سرايا - أكد أمين عام وزارة العدل الدكتور وليد كناكرية أنّ تكلفة النزيل الواحد في مراكز الإصلاح والتأهيل في المملكة تصل إلى 25 دينارا في اليوم الواحد.
وبين كناكرية أنّ التعديلات الأخيرة على قانون العقوبات أتاحت للقاضي تقسيط الغرامة على سنتين أو تأجيل دفعها لمدة سنة، في حال تبين أن المحكوم عليه غير مقتدر على دفعها، مشيرا إلى أنّ تكلفة النزيل على الدولة قد تكون أحياناً أعلى بكثير من الغرامة المحكوم بها.
جاء هذا خلال مشاركته في جلسة بعنوان "تعديلات قانون العقوبات وآليات التنفيذ" عقدت ضمن فعاليات "مؤتمر الحوار الوطني حول بدائل التوقيف وبدائل العقوبات السالبة للحرية في ظل تعديلات قانون العقوبات لعام 2025: الأثر على المجتمع والعدالة الإصلاحية"، والذي نظمه المعهد الدنماركي لمناهضة التعذيب DIGNITY، بالتعاون مع وزارة العدل، وبدعم من السفارة السويسرية في الأردن.
وذكر كناكريّة أنّ هناك قوانين من بينها قانون الأحداث يحتاج إلى تعديل بما يتواءم مع تعديلات قانون العقوبات، حيث إنّ قانون العقوبات المعدل وسع من العقوبات البديلة للبالغين، إلّا أنّ هناك ضرورة للتوسع بهذه الأحكام فيما يخص الأحداث.
وقال كناكريّة في كلمة ألقاها في افتتاح المؤتمر مندوباً عن وزير العدل، إنّ التشريعات الجنائية تلعب دوراً أساسياً في الحفاظ على النظام والاستقرار المجتمعي، وذلك من خلال ضبط السلوك الإنساني وتحديد الأفعال التي تعتبر جرائم، والعقوبات المترتبة عليها، تحقيقا للردع العام والخاص.
وأضاف: "إلا أن تحقيق الردع في ظل التشريعات الجنائية لم يعد يتطلب الاعتماد على النصوص الصارمة بل أصبح يحتاج إلى فهم عميق للطبيعة البشرية وظروف الجريمة إضافة إلى اعتماد فلسفة قانونية حديثة تدمج بين الحزم والإصلاح، فالقانون يمثل منظومة عادلة تحقق الردع وتُصلح، وتعيد دمج الأفراد في المجتمع بما يخدم الصالح العام."
توازن مطلوب
وقال كناكرية إنه ونظرا لعدم فعالية العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة، ظهر اتجاه حديث في الفكر الجنائي يُعرف بـالفلسفة العقابية الحديثة، التي تسعى إلى تحقيق التوازن بين الردع، والإصلاح، وإعادة الاندماج، وأصبحت بدائل العقوبات السالبة للحرية ضرورة عملية وقانونية.
وأضاف إنّ العدالة التصالحية العقابية تمثّل نقلة نوعية في فهم وظيفة القانون الجنائي، فهي لا تكتفي بردع الفاعل عن الجريمة، بل تسعى إلى تفكيك أسبابها، ومداواة آثارها، وإعادة بناء العلاقات الاجتماعية، وقد أثبتت فعاليتها في تحقيق ردع مستدام وأعمق من المنظومة التقليدية، ما يجعل من الضروري دعم هذا التوجه من الناحية التشريعية والمؤسسية، مع ضمان التوازن بين الحقوق والواجبات لجميع الأطراف.
وذكر أنّ المشرع الاردني انتهج العدالة الإصلاحية الحديثة منذ عام 2017 من خلال تعديل قانون العقوبات وإدخال بدائل العقوبات السالبة للحرية، إلا أن واقع التطبيق والتحديات أظهر قيودا على استخدام البدائل، من ضمنها عدم جواز استبدال العقوبة السالبة للحرية بإحدى بدائل الإصلاح المجتمعي بعد اكتساب الحكم الدرجة القطعية في الجنايات ومحدودية الحالات التي يجوز فيها الاستبدال، وهو ماجرى تداركه في التعديلات التي أدخلت على قانون العقوبات لعام 2025.
وزاد أن المشرع سارع إلى إرساء مفهوم العدالة التصالحية، من خلال النص على استخدام البدائل في الجنح كافة والجنايات التي لا تتجاوز العقوبة المحكوم بها بالأشغال أو الاعتقال المؤقتة مدة ثلاث سنوات، كما نص على توفير أنواع بدائل جديدة تمكن القضاء من الحكم بها وفقا لمقتضيات العدالة، وبما يحقق الغاية من التشريع، علاوة على ذلك فإن المشرع أتاح الفرصة للمحكوم عليه للاستفادة من هذه البدائل في الجنح والجنايات حتى بعد صيرورة الحكم قطعيا.
وفي إطار الحديث عن العدالة التصالحية العقابية، أشار كناكرية إلى التعديل وإضافة بدائل التوقيف في نص المادة 114 ضمن تعديلات أصول محاكمات جزائية لعام 2017، وإدخال بدائل التوقيف القضائي من خلال الرقابة الإلكترونية، والمنع من السفر، والإقامة في المنزل أو المنطقة الجغرافية للمدة التي يحددها المدعي العام أو المحكمة وتكليف الشرطة بالتثبت من ذلك، وإيداع مبلغ مالي أو تقديم كفالة عدلية يعين المدعي العام أو المحكمة مقدار كل منهما.
