لم تؤذِ الحرب المندلعة في السودان بين الجيش والدعم السريع منذ عام ونصف البشر فقط، بل وصلت الحجر وممتلكات الدولة والأفراد والمرافق العامة.
أوضاع لا توصف
ففي قلب شمال السودان، قرب مدينة الكرو الأثرية، التي تضم بين جنباتها 55 هرماً، تتربّع غابة أثرية متحجرة، حيث كانت هذه المدينة موطناً لمقابر الملوك الكوشيين، وأدرجت ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو منذ عام 2003 كجزء من جبل البركل المقدس وكونها إحدى أبرز المعالم التاريخية للحضارة الكوشية بالسودان.
إلا أنها تركت تعاني وتنازع، فأشجارها العملاقة التي تملأ المكان ليست مجرد صخور متناثرة على الرمال، بل هي كنز أثري نادر لا يُقدّر بثمن، يمثل إحدى أعظم العجائب الطبيعية التي منحتها الطبيعة للبشرية.
وأفاد أحد مواطني المنطقة لـ"العربية.نت"، بأن الموقع الأثري يواجه اليوم مخاطر تهدد وجوده، سواء بالنهب والسرقة أو التخريب والإهمال.
وأوضح أن منطقة الغابة كانت وجهة مميزة للسياح قبل اندلاع الحرب، لكنها الآن لم تعد تحظى بالاهتمام ذاته بسبب الظروف الحالية.
كم تابع أن السيل أثر بشكل كبير على الطريق الخارجي في منطقة الكرو، ما أدى إلى قطع.
بدوره، كشفت كبيرة مفتشي الآثار بالهيئة القومية للآثار والمتاحف في السودان الدكتورة حباب إدريس لـ"العربية.نت"، عن أن الكرو الأثرية تُعد إحدى أبرز الوجهات السياحية، وتعتبر أولى مقابر الملوك الكوشيين.
كما أشارت إلى أن النقوش والرموز التي تزين تلك المدافن لا تزال تحتفظ بألوانها الزاهية، رغم مرور القرون، وكأنها نُقشت بالأمس.
ولفتت إلى أن الغابة تشكّلت نتيجة تحولات مناخية مفاجئة قبل ملايين السنين، حيث تحجرت الأشجار بفعل تقلبات حادة بين الحرارة الشديدة والبرودة القارسة.
وأشارت إلى أن التحجر لم يقتصر على جذوع الأشجار فحسب، بل شمل ثمارها وحتى رؤوس الحيوانات النافقة، لتتحول إلى مخلفات حجرية خالدة عبر الزمن.
إلا أنها حذرت من أن هذه الكنوز الطبيعية تتعرض للسرقة، حيث يُستخدم ما تبقى من ثمارها المتحجرة في تزيين المباني والحدائق، دون أن يدرك اللصوص قيمتها التاريخية التي لا تُقدّر بثمن.
في سياق متصل، روى أحد سكان المنطقة لـ"العربية.نت"، أن هذه الغابة المتحجرة تحيط بها الأساطير والحكايات، لكنها لم تحظَ بالاهتمام الذي تستحقه من الدراسات الأثرية، التي كان يمكن أن تكشف الكثير عن تاريخ المنطقة ونمط الحياة في العصور القديمة.
وأكد أن العديد من تلك القطع الأثرية النادرة قد اختفت دون أثر، تاركةً وراءها تساؤلات مؤلمة حول مصير هذه الكنوز.
سحر خاص
يذكر أن خبراء جغرافيون كانوا أشاروا إلى أن التغيرات المناخية التي تشهدها المنطقة، بما في ذلك السيول، تأتي كجزء من دورة مناخية طبيعية.
ومع ذلك، تظل الغابة المتحجرة شاهدةً على زمن كان فيه شمال السودان موطناً لغابات صنوبرية، في حقبة كانت الأمطار الغزيرة تروي الأرض الباردة.