مع بداية الحرب الحالية نمت دعوات مقاطعة إسرائيل في جميع المجالات اقتصاديا وعسكريا وثقافيا، وكذلك أكاديميا على المستوى الجامعي، ومنذ سنوات كان عدد من الأكاديميين حول العالم ينددون بممارسات إسرائيل العسكرية، وأصدروا بيانات تدعو لمقاطعة بعض المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية.
ترى حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل (بي دي إس)، أن الجامعات الإسرائيلية متورطة وبشكل مقصود ومستمر وممنهج في ممارسات الاحتلال وسياسات الفصل العنصري في فلسطين، لذا فإن المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل إحدى الأنشطة الأساسية للحركة ولحركات أخرى مثل الحملة الأميركية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل.
وتحظى المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل بدعم جمعيات أكاديمية في مختلف أنحاء العالم، منها جمعية الدراسات الأميركية وجمعية الدراسات النسائية الوطنية وجمعية الأدب الأفريقي. وفي بيانات سابقة أيد هذه المقاطعة الأكاديمية اتحاد المعلمين في أيرلندا، واتحاد الطلاب الناطقين بالفرنسية في بلجيكا، والاتحاد الوطني للطلاب في المملكة المتحدة، ومجلس ممثلي طلاب جامعة قطر، واتحاد طلاب الدراسات العليا في جامعة نيويورك وجامعة ماساتشوستس في أمهرست.
ومنذ أكثر من 10 سنوات صوت مجلس الشيوخ في جامعة جوهانسبرغ على إنهاء العلاقة الرسمية مع جامعة بن غوريون في إسرائيل. كما حظي هذا النداء بدعم النقابات العمالية الرئيسية في البلاد، بما في ذلك اتحاد نقابات عمال جنوب أفريقيا واتحاد نقابات العمال الوطني في جنوب أفريقيا.
كما وقّع آلاف الأكاديميين في جنوب أفريقيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة والهند والسويد وأيرلندا والبرازيل وبلجيكا وإيطاليا وأماكن أخرى على بيانات، دعما للمقاطعة الأكاديمية المؤسسية لإسرائيل.
كما طلب مئات الأكاديميين في أيرلندا خلال هذه الحرب الجارية الجامعات في أيرلندا بقطع العلاقات مع المؤسسات الإسرائيلية. وفي مايو/أيار من هذا العام قررت جامعة غنت في بلجيكا وقف جميع التعاون المؤسسي الجاري مع الجامعات والمؤسسات البحثية الإسرائيلية.
في حوار لـ "الجزيرة نت" عبر البريد الإلكتروني مع ريتشارد فالك، الأستاذ الفخري للقانون الدولي في جامعة برينستون الأميركية والنائب الفخري لرئيس الجمعية الأميركية للقانون الدولي، يقول "إن المقاطعة الأكاديمية، خاصة إذا اقترنت بنشاط احتجاجي جامعي واسع النطاق، يمكن أن تؤدي بشكل غير مباشر إلى قيام إسرائيل بإنهاء الإبادة الجماعية والعدوان في فلسطين المحتلة".
ويضيف فالك أنه "من الممكن أيضا أن يؤثر ذلك على الرأي العام في الدول المتواطئة خاصة الولايات المتحدة، وينتج عن ذلك دعم كبير للدبلوماسية والقانون الدولي والأمم المتحدة. ولكن في الوقت نفسه سيكون من الخطأ المبالغة في التفاؤل بشأن مثل هذه النتائج".
ويؤكد فالك على أن "دعم إسرائيل على المستويات الحكومية للرئيس الأميركي والكونغرس مشتركا بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وأنهم لم يتراجعوا عن منح إسرائيل الأسلحة والأموال والدعم الدبلوماسي. علاوة على ذلك فإن إسرائيل بارعة في التلاعب بالخطاب العام حول قضايا مثل الرهائن والتعامل مع هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول باعتباره حدثا مفاجئا. كما أنها ترهب الحكومات من خلال تلاعبها بمفهوم معاداة السامية لتبرير تحديها للأمم المتحدة والقانون الدولي".
ويرى فالك أنه من غير المرجح أن تؤثر مقاطعة إسرائيل أكاديميا على العمل الأكاديمي والبحثي المستمر في الجامعات الدولية حاليا، "ولكنها قد تثبط المشاريع التعاونية الجديدة، وذلك قد يكون له تأثير نفسي على إسرائيل، وتؤكد فقدانها للشرعية بسبب هجومها الهمجي على مدار العام الماضي".
وفي حواره مع الجزيرة نت عبر البريد الإلكتروني يقول أستاذ الرياضيات الفخري في كلية لندن للاقتصاد ورئيس اللجنة البريطانية لجامعات فلسطين جوناثان روزنهيد إن "المقاطعة الأكاديمية على نطاق واسع مثل أي مقاطعة أخرى لا بد أن تستغرق وقتا لتتطور وتصبح نافذة المفعول".
ويوضح روزنهيد أنه كان للمقاطعة التي حدثت سابقا في جنوب أفريقيا الفضل في كونها مؤثرة وفعالة في إنهاء الفصل العنصري هناك، لكن الوقت من بدء المقاطعة في جنوب أفريقيا إلى نهاية الفصل العنصري كان حوالي 30 عاما. لذا فإن مقاطعتنا تسعى إلى خلق مناخ من الرفض الثقافي ثم الاقتصادي، وأخيرا السياسي للتعامل مع إسرائيل. وقال إنها ليست حلا سريعا، ولا حملة ذات أهداف محددة قصيرة الأمد.
ويقول روزنهيد إنهم يدعمون حملة المقاطعة كما صاغتها "الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل"، التي تهدف إلى تثبيط الأنشطة المشتركة التي تشارك رسميا في مؤسسات التعليم العالي الإسرائيلية وليس تثبيط الأكاديميين الإسرائيليين الأفراد، أو عدم نشر أبحاثهم، أو تثبيط مشاركتهم في المؤتمرات الدولية، باستثناء إذا كان الأكاديمي الإسرائيلي لديه منصب إداري رسمي في جامعته ويعمل بهذه الصفة.
ويقول روزنهيد "كما أننا لا نشجع الأكاديميين على المشاركة في المؤتمرات التي ترعاها المؤسسات الإسرائيلية. وقد يكون هناك بعض التأثيرات الصغيرة بسبب المقاطعة على التدفق الحر للأفكار الأكاديمية، ولكن الغالبية العظمى من هذه الأنشطة لن تتأثر".
وبالنسبة للدوريات العلمية، فقد حاولت بعض الدوريات مثل نيتشر وسايني الوقوف في المنتصف، بل وقفت بعض الجمعيات ضد المقاطعة، لكن ذلك لم يمنع تأثر الأكاديميين الإسرائيليين، وسلط تقرير لمجلة ساينس الضوء على استطلاع رأي يبرز الضرر الكبير الذي أصاب الأكاديميين الإسرائيليين بسبب الحرب.
وأظهرت نتائج الاستطلاع أن الباحثين الإسرائيليين يتأثرون بشكل كبير بردود الفعل الدولية السلبية إزاء العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، ويخشى كثير منهم أن تصبح العواقب المهنية للحرب أسوأ بكثير في المستقبل، وكذلك أبدى كثير منهم الخوف من دعوات المقاطعة الأكاديمية التي يصدرها أكاديميون عالميون.
وف ....