في أكتوبر/تشرين الأول من كل عام، يستيقظ عدد قليل من العلماء على اتصال هاتفي يبلغهم بأنهم قد فازوا بإحدى جوائز نوبل العريقة سواء في الطب، أو الفيزياء، أو الكيمياء، أو الأدب.
هذا الاتصال الهاتفي يغير مسار وحياة أي عالم لأنه سيدخله التاريخ من أوسع أبوابه.
وفي مقابلة مع DW، قال راجيب داسجوبتا، البروفيسور في مجال الصحة العامة بالهند، إن حصول أي باحث أو عالم على جائزة نوبل يشبه بلوغ قمة جبل إفرست في مجال البحث العلمي.
وأضاف "تُظهِر جوائز نوبل الوصول إلى قمة الاكتشافات العلمية، وهناك ارتباط عاطفي بها".
ورغم ذلك، تواجه جوائز نوبل الكثير من الانتقادات أبرزها الافتقار إلى التنوع وبعض التحيز الذي يصب في صالح مؤسسات علمية غربية فضلا عن انخفاض التمثيل النسائي بشكل لافت.
ففي مجال العلوم، لم تتجاوز نسبة الفائزات عتبة الـ 15 بالمئة. وبشكل عام، فإن نسبة الفائزين والفائزات بجوائز نوبل من خارج أوروبا والولايات المتحدة مازالت ضئيلة.
وتهيمن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا على عرش الحائزين على جوائز نوبل بحصيلة بلغت حتى اليوم (7/10/2024) إجمالا 664 جائزة. وفي المقابل، فإن رصيد الصين والهند يبلغ ثمانية و12 جائزة على التوالي.
وفي ذلك، قال داسجوبتا إن معظم جوائز نوبل كانت "مستحقة للغاية، لكن الأمر لا يخلو من السياسة"، مضيفا "يتم تجاهل مؤسسات عملية في العديد من البلدان، بما في ذلك الهند. ومن المؤكد أن لجان جائزة نوبل لا تتسم بالشمولية كما ينبغي".
وشدد على أن الواقع المعاصر يشير إلى أن حقيقة مفادها أن المؤسسات العملية في الهند ودول أخرى يمكنها منافسة نظيرتها الأمريكية والأوروبية.
وفيما يستمر الجدل حيال معايير اختيار الفائزين، امتد الأمر إلى قضية أخرى مثيرة للجدل ألا وهي احتمالية منافسة الذكاء الاصطناعي البشر.
وليس الأمر وليد اللحظة؛ إذ في عام 2021، أطلق العالم الياباني هيرواكي كيتانو ما سمّاه "نوبل تيرنينغ تشالنج"، الذي يتحدى الباحثين لإنشاء "عالِم قائم على الذكاء اصطناعي" قادر بشكل مستقل على إجراء أبحاث تستحق جائزة نوبل بحلول عام 2050.
وقال روس دي كينغ، وهو أستاذ متخصص في الذكاء الاصطناعي لدى جامعة تشالمرز في السويد، إن ثمة نحو مئة "روبوت علمي" تعمل أصلا في مجال العلوم. وفي عام 2019، نشر مقالة عرض فيها مع باحثين آخرين روبوتا علميا اسمه "آدم"، يشكل أول آلة تنتج اكتشافات علمية بشكل مستقل.
وفي مقابلة مع فرانس برس، قال كينغ "لقد صنعنا روبوتا اكتشف أفكارا علمية جديدة واختبرها وأكّد صحتها".
وقد تمّت برمجة الروبوت لوضع فرضيات بشكل مستقل، وتصميم تجارب لاختبارها وحتى برمجة روبوتات أخرى لتنفيذ هذه التجارب والتعلم في النهاية من هذه النتائج.
وقد جرى تكليف الروبوت "آدم" باستكشاف العمل الداخلي للخميرة وتوصّل إلى "وظائف جينات" لم تكن معروفة في السابق. ورغم وصف هذه الاكتشافات "بالمتواضعة"، إلا أن الباحثين قالوا إنها "ليست تافهة".
ولم يقتصر الأمر على الروبوت "آدم" بل جرى ابتكار روبوت علمي ثانٍ أُطلق عليه اسم "إيف" لدراسة الأدوية المرشحة لعلاج الملاريا وأمراض المناطق الاستوائية الأخرى.
وأقر كينغ بأن الذكاء الاصطناعي لا يزال بعيدا عن مستوى العالم الذي يستحق جائزة نوبل، إذ يتطلّب ذلك روبوتات "أكثر ذكاء" قادرة على "فهم الوضع ككل" للتنافس ونيل جوائز نوبل.
وفي تعليقها، قالت إنغا سترومكي، الأستاذة في الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا، إنّ التقاليد العلمية "لن تحل محلها الآلات قريبا"، لكن ورغم ذلك أشارت في مقابلة مع فرانس برس إلى أن "هذا لا يعني أن ذلك مستحيل".
وأضافت أنّه من الواضح "بالتأكيد أن الذكاء الاصطناعي كان وسيكون له تأثير على طريقة العمل في العلوم."
ورغم أن جوائز نوبل تذهب إلى العلماء الذين حققوا إنجازات يعود تاريخها إلى عقود عدة، إلا أن الأبحاث المدعومة بالذكاء الاصطناعي ربما سيكون لها قريبا مكانة بارزة في الأعمال الحائزة جوائز نوبل، بحسب ديفيد بندلبيري، رئيس شركة "كلاريفيت" التي تتوقع أسماء الفائزين بجوائز نوبل العلمية استنادا إلى تصاريح في المقالات البحثية.
وأضاف "أنا متأكد من أن العقد المقبل سيشهد فائزين بجوائز نوبل ساعدتهم الحوسبة بطريقة أو بأخرى، والحوسبة هذه الأيام تمثل الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد".
أعده للعربية محمد فرحان