سرايا - في اليوم الثاني لمناقشات مجلس النواب أمس، مشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2026، هيمنت قضية رفع الرواتب وتحسين مستويات المعيشة على خطابات النواب، وشكّل هذا المطلب العنوان العريض لخطاباتهم، ليصبح محور مداخلاتهم، التي توزعت بين معالجة مشكلات الخدمات والتشغيل والتنمية المحلية، والتأكيد على أن قدرة المواطن في مواجهة أعباء الحياة، باتت تسبق أي حديث عن أرقام أو مؤشرات اقتصادية، وترتبط مباشرة بقرارات تنفيذية سريعة، أبرزها: زيادة الرواتب وربطها بمعدلات التضخم وتوفير فرص عمل لائقة، وتحسين البنية التحتية بالمحافظات.
جلسة النواب المتصلة التي ترأسها رئيس المجلس مازن القاضي، وأدار جزءا منها النائب الأول خميس عطية، بحضور رئيس الوزراء د. جعفر حسان وأعضاء من فريقه الوزاري، جهد فيها النواب بنقل هموم المحافظات والألوية للحكومة، وحجم التوتر الاجتماعي الذي تسببه ضرائب غير مباشرة وغلاء متصاعد لأسعار السلع والخدمات، وفيها أعلن نواب أنهم ينوون عدم التصويت على الموازنة.
وكان واضحا أن كلمات النواب مختلفة عما كانت عليه في دورتهم الأولى، إذ بدت مباشرة وصريحة، وضعت الحكومة أمام اختبار، يدعوها للاعتراف بأن المواطنين وصلوا إلى مرحلة تحتاج تدخلاً مباشراً لتحسين دخولهم، لا الاكتفاء بإجراء تعديلات إدارية، أو إطلاق وعود بإصلاحات مستقبلية، وشددوا على أن أي حديث عن تطوير الاقتصاد أو تعزيز الاستثمار، لن يلقى أي صدى لدى الناس، ما دامت الرواتب على وضعها الراهن، يلتهمها التضخم وتفاقم ارتفاع الأسعار.
وأشار نواب إلى أن كل ذلك، هو محصلة سنوات تصاعد فيها ارتفاع الأسعار وتآكلت فيها الدخول، ما خلق حالة من الإرهاق المجتمعي، مؤكدين أن الموازنة لا جدوى لها، ما لم تعترف الحكومة في متنها وعلى نحو صريح وشفاف، بالحاجة لرفع رواتب العسكريين والمدنيين والمتقاعدين، باعتبار ذلك استثماراً في الاستقرار، لا مجرد عبء إضافي على الخزينة.
ولفتوا إلى تدهور القدرة الشرائية للأسر، محذرين من أن استمرار هذا المسار، مقلق، ويجب التعامل معه بعقلانية وشفافية وعمق، مقرونا بقرارات لا لبس فيها تخفف عن المواطنين، فالمواطن لم يعد قادرا على مزيد من الضرائب أو الرسوم التي ترتفع على نحو لا تفسير له، أو أي سياسات مالية قد تضاعف الضغوط على الأردنيين، معتبرين بأن الحكومة مطالبة بتقديم رؤية، تُوازن بين ضبط النفقات وتحفيز النمو دون المساس بقوت الناس.
وأكدوا أن التجربة أثبتت بأن تحميل المواطنين كلفة الإصلاح الاقتصادي ليست خيارا ممكناً، فالحاجة لإعادة صياغة المقاربة الاقتصادية بالواقع باتت ملحة، لا تحتاج لتأخير، بخاصة بعد سنوات من السياسات المالية التي اعتمدت على الضرائب غير المباشرة، والتوسع بالاستدانة، وفرض إجراءات تقشفية أضرت بحاجات المواطن والمؤسسات، مبينين بأن الموازنة يجب ألا تكون مجرد وثيقة مالية، بل عليها أن تحمل برنامجاً يرتكز على ترسيخ الاستقرار الاجتماعي على نحو واضح وملموس.
وأوضح نواب أن غياب التنمية المتوازنة في المحافظات، عمقت الشعور بالتهميش، ما يتطلب إطلاق مشاريع تنموية، قادرة على خلق فرص عمل حقيقية، بخاصة للشباب ممن باتوا يعانون من البطالة، وغياب فرص العمل الحقيقية، وانسداد في الآفاق الاقتصادية، ووقف المركزية الشديدة باتخاذ القرار الاقتصادي، لأن ذلك أدى لتجميد مشاريع محلية، كان يمكنها تخفيف جزء من الضغوط المعيشية.
