سرايا - مع تصاعد الترجيحات بتراجع إنتاج الزيتون للعام الحالي جراء شح الأمطار في الموسم الماضي، يسود قلق حول قدرة هذا الموسم على تلبية احتياجات السوق المحلي، وفيما إذا كانت ستلجأ وزارة الزراعة إلى فتح باب الاستيراد لتغطية العجز، فضلا عن مخاوف من أن يفقد زيت الزيتون الأردني قدرته التصديرية خصوصا وأنه يتمتع بسمعة جيدة في الأسواق العالمية.
وشهد الأردن هذا العام موسما مطريا شحيحا، حيث لم تتجاوز كميات الهطول نصف المعدل السنوي المعتاد، وهو ما انعكس مباشرة على إنتاجية أشجار الزيتون التي تُعد رمزًا وطنيًا واقتصاديًا.
ووفقًا للتقديرات الأولية، فإن الإنتاج المتوقع من ثمار الزيتون هذا الموسم لن يتجاوز 22 ألف طن، وهو رقم متواضع مقارنة بالسنوات السابقة، ففي الموسم الماضي 2024/ 2025، بلغ إنتاج زيت الزيتون نحو 35.828 طنًا بزيادة نسبتها 43 % عن موسم 2023/ 2024 الذي سجل 25.028 طنًا، بحسب بيانات دائرة الإحصاءات العامة.
ووفقا لخبراء قالوا إن زيت الزيتون الأردني يبقى منتجا إستراتيجيا يحمل قيمة اقتصادية وثقافية عالية، وفي مواجهة التحديات المناخية وشح المياه، فإن التفكير بخيارات مبتكرة مثل استيراد ثمار الزيتون قد يكون حلا مؤقتا لتجاوز الأزمات الموسمية، غير أن نجاح هذا التوجه يتوقف على حسن الإدارة، وضمان الشفافية، وحماية المنتج الوطني، بحيث يظل الأردن حاضرا بقوة في أسواق زيت الزيتون الإقليمية والعالمية.
قلق مشروع
وفي السياق، رأى الخبير الدولي في الأمن الغذائي الدكتور فاضل الزعبي، أن هذا التراجع الحاد في موسم الزيتون يثير القلق حول قدرة الأردن على تلبية احتياجات السوق المحلي وضمان استمرارية الصادرات، مبينا أن التقديرات تشير إلى أن الاستهلاك المحلي من wwزيت الزيتون يتراوح سنويًا بين 30 و32 ألف طن، ما يعني أن الإنتاج المتوقع لهذا الموسم قد لا يغطي سوى جزء يسير من الطلب الداخلي، ويضع الأردن أمام تحديات في الحفاظ على مكانته التصديرية.
وبين الزعبي أنه رغم هذه التحديات، يظل الأردن يتمتع بميزة مهمة تتمثل في البنية التحتية المتكاملة لعصر الزيتون، إضافة إلى السمعة الطيبة التي اكتسبها الزيت الأردني في الأسواق الإقليمية والدولية.
وقال إن قيمة إنتاج زيت الزيتون في الموسم الماضي بلغت نحو 223.9 مليون دينار، فيما صدر الأردن كميات معتبرة إلى أسواق رئيسية مثل السعودية، والإمارات، والكويت، وقطر، إضافة إلى أسواق أوروبية واعدة مثل ألمانيا وبولندا، وهذه السمعة تجعل من الحفاظ على استقرار الإنتاج وجودة المنتج مسألة إستراتيجية، ليس فقط للمزارعين وأصحاب المعاصر، بل للاقتصاد الوطني كله.
وأضاف إنه وأمام هذا الواقع، يطرح البعض خيارا مثيرا للنقاش يتمثل باستيراد ثمار الزيتون من دول مجاورة مثل مصر، التي تتمتع بإنتاج وفير بفضل اعتمادها على مياه النيل في الري، والسماح لأصحاب المعاصر الأردنية بعصر هذه الثمار محليا، موضحا أن الفكرة تقوم على زيادة الكميات المتاحة من زيت الزيتون، سواء لتغطية الاستهلاك المحلي أو لتعزيز الصادرات، مع الإبقاء على الإنتاج الأردني مخصصا للأسواق القريبة التي تقدر أصالته وجودته.
وزاد: "من الناحية الاقتصادية، يمكن لهذا الخيار أن يحقق عدة فوائد، أبرزها الحفاظ على تشغيل المعاصر بكامل طاقتها بما يضمن استمرار فرص العمل وعدم تعطيل هذا القطاع الحيوي، إضافة إلى تثبيت أسعار الزيت محليًا ومنع ارتفاعها المبالغ فيه نتيجة قلة المعروض. كما يمكن أن يسهم في زيادة حجم الصادرات عبر المزج بين الإنتاج المحلي والمستورد، ما يعزز حضور الأردن في الأسواق الإقليمية."
