في الشرق الأوسط، لا تخدم الظروف السياسية والأمنية كثيراً الطموحات الاقتصادية لدوله. المنطقة التي تتمدد الصراعات المسلّحة على مساحات واسعة منها، لطالما كبحت جماح النمو أو أعاقته أحياناً .
رغم ذلك، تمكّنت الدول الخليجية الدفع باقتصاداتها إلى الأمام بمعدلات نمو مرتفعة خلال الأعوام الماضية.
وتتوقع تقارير صادرة عن مؤسسات اقتصادية إقليمية ودولية أن تواصل هذه الاقتصادات مسيرتها الإيجابية في 2026، مدفوعة بجملة من العوامل الهيكلية، في مقدمتها تسارع نمو الأنشطة غير النفطية، وبرامج التنويع الاقتصادي، إضافة إلى المتانة المالية ووفرة الاحتياطيات الحكومية .
وإذا كانت دول مجلس التعاون الخليجي قد نجحت في الحفاظ على النمو الاقتصادي رغم تداعيات الأوضاع في غزة ولبنان واليمن وأوكرانيا وغيرها، إلا أن ثمة من يتساءل عن مدى قدرتها على الاستمرار في ذلك ومقوماته.
تشير أحدث التوقعات الصادرة عن البنك الدولي إلى أن اقتصادات الدول الخليجية تتجه نحو تسجيل معدلات نمو إيجابية خلال 2026، تصل إلى 4.5 في المئة، مع انحسار التضخّم وتحسن المؤشرات الاقتصادية الكلية.
وتؤكد هذه التوقعات أن القطاع غير النفطي بات يمثل المحرّك الرئيس للتوسع الاقتصادي في دول المجلس، ولاسيما الإمارات والسعودية، بعد أن سجل نمواً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، مع ترجيحات باستمرار هذا الأداء مستقبلاً بدعم من سياسات تحفيز النشاط الاقتصادي والاستثمار في القطاعات غير المرتبطة بالنفط.
ويرى عميد كلية العلوم الإدارية في جامعة الكويت الدكتور فيصل المناور أن “عام 2026 مرشح ليكون مفصليّاً في مسار اقتصادات دول الخليج، في ظل تقاطع واضح في تقديرات المؤسسات الدولية حول تسارع النمو الاقتصادي الكلي”.
ويشير المناور إلى أن العامل الأكثر تأثيراً في هذا التحسن يتمثل في استمرار “قوة النمو غير النفطي”، حيث أصبحت القطاعات غير النفطية تكتسب أهمية كبيرة في هيكل الاقتصادات الخليجية، مدفوعة بالاستثمارات في مجالات الخدمات والبناء واللوجستيات والسياحة، والقطاع المالي.
ولطالما شكّل النفط العامود الفقري لموارد الخزينة العامة في دول مجلس التعاون، التي دأبت، في السنوات الماضية، على اتخاذ سياسات لتقليل الاعتماد على النفط وتنزيع مصادر الدخل.
ويحمل الاعتماد الكبير على النفط مخاطر جمّة على اقتصادات الدول المعنية لأسباب كثيرة، أهمها احتمال انخفاض سعره والحروب والظروف الأمنية والطلب العالمي.
ويؤكد المناور أن “النفط لا يزال يحتفظ بدوره في دعم الناتج المحلي الإجمالي في الدول الخليجية، لكن ضمن سياق أكثر توازنا، مع التوقعات برفع تدريجي لقيود الإنتاج وارتفاع مستويات التصدير بحيث يصبح النفط عاملا داعما للنمو وليس محرّكه الوحيد كما كان في السابق”. يضيف: “استقرار معدلات التضخم وانخفاض تكلفة الاقتراض يسهمان في تعزيز الطلب الداخلي وتوسيع نطاق الاستثمار الخاص في وقت توفر فيه المرونة المالية والاحتياطيات السيادية مساحة أوسع للحكومات الخليجية لمواصلة الإنفاق التنموي”.
ومن جانبه يلفت الخبير والمحلل الاقتصادي جمال بنون إلى أن المؤشر الأهم في المرحلة الراهنة لا يتمثل فقط في تسجيل معدلات نمو مرتفعة، بل في جودة هذا النمو واستدامته على المدى المتوسط، ويشير إلى أن “تقارير المؤسسات الدولية تظهر بوضوح تصاعد تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، ونمو قطاعات حيوية مثل السياحة والخدمات اللوجستية، ما يعكس تحوّلاً حقيقيّاً في بنية الاقتصاد الخليجي، كما يؤكد.
“نمو القطاعات غير النفطية، في دول مثل السعودية والإمارات، بات يمثل درعاً واقية للاقتصاد الخليجي، إذ يوفّر حماية أكبر من تقلبات أسواق الطاقة العالمية، ويعيد تشكيل نموذج النمو باتجاه اقتصاد قائم على المعرفة والخدمات والصناعة، يضيف بنون.
في حال نشوب صراع عسكريّ مباشر بين إسرائيل وإيران، ستجد اقتصادات دول الخليج نفسها أمام امتحان صعب، رغم احتمال ارتفاع أسعار النفط مرحليّاً، كما يقول خبراء.
يرى المناور أن أيّ مكاسب مالية سريعة ناتجة عن ارتفاع أسعار النفط في مثل هذا السيناريو لا تعكس الصورة الكاملة، إذ غالباً ما تترافق مع تباطؤ في النشاط غير النفطي، وارتفاع في مستويات عدم اليقين التي تؤثر على التجارة والاستثمار وسلاسل الإمداد.
ويشير المناور إلى أن الصراع الإقليمي يعيد تسعير المخاطر في المنطقة بأكملها، مما يدفع المستثمرين إلى التريث، ويرفع كلفة التمويل والتأمين، ويؤثر في قرارات الاستثمار الأجنبي المباشر.
ولطالما مرّت الاقتصادات القائمة على النفط بفترات من التذبذب بسبب الصراعات المسلّحة حول العالم، فيما دفعت الحروب والاضطراب الأمني في الشرق الأوسط الدول الخليجية إلى زيادة الإنفاق الحكومي على الأمن والدفاع، على حساب بعض البرامج التنموية.
ويعطي المناور وصفة للدول الخليجية من أجل الحفاظ على النمو الاقتصادي، تقوم على الحفاظ على توازن علاقاتها الدولية والاستمرار في مسار الإصلاح والتحول الاقتصاديين دون تردد، ذلك أنه “كلما نجحت دول الخليج في فصل إيقاع التنمية عن تقلبات السياسة والنفط معاً، تراجعت المخاطر، وتعززت ثقة الأسواق، حتى في محيط إقليمي مضطرب”.
المصدر:
الحرة