ومن البدائل أيضا، بحسبه، حظر ارتياد المشتكى عليه أماكن محددة، مؤكداً حرص المشرع على اتباع نهج العدالة التصالحية وتجنيب دخول السجن للشخص غير المعتاد على الإجرام منذ مرحلة التحقيق الابتدائي.
ولتوفير تطبيق المراقبة الإلكترونية، قامت وزارة العدل بالتشارك مع المجلس القضائي، بتجهيز وبناء مشروع الرقابة الإلكترونية كبديل عن التوقيف بموجب المادة 114 مكرر من قانون أصول المحاكمات الجزائية المعدل لعام 2017، وبديل عن العقوبات السالبة للحرية (المراقبة الإلكترونية) بموجب المادة 25 مكررة من قانون العقوبات ضمن تعديلات عام 2022، وذلك من خلال توفير البنية التحية وتجهيز متطلبات النظام الفنية والتقنية والربط مع نظام ميزان وجميع المحاكم في المملكة، والربط مع مديرية الأمن العام/ مديرية القيادة والسيطرة، وفق كناكرية.
وأكد أنّ الأردن بقيادة جلالة الملك حرص على مواكبة التطورات الدولية واتباع نهج العدالة التصالحية، داعيا إلى ضرورة تكثيف الجهود لإنجاح هذا النهج من خلال الاهتمام بنشر مفاهيم العقوبات البديلة، ومنها عقوبة الخدمة المجتمعية، وذلك لتهيئة كافة الأطراف المعنية بذلك، وتوفير البيئة الجيدة الملائمة لتطبيق بدائل العقوبات السالبة للحرية.
انسجام مع المعايير الدولية
بدوره، أكد رئيس النيابة العامة، أمين عام المجلس القضائي نايف السمارات، أنّ التعديلات المتعلقة ببدائل العقوبات السالبة للحرية وبدائل التوقيف جاءت منسجمة مع المعايير الدولية، مشيرا إلى أنّ الجهاز القضائي كان قد أجرى حوارا داخل الجسم القضائي للوصول إلى هذه البدائل، كما أنّه وبعد صدور القانون عقدت جلسات وورشات حوارية للوصول لفهم تام للتعديلات بهدف التطبيق الأمثل لها.
وأكد السمارات أنّ التعديلات على القانون جاءت متوافقة مع السياسة الجنائية الحديثة التي لم تعد تنظر إلى عقوبة الحبس على أنّها الأمثل لردع الجاني.
وذكر أن قانون أصول المحاكمات الجزائية أصلاً قبل التعديلات كان ينص على ضوابط للتوقيف، ولكن "للأسف الشديد" لم تتقيد المحاكم ولا النيابة العامة بهذه الضوابط، وسارت على نهج وكأن التوقيف هو عقوبة، في حين أنه تدبير احترازي.
وفي ضوء هذا المسلك "المخالف للنص" القانوني -وفقاً للسمارات- جاءت التعديلات لتفرض إجراءات صارمة لا يجوز تجاوزها وكذلك بالنسبة للبدائل السالبة للحرية.
وأكد أهميّة اقتناع المدعين العامين والقضاة بعدالة النصوص القانونية مشيرا إلى أن "القاضي الجيد يحسن تطبيق القانون السيئ، فكيف إذا كان هناك قانون جيد؟"، ومشدداً على أنّ القانون الجيد يتطلب فهما جيدا من صاحب العلاقة والتطبيق.
أهمية الشراكة المؤسسية
الممثل المقيم لمعهد DIGNITY محمد شما، شدد أهمية الشراكة المؤسسية وتعزيز آليات تطبيق بدائل التوقيف ضمن بيئة قانونية عادلة ومتماسكة.
وقال شما إنّ ما نشهده اليوم هو ترجمة حقيقية لشراكة قائمة على الثقة والرؤية المشتركة نحو عدالة أكثر إنسانية، مشيرا إلى أن هذا المؤتمر يأتي في إطار العمل مع الشركاء في النيابة العامة، وزارة العدل، والمجلس القضائي، بهدف تفعيل بدائل التوقيف وتوسيع آليات العدالة التصالحية، بما يضمن الحماية الكاملة للكرامة الإنسانية ويعزز التماسك المجتمعي.
وكان المؤتمر تضمن جلستين، الأولى بعنوان "تعديلات القوانين وآليات التطبيق"، والثانية بعنوان "العدالة التصالحية وأثرها في تعزيز منظومة حقوق الإنسان في الأردن".
ويُعد هذا المؤتمر جزءًا من أنشطة برنامج "كرامة"، وهو برنامج شراكة طويلة الأمد بين DIGNITY والمؤسسات الوطنية الأردنية منذ عام 2008، ويهدف إلى دعم تطوير السياسات العدلية، والوقاية من التعذيب، وتوسيع نطاق البدائل القانونية للتوقيف والعقوبات السالبة للحرية.
واختُتم المؤتمر بإصدار مجموعة من التوصيات العملية الداعية إلى تعزيز الحوار المؤسسي، وتوسيع نطاق تطبيق البدائل غير السالبة للحرية، وتكثيف التدريب والتنسيق بين الجهات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني، لضمان تحقيق عدالة أكثر عدلًا وشمولًا.