سرايا - انتخب المرشح الديمقراطي زهران ممداني، المعارض الشرس لدونالد ترامب، رئيسا لبلدية نيويورك الثلاثاء وفق ما أفادت شبكات "إن بي سي" و"سي إن إن" و"سي بي إس" استنادا إلى نتائج أولية.
ويتقدم ممداني البالغ 34 عاما على حاكم الولاية السابق أندرو كومو والجمهوري كورتيس سليوا، وفق ما أظهرت النتائج الأولية الصادرة عن مجلس انتخابات مدينة نيويورك.
وسيصبح ممداني أول رئيس بلدية مسلم لأكبر مدينة في الولايات المتحدة في الأول من يناير.
وهدد الرئيس ترامب، بوقف التمويل الاتحادي عن مدينة نيويورك، إذا فاز ممداني بمنصب العمدة في الانتخابات البلدية.
ووصف ترامب في منشور له على منصة تروث سوشيال ممداني بأنه "شيوعي"، قائلا إنه سيترك المدينة "بفرصة صفر للنجاح أو حتى البقاء".
وفي فرجينيا، فازت الديمقراطية المعتدلة أبيغيل سبانبرغر بسهولة بمنصب حاكم الولاية.
قال المرشح الديمقراطي الشاب زهران ممداني متوجها لأنصاره "اليوم دخلنا التاريخ.. فزنا لأن أهالي نيويورك دافعو عن مدينة يمكنهم تحمل تكلفة العيش فيها. مدينة يمكنهم فيها القيام بأكثر من مجرد الكفاح من أجل تأمين حاجاتهم".
ولكي تصبح تكلفة العيش بنيويورك في متناول أوسع قاعدة ممكنة من سكان المدينة تعهد ممداني (34 عاما)، الذي يسكن في شقة لا يزيد إيجارها الشهري على 2300 دولار، بتجميد زيادات الإيجارات لمليون شقة منتظمة الإيجار في المدينة، وتوسيع الخدمات العامة مثل النقل المجاني وتوفير رعاية شاملة ومجانية للأطفال.
كما وعد ممداني، الذي لا يمتلك سيارة ويستعمل وسائل النقل العام، ناخبيه بإنشاء متاجر بلدية لبيع السلع بأسعار الجملة، وبرفع الحد الأدنى للأجور إلى 30 دولارا في الساعة بحلول 2030، ولتمويل هذه المقترحات يقترح فرض ضرائب إضافية على الشركات وأصحاب الدخل العالي الذي يفوق مليون دولار سنويا.
شيوعي أم اشتراكي؟
ويثير خطاب ممداني بعض المخاوف في أوساط رجال المال والأعمال بشأن تفعيل برنامجه السياسي، وخاصة في جانب التمويل. وقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في وقت سابق، إن حملة ممداني تُشكل تهديدا خطرا لنيويورك، وعبر عن رفضه محاولة انتخابه وهدد بحجب التمويل الفدرالي عن المدينة إذا فاز.
ومع بدء العد التنازلي لاختيار عمدة جديد للمدينة، غير الرئيس ترامب نسبيا لهجته اتجاه ممداني، وقال "يبدو أنه سيفوز.. هذه ثورة. هذه أيضا ثورة على المرشحين السيّئين"، وأضاف أنه مستعد للتواصل معه في حال فوزه نهائيا بالاقتراع.
ساسة تقليديون ومليارديرات
وعندما قرر ممداني في أكتوبر/تشرين الأول 2024 دخول السباق نحو رئاسة بلدية نيويورك، شكل ذلك مفاجأة بالنسبة لنخبة الحزب الديمقراطي التي تعاقب عدد من وجوهها التقليديين على إدارة المدينة منهم بيل دي بلازيو (2014-2021) ومايكل بلومبيرغ (2002-2013).
وجاء ترشيح ممداني تتويجا لعدة سنوات من تمثيل منطقة كوينز في المجلس التشريعي لنيويورك ولم يتردد في تحدي أسماء تقليدية في الحزب الديمقراطي واستطاع تدريجيا أن يحول حملته الانتخابية إلى استنفار لقواعد واسعة من الناخبين الذين بدؤوا يضيقون ذرعا بالنخبة المهيمنة في الحزب بسبب تورطها في قضايا فساد كثيرة.
وقبل أيام قليلة، شارك ممداني مع متابعيه على منصات التواصل الاجتماعي مقطعا مصورا يخاطب فيه كومو "حبيبي (بالعربية)، اكشف عن عملائك"، تعليقا على تقرير صحفي يفيد أن كومو جنى عام 2024 أرباحا قدرها 4 ملايين دولار عن طريق شركة للخدمات الاستشارية، دون توضيح العملاء المستفيدين من خدماته.
ظاهرة فريدة
ومنذ ترشحه لهذا المنصب، تحول ممداني إلى ظاهرة سياسية فريدة، وفق تعبير الأكاديمية سحر خميس، وهي أستاذة إعلام في جامعة ماريلاند الأميركية، وأصبح مادة دسمة لمختلف وسائل الإعلام الأميركية التي تتوقع أن يصبح ممداني أول عمدة مسلم لنيويورك.
