على مدار سنين، اتجه البشر للبحث عن طريقة لتوقع أماكن وأوقات حدوث الزلازل، أملا في تجنب سقوط أعداد كبيرة من الضحايا.
ومع تطور علم الزلازل، تمكن البشر من تحديد دراسة علمية للزلازل وانتشارها والموجات الارتدادية وتأثيراتها الجانبية كالتسونامي، فضلا عن ذلك، حدد علم الزلازل عددا من المصادر التي قد تسببت في الرجات المميتة فتحدث أساسا عن الحركات البركانية والطبقات التكتونية والانفجارات التي قد تحدث بفعل البشر.
إلى ذلك، عرف علم الزلازل ثورة حقيقية بالقرن الماضي. ويعود الفضل في ذلك للفيزيائي وعالم الزلازل الأميركي تشارلز ريختر (Charles Richter) مبتكر سلم ريختر لقياس قوة الزلازل.
المسيرة العلمية لتشارلز ريختر
ولد تشارلز ريختر بأوهايو عام 1900. وعقب طلاق والديه، انتقل الأخير، وهو في التاسعة من العمر، رفقة أخته وأمه للعيش بباسادينا (Pasadena)، على مقربة من لوس أنجلوس، بولاية كاليفورنيا. أثناء مسيرته العلمية، أولى تشارلز ريختر اهتماما كبيرا بالكيمياء وعلم الفلك. وبسبب خوفه وعدم قدرته على التعامل مع المواد الكيمياوية الخطرة، قرر الأخير التخلي عن الكيمياء والتوجه بدلا من ذلك نحو الفيزياء.
عقب تخرجه في جامعة ستانفورد (Stanford) وهو في سن العشرين، عانى تشارلز ريختر من انهيار عاطفي واتجه للعودة نحو باسادينا بالقرب من عائلته. ومع استعادته لثقته، عاد ريختر للدراسة واتجه للتسجيل ببرنامج الدراسات العليا بالفيزياء بمعهد ثروب بوليتيك (Throop Polytechnic Institute) الذي أعيدت تسميته فيما بعد بمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا.
أثناء مسيرته، لم يخطط تشارلز ريختر قط لأن يصبح عالم زلازل. ففي عام 1921، أسس عالم الزلازل هاري أوسكار وود (Harry Oscar Wood) مختبر زلازل بمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا. وبنفس الفترة، اخترع وود مع عدد من زملائه جهازا خفيفا لقياس الزلازل المحلية بجنوب كاليفورنيا. وبسبب تراكم البيانات بالجهاز، احتاج وود لشخص لتحليلها.
ظهور مقياس ريختر
عقب جملة من المشاورات، وقع الاختيار على تشارلز ريختر للقيام بهذه المهمة. ومع استلامه لمهامه، واجه ريختر العديد من المصاعب بسبب تسجيل أجهزة قياس الزلازل مقدار اهتزاز الأرض في مواقع مختلفة بعيدة في الغالب عن مركز الزلزال. من جهة ثانية، كان من الصعب، حسب المعلومات التي جمعها، مقارنة شدة هذه الزلازل التي تم تسجيلها بنفس التوقيت.
من جهة ثانية، مثلت طريقة عالم البراكين الإيطالي جوزيبي ميركالي (Giuseppe Mercalli)، التي تعود للقرن التاسع عشر، الطريقة الوحيدة المتوفرة لمقارنة شدة الزلازل. فبتلك الفترة، اعتمد نظام ميركالي على الملاحظة البشرية لمقارنة وتصنيف الزلازل. فإذا كان الاهتزاز بالكاد محسوسا فإنه يصنف على أنه من الصنف الأول. وإذا كان الزلزال يهز النوافذ يصنف على أنه الرابع. أما إذا كان من الصعب المشي أثناء حدوثه فيصنف من الصنف السادس.
وإذا أحدث دمارا هائلا فيتم تصنيفه ضمن الصنف الأعلى وهو الصنف الثاني عشر.
أملا في التخلص من هذا المقياس القديم والحصول على مقياس جديد للزلازل، توجه تشارلز ريختر نحو عالم الزلازل بينو غوتنبرغ (Beno Gutenberg).
وبتلك الفترة، اقترح غوتنبرغ على ريختر رسما بيانيا لوغاريتميا لتكثيف مجموعة واسعة من البيانات في مقياس أصغر وأكثر قابلية للإدارة. ومع تجربته لهذه الفكرة على بيانات الجهاز الذي عمل عليه، حصل ريختر على مقياس جيد تم من خلاله جمع بيانات الزلازل لتحديد شدتها على سلم تراوح بين 0 و10.
مع ابتكاره لهذا المقياس، لم يطلق تشارلز ريختر اسمه عليه واتجه في المقابل لتسميته، بورقة البحوث التي أجراها سنة 1935، باسم مقياس الزلازل الآلي. وعقب بعض الزلازل التي هزت ولاية كاليفورنيا بالنصف الثاني من الثلاثينيات، أثبت هذا الجهاز قدرته على قياس شدتها. لاحقا، كسب تشارلز ريختر شهرة كبيرة. وبفضل ذلك، اتجه الإعلاميون لاستخدام اسم مقياس ريختر للحديث عن هذا المقياس الذي ابتكره تشارلز ريختر.
خلال السنوات التالية، اتجه عدد من العلماء للمطالبة بإعادة تسمية المقياس باسم مقياس غوتنبرغ ريختر مؤكدين على تجاهل العالم للدور الهام الذي لعبه بينو غوتنبرغ لابتكار هذا المقياس. وعلى الرغم من حفاظ هذا المقياس على اسمه، لم ينف تشارلز ريختر دور غوتنبرغ الهام واعتماده على فكرة الرسم البياني اللوغاريتمي للوصول لمقياس ريختر الشهير.