى الطريق لمقاربات جديدة لعلاج الاضطرابات المتعلقة بساعة الجسم.
وينظم بروتين Casein Kinase 1 delta، والمعروف اختصارا بـ CK1δ، إيقاعات الساعة البيولوجية عن طريق وضع علامات على البروتينات الأخرى المشاركة في ساعتنا البيولوجية لضبط توقيت هذه الإيقاعات.
وبالإضافة إلى تعديل البروتينات الأخرى، يمكن وسم CK1δ نفسه، وبالتالي تغيير قدرته على تنظيم البروتينات المشاركة في تشغيل الساعة الداخلية للجسم.
وقد حددت الأبحاث السابقة نسختين مختلفتين من CK1δ، والمعروفة باسم الأشكال المتمايزة δ1 و δ2، والتي تختلف بمقدار 16 كتلة بناء أو حمض أميني فقط في نهاية البروتين في جزء يسمى "الذيل الطرفي سي" (C-terminal tail).
ومع ذلك، تؤثر هذه الاختلافات الصغيرة بشكل كبير على وظيفة CK1δ. وفي حين أنه كان من المعروف أنه عندما يتم تمييز هذه البروتينات تنخفض قدرتها على تنظيم ساعة الجسم، لم يكن أحد يعرف بالضبط كيف يحدث ذلك.
وباستخدام تقنيات التحليل الطيفي والقياس الطيفي المتقدمة لتكبير الذيل، وجد الباحثون أن كيفية وسم البروتينات يتم تحديدها من خلال تسلسل الذيل المميز.
وأوضحت البروفيسورة كاري بارتش، الباحثة في معهد هوارد هيوز الطبي من قسم الكيمياء والكيمياء الحيوية في جامعة كاليفورنيا، سانتا كروز والمؤلفة المشاركة للدراسة: "تشير نتائجنا إلى ثلاثة مواقع محددة على ذيل CK1δ حيث يمكن لمجموعات الفوسفات أن تلتصق، وهذه المواقع ضرورية للتحكم في نشاط البروتين. وعندما يتم تمييز هذه البقع بمجموعة فوسفات، يصبح CK1δ أقل نشاطا، ما يعني أنه لا يؤثر على إيقاعاتنا اليومية بشكل فعال. وباستخدام التحليل عالي الدقة، تمكنا من تحديد المواقع الدقيقة المعنية. وهذا مثير حقا".
وبعد دراسة هذا البروتين لأول مرة منذ أكثر من 30 عاما، أثناء التحقيق في دوره في انقسام الخلايا، قال البروفيسور ديفيد فيرشوب، مدير برنامج علم الأحياء السرطاني والخلايا الجذعية في جامعة ديوك، والمؤلف المشارك في الدراسة: "بفضل التكنولوجيا المتاحة لدينا الآن، تمكنا أخيرا من الوصول إلى جوهر سؤال لم تتم الإجابة عليه لأكثر من 25 عاما. لقد وجدنا أن ذيل δ1 يتفاعل على نطاق أوسع مع الجزء الرئيسي من البروتين، ما يؤدي إلى تثبيط ذاتي أكبر مقارنة بـ δ2. وهذا يعني أن δ1 يتم تنظيمه بشكل أكثر صرامة بواسطة ذيله من δ2. وعندما يتم تحور هذه المواقع أو إزالتها، يصبح δ1 أكثر نشاطا، ما يؤدي إلى تغييرات في الإيقاعات اليومية. وعلى النقيض من ذلك، لا يتمتع δ2 بنفس التأثير التنظيمي من منطقة ذيله".
ويسلط هذا الاكتشاف الضوء على كيفية تأثير جزء صغير من CK1δ بشكل كبير على نشاطه الإجمالي. ويعد هذا التنظيم الذاتي أمرا حيويا للحفاظ على نشاط CK1δ متوازنا، والذي بدوره يساعد في تنظيم إيقاعاتنا اليومية.
ويخطط الباحثون لمزيد من التحقيق في كيفية تأثير العوامل في العالم الحقيقي، مثل النظام الغذائي والتغيرات البيئية، على مواقع التمييز على CK1δ. ويمكن أن يوفر هذا رؤى حول كيفية تأثير هذه العوامل على الإيقاعات اليومية وقد يؤدي إلى حلول عملية لإدارة الاضطرابات.
المصدر: ساينس ديلي