ويسجل ممداني حضورا لافتا في وسائل الإعلام التقليدية وخاصة المحطات التلفزيونية حيث يطغى بشكله الجذاب والعفوي وبحضور بديهته وابتسامه الدائم ووضوح أفكاره السياسية، علاوة على حس الفكاهة العالي الذي يتمتع به.
حاضنة تعددية
وحقق ممداني ذلك الصعود السياسي الصاروخي متشبعا بالقيم التي تربى عليها في بيئة ثقافية تعددية مسكونة بأسئلة الهوية والانتماء على خلفية الأصول الهندية والأوغندية لوالده المؤرخ محمود ممداني، وهو أستاذ في جامعة كولومبيا (نيويورك) ووالدته المخرجة السينمائية الشهيرة ميرا نايير.
وقدم ممداني مع أسرته، وهو في سن السابعة إلى نيويورك بعد أن أمضى سنوات طفولته الأولى في مسقط رأسه بأوغندا وتأثر بتجربة والده السياسية والفكرية وبأعمال والدته الفنية، وكان بيت العائلة مفتوحا لأسماء وازنة في الفكر والفن منها المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد.
في تلك الأجواء، بدأ اهتمام ممداني بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تمس الفئات المهمشة وانخرط في العمل الميداني، وأثناء دراسته الجامعية في كلية بودوين بولاية مين ساهم في تأسيس فرع لمنظمة "طلاب من أجل العدالة في فلسطين"، وشارك في حملة لإقناع الكلية بالانضمام إلى مقاطعة أكاديمية لإسرائيل باعتبارها أداة فعالة للضغط السلمي من أجل احترام القانون الدولي.
وبعد التخرج من الجامعة، عمل ممداني مدرسًا ومغني راب، وفي عام 2016 ساعد والدته في تأليف موسيقى فيلمها "ملكة كاتوي". وكانت أول وظيفة شغلها بدوام كامل هي تقديم المشورة لأصحاب المنازل المتعثرين في تسديد الأقساط في إطار منظمة غير ربحية صغيرة في منطقة كوينز.
وخلال عمله في تلك المنظمة تبلور وعيه باحتياجات السكان وحوّل ذلك إلى رسالة سياسية وجدت تدريجيا صدى لدى سكان منطقة كوينز، من ذوي الأصول الآسيوية، ولدى باقي سكان نيويورك التي كانت تعيش أسوأ أزمة سكنية منذ عدة عقود.
مخاطبة الجاليات
يوم السبت (1 نوفمبر/تشرين الأول) شارك ممداني على منصة فيسبوك فيديو مع متابعيه، يعرض بلهجة شامية الخطوط الكبرى لبرنامجه الانتخابي: "مرحبا! أنا اسمي زهران ممداني وعم رشّح حالي لأكون العمدة الجديد في مدينة نيويورك. بعرف شو عم تفكروا. شكلي كأني صهركم من الشام. بس العربي تبعي بدها شوي شغل".
وأضاف ممداني "مع هيك أنا حابب اليوم أطلب دعمكم يوم 4 نوفمبر. العيشة بنيويورك صارت غالية للكل.. وصار صعب نعيش فيها، ونربي أولاد. أنا كعمدة رح أجمّد الإيجارات لأكثر من مليوني شخص، وخلي الباصات سريعة ومجانا وأضمن رعاية الأطفال شاملة لكل العائلات.. أنا منكم وإليكم".
وردت في ذلك المقطع عبارة "شكلي كأني صهركم من الشام" وهي تلميح إلى زواجه مطلع العام الجاري من الفنانة السورية الأميركية راما دواجى التي رأت النور في الولايات المتحدة لأبوين سوريين ودرست في جامعة فرجينيا كومنولث وأصبحت مدرسة للفنون البصرية في نيويورك.
وفي مقطع فيديو آخر يتحدث ممداني باللغة الإسبانية وهو يتجول في شوارع منطقة كوينز التي يمثلها منذ خمس سنوات في المجلس التشريعي لنيويورك، ويوجه نفس الرسالة إلى الناطقين بالإسبانية بالمدينة.
وفي واحدة من أكثر اللحظات وقعا ومفعولا، ظهر ممداني في لقاء خطابي قبل نحو أسبوع خارج مسجد في منطقة برونكس وهو محاط بعدد من أفراد الجالية المسلمة وتحدث بتأثر كبير عن الإهانات التي واجهها المسلمون في المدينة منذ فترة طويلة.
وروى ممداني كيف أنه عندما دخل عالم السياسة لأول مرة اقترح عليه عمه بلطف أن "يحتفظ بإيمانه لنفسه"، لكنه تعهد بأن يكسر هذه القاعدة وأن يجاهر بتمسكه بهويته الإسلامية في وجه خطاب الإسلاموفوبيا والعنصرية السائد في البلاد.
وتجسد تلك المشاهد ملامح دالة من حملة ممداني الذي يخاطب ناخبيه المحتملين من أي منبر ممكن في إطار حملة منسقة ومكثفة تراهن بشكل كبير على منصات التواصل الاجتماعي وعلى الالتحام المباشر مع الناس في الساحات العامة ووسائل النقل العام والمطاعم والحدائق وغيرها من الفضاءات.
المصدر:
سرايا