رغم استمرار القنوات الدبلوماسية بين البلدين بعد التغيير السياسي في سوريا، إلا أن العراق ما زال يدرج اسم الرئيس السوري أحمد الشرع في قائمة الإرهاب.
وبموجب القرار 62 لسنة 2025، الصادر في أكتوبر الماضي، أجرت “لجنة تجميد أموال الإرهابيين” العراقية التعديل على اسم الرئيس السوري، حيث اعتمدت الاسم الصريح أحمد حسين الشرع بدلاً من أبو محمد الجولاني، مع التأكيد على أن أمواله المنقولة وغير المنقولة كانت قد جُمّدت سابقاً بموجب قرار لجنة تجميد أموال الإرهابيين رقم 22 لسنة 2019، بعد إدراجه في قائمة عقوبات مجلس الأمن الخاصة بتنظيمي “داعش” و”القاعدة”.
“بقاء اسم الشرع في قائمة الإرهاب العراقية، رسالة سلبية، تعكس حجم النفوذ الإيراني داخل المؤسسات العراقية”، يؤكد المحلل السياسي المقرب من الإدارة السورية، عباس شريفة لـ”الحرة”.
ويشير شريفة، إلى أن “العلاقات مع الحكومة العراقية الحالية برئاسة محمد شياع السوداني، بشكل عام، وصلت إلى درجة كبيرة من التفاهمات”، مبيّناً أن “ما يعيقها هو عدم سيطرة السوداني على الكثير من مفاصل الدولة والقوى التي تحمل السلاح خارج سيطرة وزارة الدفاع العراقية”، كما يقول.
مع حلول نهاية ديسمبر الحالي، يمر عام كامل على زيارة أوّل وفد رسمي عراقي إلى دمشق بعد سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد في الثامن من ديسمبر 2024.
وقد تغيّرت المعادلة السياسية بين دمشق وبغداد منذ ذلك اليوم، وبدأت علاقاتهما مرحلة جديدة اتسمت بالتقارب الحذر رغم فتح قنوات دبلوماسية بينهما.
واقتصرت العلاقات بين البلدين، في الأشهر الماضية، على لقاءات بين مسؤولين رفيعي المستوى، أبرزها اجتماع الشرع مع السوداني في الدوحة. لكن غالبية الوفود العراقية التي زارت دمشق بعد التغيير السياسي فيها كانت أمنية يترأسها رئيس جهاز المخابرات العراقي حميد الشطري .
ويصف الكاتب والمحلل السياسي المقرب من الحكومة العراقية، علي البيدر، العلاقات بين العراق وسوريا، بـ”الشائكة والمعقّدة”، مشيراً إلى وجود إرث تاريخي وسياسي يعود لعقود سابقة أدى إلى فقدان الثقة بينهما.
“هناك نوع من القلق الأمني لم يحسم ملفه بين البلدين، والمشهد السياسي وحتى المجتمعي الجديد في سوريا ما يزال مضطرباً، مع وجود حذر من نظامها الجديد. كلّ هذه الأسباب أدت إلى انخفاض حالة التطبيع وعدم فتح قنوات التواصل بين الدولتين بشكل كاف” يوضح البيدر لـ”الحرة”.
ويرى البيدر أن بقاء اسم الشرع ضمن قائمة الإرهاب، يجب أن يعالج دبلوماسياً، إلا أنه يعتقد أن “تقاطع المشهد السياسي العراقي لا يمكن توحيده بخطاب مطلق، لوجود أيدولوجيات ومصالح متعددة أدت إلى تفاوت العلاقة بين البلدين”.
ويختلف مستشار الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، مصطفى شيخ مسلم، مع البيدر حول انعكاسات بقاء الشرع على قائمة الإرهاب العراقية.
ويوضح شيخ مسلم لـ”الحرة”، أن “بقاء اسم الشرع في القائمة لا يشكّل عائقاً بالمعنى الحرفي أمام إقامة علاقات بين البلدين، بقدر ما يحمل دلالات سياسية من شأنها عدم الموافقة على إضفاء الشرعية على النظام الحاكم في سوريا.”
وتأتي ملفات ضبط الحدود ومكافحة الإرهاب والتهريب، ومحاربة “داعش”، ومخيم الهول، على رأس الأوليات المشتركة بين العراق وسوريا. وأكد الجانبان، خلال لقاءات بين وزيري الخارجية العراقي فؤاد حسين والسوري أسعد الشيباني على ضرورة تشكيل لجان مشتركة لمكافحة الإرهاب .