وأشادوا بجهود جلالة الملك عبدالله الثاني في ترسيخ موقع الأردن إقليميا ودوليا، مشيرين إلى أن الحراك الملكي الخارجي، أسهم بتعزيز ثقة العالم بالمملكة، وهذا الزخم يجب أن يُترجم داخلياً عبر سياسات اقتصادية أكثر جرأة، فمكانة الأردن كركيزة استقرار في المنطقة ليست عنواناً بروتوكولياً، بل مسؤولية تستوجب تعزيز الجبهة الداخلية، وفي مقدمتها الجبهة الاقتصادية للمواطنين، وأن الجولات الملكية، بما تحمله من رسائل سياسية ومواقف ثابتة تجاه قضايا المنطقة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، تضع على عاتق الحكومة واجباً أكبر في فتح نوافذ استثمار جديدة، وترجمة الثقة الدولية لمشاريع إنتاجية، لا الاكتفاء بخطاب سياسي دون نتائج ملموسة.
كما رأى نواب، أن بناء الاقتصاد لا يحدث بإجراءات منعزلة، بل وفق رؤية تتكامل فيها السياسة الخارجية مع السياسة الاقتصادية، وتقوم على إرساء الشراكات الإقليمية والدولية لخدمة النمو المحلي.
وأكدوا أن معالجة الأزمة الاقتصادية الراهنة تتطلب شجاعة سياسية، مشددين على أن رفع الرواتب ليس نهاية المطاف، بل بداية لمسار إصلاحي اجتماعي، يجب أن يمتد إلى تحسين مستوى الخدمات العامة، بخاصة في قطاعات الصحة والتعليم والنقل، مبينين أن المواطن لن يشعر بتحسن إذا بقيت البنية التحتية الخدمية ضعيفة.
وشددوا على ضرورة وضع خطة تشغيل وطنية، مرتبطة بزمن محدد، تقوم على تحفيز القطاع الخاص عبر إعفاءات مشروطة بالتوظيف، وتعزيز التدريب المهني والاندماج مع سوق العمل، فالشباب لا يريدون حلولاً موسمية أو مبادرات وقتية، بل يريدون فرصاً حقيقية تستند على اقتصاد منتج يتسع للجميع. لافتين إلى أن البطالة ليست أزمة اقتصادية فقط، بل وسياسية أيضاً، لأنها ترتبط بالأمل والثقة بالمستقبل.
وتحدث آخرون عن أهمية توجيه الاستثمارات نحو المشاريع الكبرى، القادرة على تحويل المحافظات لمراكز إنتاج حقيقية، معتبرين بأن تعزيز البنية التحتية وإنشاء مناطق تنموية جديدة، سيخفف الضغط عن المدن الكبرى، ويخلق بيئة اقتصادية عادلة، فتوازن التنمية أساس الاستقرار، ومحو الفجوات بين المحافظات عدالة.
ودعوا الحكومة لتحمل جزء من الكلفة، وألا تلقي العبء بأكمله على المواطنين، لإن الثقة بها ليست مسألة إجرائية، بل شرط للاستقرار، مؤكدين أهمية تطوير قدرات المؤسسات التنفيذية، فحسن الإدارة لا يقل أهمية عن الموارد المالية نفسها، والتباطؤ بالإنجاز يعطل أي محاولة لتفعيل الموازنة، مطالبين في الاستمرار بدعم الأجهزة العسكرية والأمنية لتعزيز جاهزيتها، في وقت تتصاعد فيه التحديات الإقليمية.
أكدوا ضرورة تحسين التعليم وتطوير المناهج والبنية التحتية المدرسية، وإعادة النظر في سياسات الاستدانة، والتأكيد على أن الدين العام يجب أن ينخفض تدريجياً في نطاق سياسات رشيدة، وليس بتحميل المواطنين كلفة الإصلاح، مشيرين إلى أن الحكومة مطالبة بإجراءات فعلية لا باجتماعات وتصريحات، وأن الميدان المعيار الحقيقي لأي أداء حكومي.
وأشاروا إلى أن النمو الاقتصادي، لا يمكن تحققه دون بيئة استثمارية مستقرة، لافتين إلى المستثمر يبحث عن إجراءات لا عن وعود، ما يتطلب وضع حد للبيروقراطية وتبسيط الإجراءات وتعديل التشريعات المعيقة للاستثمار، مؤكدين أن الاقتصاد الأردني يمتلك القدرة على جذب استثمارات نوعية إذا توافرت الإرادة السياسية والإدارية.
وبين نواب أن العالم يتجه نحو الاقتصاد المعرفي، لذا على الأردن الالتحاق به، بالاستثمار في التعليم التقني والمهني والتخصصات المستقبلية كالذكاء الاصطناعي وأنظمة الطاقة المتجددة والتطبيقات الصناعية، معتبرين بأن هذه الوظائف، ستخلق تنافسية حقيقية تسهم برفع نسب التشغيل.
