آخر الأخبار

زراعة الأعضاء في الأردن: نحو منظومة وطنية عادلة للتبرّع بعد الوفاة الدماغية

شارك

زاد الاردن الاخباري -

في الأردن، تمثّل زراعة الأعضاء أحد أكثر الملفات الصحية حساسيةً وأهميةً، لما تحمله من أبعاد إنسانية وأخلاقية وطبية. فعلى الرغم من التقدّم الملحوظ في بعض جوانب الرعاية الصحية، لا تزال زراعة الأعضاء من المتوفين دماغيًا محدودة للغاية، مقارنةً بحجم الحاجة الفعلية وعدد المرضى المنتظرين لفرصة حياة جديدة.

المفارقة الواضحة أنّ ثقافة التبرّع بعد الوفاة ليست غريبة عن المجتمع الأردني. فالتبرّع بالقرنيات بعد الوفاة يُمارَس منذ سنوات طويلة، وعشرات الحالات تُسجَّل سنويًا دون اعتراض مجتمعي يُذكر، ما يدل على وجود قبول أخلاقي وديني راسخ لفكرة التبرّع. ومع ذلك، لم ينعكس هذا القبول على التبرّع بالأعضاء الحيوية الأخرى كالكبد والكلى والقلب والرئة والبنكرياس، ليس بسبب الرفض المجتمعي، بل نتيجة غياب منظومة وطنية منظّمة تقود هذا الملف بحوكمة واضحة ومعايير علمية دقيقة.

إن إنشاء مركز وطني أردني لزراعة الأعضاء لم يعد ترفًا إداريًا، بل ضرورة صحية وأخلاقية. مركز يتولى وضع السياسات، وتنظيم آليات تشخيص الوفاة الدماغية وفق بروتوكولات علمية معتمدة، وادارة قوائم الانتظار بشفافية، وضمان عدالة توزيع الأعضاء بعيدًا عن أي مزاجية أو محسوبيّة. مركز يكون مرجعية موحّدة، ويعمل بتكامل مع المستشفيات الحكومية والخاصة، ويخضع لرقابة واضحة ومعلنة.

كما أن وجود هذا المركز سيُسهم في تعزيز ثقة المجتمع، فعندما يدرك المواطن أن التبرّع يتم ضمن إطار وطني عادل وشفاف، وأن كرامة المتوفّى دماغيا محفوظة، وأن حياة الآخرين تُنقَذ دون استثناء أو تمييز، فإن الاستعداد للتبرّع سيتحوّل من تردّد فردي إلى سلوك مجتمعي مسؤول.

زراعة الأعضاء ليست قضية طبية فقط، بل هي انعكاس لرقيّ الدولة وعدالة نظامها الصحي. والأردن، بما يملكه من كفاءات طبية عالية وسمعة إقليمية محترمة، قادر على أن يكون نموذجاً رائداً في هذا المجال. ما ينقصنا ليس العلم ولا الخبرة، بل القرار المؤسسي الجريء.

لقد آن الأوان للانتقال من الجهود الفردية إلى العمل المنظم، ومن الاجتهادات المحدودة إلى منظومة وطنية قائمة على أسس علمية بحتة.

د. بادي الرواشدة
جراح زراعة الاعضاء
كلية طب وسكنسون
الولايات المتحده الأمريكية



زاد الأردن المصدر: زاد الأردن
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا