سرايا - تضع خلافات محادثات المُناخ الدولية، التي اختتمت في ألمانيا قبيل عدة أيام، حول مصادر وكيفية توزيع تمويلات التكيف المُناخي، الأردن أمام موقف “حرج” بشأن توفير تمويلات لخطط التكيف، والتي لم يحقق منها الكثير، لكونها تتطلب مليارات الدنانير.
وهذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيه مثل هذه المحادثات، وقمم المُناخ السنوية كذلك، حالات من الشد والجذب بشأن التمويلات المُناخية للدول النامية، التي من بينها الأردن، في وقت كان اتفق فيه على هدف تمويل جديد في مؤتمر الأطراف “كوب 29” العام الماضي، والذي يتضمن التزاما سنويا بجمع 300 مليار دولار حتى عام 2035.
مصادر داخلية للتمويل
وفي مواجهة ذلك المأزق الذي فرضته الخلافات المستمرة بين الدول فقد حان الوقت الى أن يعتمد الأردن على مصادر داخلية للتمويل من بينها بناء الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتحسين بيئة الاستثمار عبر حوافز ضريبية، وتشريعات مرنة تجذب الشركات الخاصة، وفق خبراء.
وقبل انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة القادم لتغير المناخ في تشرين الثاني “نوفمبر” في البرازيل، التقى حوالي 5000 من المفاوضين والخبراء من جميع دول العالم تقريبا في ألمانيا الأسابيع الماضية.
وتعد المحادثات السنوية التي تُجرى في بون، حيث يقع مقر أمانة الأمم المتحدة لتغير المناخ، خطوة حاسمة في تشكيل أجندة المناخ العالمية قبل الحدث الرئيس المقرر أن تستضيفه مدينة بيليم البرازيلية.
ومن وجهة نظر رئيس مجلس إدارة جمعية إدامة للطاقة والمياه والبيئة د. دريد محاسنة، فإن كافة القوانين تخلو من الحوافز لمن لا يخالف بنودها، وخاصة للقطاع الخاص، والمستثمرين، ولا سيما لمن لا يمتلكون تأثيراً سلبياً على المُناخ.
ولا يقتصر الأمر على ذلك، بحد قوله، بل إن العقوبات لمخالفي القوانين البيئية غير مفعلة، والتي تعتبر من المصادر الرئيسة للتمويل الداخلي لمشاريع التكيف والتخفيف المُناخي.
ولفت إلى أن التمويل الداخلي يتسم “بالنقص” و”الضعف”، بخاصة أن القوانين في الأردن كافة ليست مرتبطة بمنع التلوث وحماية البيئة.
وشدد على أن جلسات مجلس النواب تخلو أجنداتها بشأن مناقشة التقدم في ملف العمل المُناخي في المملكة، والتمويل، والذي يعد أساس الجسم التشريعي في المملكة.
ويتشابه الأردن مع كثير من دول المنطقة العربية، باستثناء بعضها التي استطاع تحقيق خطوات متقدمة في هذا الشأن ولكن ليس بشكل إقليمي، تبعا له.
وبين أن زيادة قوة التيار اليمني في كل من أميركا والدول الأوروبية والذي لا تتشكل لديه قناعة بوجود ظاهرة التغير المُناخي، سيؤثر سلباً على تقديم الدعم المالي للدول النامية مثل الأردن في ملف المُناخ.
ولتعزيز قدرة الأردن على مواجهة غياب آليات تمويل مناخي واضحة، يجب إيلاء دور محوري للقطاع الخاص والاستثمار في القطاعات الوطنية الهشة، مثل المياه والزراعة، وهما من الأولويات الحيوية في وثيقة المساهمات المحددة وطنيًا “NDCs”، وفق رئيس اتحاد الجمعيات البيئة “الاتحاد النوعي” عمر الشوشان.
إنجاح الناقل الوطني
ولا بد، في رأيه، صب كل الجهود الوطنية لإنجاح مشروع الناقل الوطني للمياه، والضبط القانوني والفني للفاقد المائي، والتوسع في الاستفادة من المياه المعالجة.
وأما على صعيد القطاع الزراعي، فإنه يواجه تحديات التغير المناخي التي تهدد الأمن الغذائي، حيث يعتمد 70 % من الأراضي الزراعية على الري، تبعا له.
وشدد على أن القطاع الخاص يمكن أن يؤدي دورا حاسما عبر الاستثمار في حلول مبتكرة مثل تقنيات إدارة المياه الذكية، كأنظمة الري المحوسبة التي توفر حتى 50 % من المياه مقارنة بالري التقليدي.
كما ويمكن للشراكات بين القطاعين العام والخاص، مثل تلك التي دعمها البنك الدولي بقيمة 250 مليون دولار لتحسين إدارة المياه، أن تعزز كفاءة الاستخدام في الزراعة، بحسبه.
وأكد على أن الاستثمارات الخاصة يمكنها تمويل المشروعات الزراعية التي تعتمد على تكنولوجيات متقدمة تقاوم التحديات المناخية.
ولتحقيق ذلك، ينبغي على الأردن تحسين بيئة الاستثمار عبر حوافز ضريبية، وتشريعات مرنة تجذب الشركات الخاصة، كما ذكر.
ودعا الشوشان لتحديد أولويات التمويل بدقة عبر إطار وطني يركز على القطاعات الهشة، مستفيدًا من تجارب دول مثل المغرب، التي نجحت في تعبئة استثمارات خضراء بقيمة 2 مليار دولار لمشاريع المياه والزراعة.
وعبر هذه الإستراتيجيات، يمكن للأردن تعزيز صموده المناخي والاقتصادي، في وقت لا بد فيه من العودة الى الآلية التي طرحها جلالة الملك عبدالله الثاني في قمة شرم الشيخ وهي دمج مواجهة تداعيات التغير المناخي في التنمية الاقتصادية، وفق تأكيداته.
وهذا لا بد أن ينعكس، بحد قوله، على القطاعات الحيوية الانتاجية كافة التي لا بد أن تأخذ معايير التخفيف والتكيف في الحسبان في أي عملية تخطيط وإنتاج، حتى نقلل تداعيات التغير المناخي ضمن مواردنا المتاحة، لإن ذلك يؤثر على الأمن والاستقرار بنهاية المطاف سلبًا أو ايجاباً.
وهذا كله لا يتأتى، في رأي الشوشان، إلا بعملية حوكمة مناخية وطنية شاملة وعابرة للقطاعات تقودها وزارة البيئة بكل حزم وثبات.
الغد