وأشادوا بصبر المواطن ووعيه وقدرته على تحمل الظروف، فهذا الصبر يتطلب مكافأته بإجراءات تعيد التوازن بين كلفة الحياة ومداخيل الأسر، وعلى الحكومة التقاط اللحظة للإسهام بحلول تنموية واقعية وحقيقية.
وفي مستهل الجلسة أكد النائب أحمد السراحنة، ضرورة الحرص على جذب الاستثمارات بتوفير بيئة خصبة للمستثمرين، وتقديم تسهيلات، تكون دافعا وحافزا على تشجيع الاستثمار، والنهوض بالقطاع السياحي، والسياحة العلاجية.
كما أكدت النائب راكين أبو هنية، أهمية تطوير الأنماط الزراعية الملائمة للواقع المائي، وبناء بنية تحتية داعمة للصناعات التحويلية وتدريب المزارعين، داعية لأن كل وزارة مطالبة بأن يكون لها عنوان واضح لأولوياتها يحدد دورها الحقيقي بدعم أهداف الموازنة.
وقال النائب محمد الظهراوي، إن جولات رئيس الوزراء بالمحافظات أثلجت صدور الأردنيين، داعيا لإعادة تأهيل الطرق وتعبيدها وتجهيزها لتتناسب مع المركبات، بينما طالب النائب جمال قموة الحكومة بالاهتمام بالنمو الاقتصادي، وفتح أسواق عمل للخريجين.
وأشاد النائب سليمان الزبن بجهود الحكومة في تعزيز حضورها الميداني وتكثيف تواصلها المباشر مع المواطنين، مبينا أن هذه الزيارات أسهمت بترسيخ جسور الثقة وتعزيز فهم الواقع على الأرض.
كما أشار النائب أيمن البدادوة لخطورة المحتوى الذي يتعرض له الشباب عبر المنصات الرقمية، ما يستدعي رقابة صارمة ومسؤولية وطنية مشتركة لحماية الأسرة والمجتمع، مطالبا بتمكين صناع المحتوى الهادف، واستعادة روح البرامج التثقيفية التي شكلت جزءا من وعي الأجيال.
من جهتها، أكدت النائب أروى الحجايا أهمية ضبط الإنفاق، وتشديد الرقابة على الميزانيات الفرعية والنظام المحاسبي، مشيدة بالزيارات الميدانية الحكومية التي تلامس احتياجات الناس.
وأكدت النائب نسيم العبادي أن التنمية الحقيقية تبدأ من المحافظات ومن عمق المجتمعات المحلية، وإن دعم قطاع الإدارة المحلية ضرورة وطنية، مشيرة لأهمية المشاريع التنموية القادرة على توفير فرص عمل وتقليل معدلات البطالة.
ودعا النائب موسى الوحش للتركيز على التنمية الموجهة، وتخصيص 30 % من الإنفاق الرأسمالي لمشاريع إنتاجية، تتيح فرص عمل للشباب، وتوزع المشاريع بين المحافظات. فيما طالب النائب أحمد القطاونة بوضع برامج لمعالجة قضايا الفقر والبطالة، وتوفير فرص عمل للشباب.
وطالب النائب علي الخزعلي بمزيد من الاهتمام بقطاعي التعليم والصحة، وتوفير الأدوية، خاصة أدوية الأمراض المزمنة. بينما دعا النائب خضر بني خالد لإنشاء منطقة استثمارية بين كل قضاءين، ومعهد تدريب مهني في كل قضاء، وشمول البلدات والتجمعات السكانية الكبرى بمشاريع الصرف الصحي، وإحلال العمالة الأردنية محل العمالة الوافدة في المدن الصناعية.
وأكد النائب رائد القطامين أن تحفيز النمو يتطلب مزيدا من جذب الاستثمارات، وإجراءات واضحة وتشريعات مستقرة، داعيا لتوجيه أموال الموازنة نحو مشاريع تولد دخلا وفرص عمل في المحافظات.
كما دعا النائب وصفي حداد، لتنشيط السوق المحلي، مؤكدا أهمية السياسات والإجراءات التي تسهم بتحريك الاقتصاد وتوفير حياة كريمة للمواطن، بينما طالب النائب معتز الهروط بحصر الاقتراض بالمشاريع المنتجة، وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص في تنفيذ المشاريع الاستثمارية، وتوجيه الاستثمار نحو المحافظات، وتطوير قطاع السياحة.
وأشار النائب إياد جبرين إلى أن نجاح الموازنة يرتبط بمدى القدرة على تنفيذ المهام ضمن أولويات واضحة، وجداول زمنية محددة، ومؤشرات أداء قابلة للقياس، بما يضمن تحويل الإنفاق على البرامج لإنجازات.
الغد
المصدر:
سرايا