وأشار الزعبي إلى أن تطبيق هذا الخيار يحتاج إلى إطار قانوني وتنظيمي واضح يحدد آليات الاستيراد والعصر والتسويق، مع ضرورة التمييز بين الزيت المنتج من الثمار الأردنية والمستوردة لضمان المصداقية أمام المستهلكين والأسواق الخارجية، كما يتطلب الأمر تعاونًا مؤسسيًا بين وزارة الزراعة، واتحاد المزارعين، وأصحاب المعاصر لوضع ضوابط تضمن ألا يضر الاستيراد بالمزارع الأردني.
استيراد ثمار الزيتون
من جهته، أكد أمين سر نقابة أصحاب المعاصر السابق حسين البشارات، تراجع الموسم الحالي لزيت الزيتون، جراء التغيرات المناخية المتمثلة بالعديد من موجات الحر أثناء فترة الإزهار وخلال فترة عقد الثمار، وانخفاض كميات الهطل في كثير من المناطق، ما أدى لانخفاض نسبة الأحمال إلى مستويات مرتفعة للغاية وبما يفوق الأعوام الماضية بكثير، ولذا فإن التقديرات المتوقعة لموسم الزيتون غير مبشرة.
وأضاف البشارات إنه بالرغم من قرار وزارة الزراعة بوقف تصدير ثمار الزيتون الأخضر لهذا الموسم، نظراً لانخفاض كميات الإنتاج المتوقعة، إلا أن النقص حاصل لا محالة.
وتابع: "برأيي أن فكرة الاستيراد سديدة، خاصة في حالة حاجة السوق لسد نقص الزيت المطروح في الأسواق المحلية".
من جهته بين وزير الزراعة السابق سعيد المصري، أن فتح باب استيراد ثمار الزيتون في حال حدوث نقص يضمن بألا يكون هناك زيت مغشوش، وسيعمل على تشغيل المعاصر التي تحتاج سيولة لتغطية المصاريف الإدارية، لذلك يمكن للحكومة السماح باستيراد الثمار، على أن يكون القرار مسبّبا، وأن يتم تحديد الكميات المنوي استيرادها ووضع شروط للمستورد.
بدوره، توقع الناطق الإعلامي لنقابة أصحاب المعاصر ومنتجي الزيتون الأردنية محمود العمري، توقع تحقيق الاكتفاء الذاتي من زيت الزيتون لهذا العام برغم قلة الإنتاج.
وبين العمري أن الطلب المحلي على زيت الزيتون يبلغ نحو 25 ألف طن سنويا، فيما تشير التوقعات إلى أن أسعار بيع زيت الزيتون لهذا الموسم ستبقى مستقرة ومماثلة لمستويات الموسم الماضي، مع الأخذ بالاعتبار العوامل المتعلقة بالعرض والطلب وكذلك جودة المنتج المتاحة.
وأضاف إن النقابة ستعلن عن جاهزية المعاصر في جميع مناطق المملكة لعصر الزيتون، منتصف الشهر الحالي، مبينا أنه على الرغم من ارتفاع النفقات، قررت النقابة المحافظة على ثبات أجور المعاصر بـ65 قرشا للكيلوغرام الواحد دون تغيير دعما للمزارع، وحفاظا على استقرار الأسعار.
تعزيز القيمة المضافة للمنتج
من جهتهم، دعا مزارعون ومواطنون الحكومة إلى فتح باب الاستيراد في حال حدوث نقص في مادة زيت الزيتون، لتغطية النقص، بشرط أن يكون الاستيراد من الثمار وليس من الزيت، لضمان الجودة العالية، ولتحريك عجلة الإنتاج في المعاصر.
وكانت أعلنت وزارة الزراعة عن وقف تصدير ثمار الزيتون الأخضر لهذا الموسم، نظراً لانخفاض كميات الإنتاج المتوقعة، وذلك في إطار حرصها على تعزيز القيمة المضافة للمنتجات الزراعية داخل السوق المحلي.
وأوضح وزير الزراعة، الدكتور صائب الخريسات، أن الوزارة، على الرغم من حرصها المستمر على فتح الأسواق الخارجية أمام المنتج الزراعي الأردني لما لذلك من أثر إيجابي على الميزان التجاري، فقد تم اتخاذ القرار تماشيا مع الظروف الإنتاجية الراهنة.
الغد