ويعتبر شيخ مسلم تبادل الوفود الأمنية بين الجانبين استجابة واعية منهما للمسائل التي لا تقبل الإرتهان للمزاج السياسي، مبيّناً أن “المسائل الأمنية دائماً ما كانت عابرة للحدود والاختلافات الأيديلوجية. لذلك، ليس بالضرورة أن يرمز تبادل الوفود الأمنية إلى وجود توافق بينهما”.
يتمحور التعاون بين البلدين حاليّاً حول الملف الأمني، خاصة ضبط الحدود، إلا أن هذا التعاون ما زال محدوداً ولم يصل إلى مستوى بناء جبهة موحدة أو تحالف استراتيجي لمواجهة تنظيم “داعش”، وعمليات التهريب، التي اتخذ العراق إجراءات ميدانية للحد منها، تمثلت في زيادة الانتشار الأمني على طول الشريط الحدودي بين البلدين، وبناء جدار خرساني مزوّد بتقنيات حديثة على طوله بهدف الحد من التهريب وتسلل الإرهابيين.
“فلول نظام الأسد في العراق، تأتي في مقدمة الملفات العالقة بين الجانبين، يليها ملف محاربة “داعش”، وملفات أمنية أخرى، خصوصا مخيم الهول وعناصر “داعش” المسجونين في سوريا واستلام العراق لهم، إلى جانب ضبط الحدود”، يوضح شريفة.
ويتابع شريفة إلى وجود خلافات بروتوكولية بين البلدين في قضية الاعتراف السياسي بالدولة السورية وتبادل السفراء، متهمً العراق بالتلكؤ في هذه المسألة.
لكن المحلل العراقي علي البيدر يشير إلى أن ملف الشخصيات السورية المتواجدة في العراق أو المطلوبة من قبل النظام الجديد في سوريا لم يفتح في دمشق كي يثار في بغداد، مضيفاً إن “هناك ملاحظات بسيطة. النظام في سوريا لا يحبّذ الانتقام أو توسيع دائرة الأزمة أكثر. يعمل بهدوء. أيضا العراق لم يعلن عن شي، ربما الأعداد بسيطة ولا تضر بطبيعة العلاقة بين البلدين”.
ومن جانبه يوضح الباحث في الشأن السياسي العراقي، رافد العطواني، أن الجانبين لم يشكلا أيّ لجان لإدارة ملف عناصر نظام الأسد الذين لجأوا للعراق ومن ثم خرجوا منه.
“عناصر النظام السوري السابق لم يعودوا متواجدين في العراق، من يتواجد الآن في العراق هم مواطنون سوريون عاديون. ربما سُفرت قيادات وعناصر النظام السوري خارج العراق وهُربوا إلى دولة أخرى. أعتقد أن هذا الملف كان يدار من قبل أناس غير عراقيين”، يؤكد العطواني، المقرب من التيار الوطني الشيعي بزعامة مقتدى الصدر، لـ”الحرة”.
على مدى أكثر من 13 عاماً من الحرب الأهلية التي شهدتها سوريا، لعبت الميليشيات العراقية الموالية لإيران دوراً بارزاً فيها، وخاضت إلى جانب حزب الله اللبناني معارك ضد فصائل وتنظيمات المعارضة السورية، وذلك قبل أن يفرّ الأسد إلى خارج سوريا في 8 ديسمبر 2024، وتنسحب هذه الميليشيات الى العراق.
ووفق محللين سياسيين ومراقبين للشأنين العراقي والسوري تحدثوا لـ”الحرة”، ما زالت هذه الميليشيات وقوى سياسية عراقية منضوية في الإطار التنسيقي تعارض التقارب وتوطيد العلاقات بين الحكومة العراقية والنظام السياسي الجديد في سوريا استجابة لإيران التي خسرت بسقوط الأسد أحد أبرز معاقل نفوذها في الشرق الأوسط.
ويرى العطواني أن “مواقف الأطراف السياسية الشيعية في العراق من النظام السياسي الجديد في سوريا، موزّعة بين من يصعّد خطابه الإعلامي ومن يتخوف من هذه الدولة. كما أن هناك من يريد إسقاطه بشتى الطرق باعتبار انه يمتلك أيدلوجية معينة أو خسر سوريا كأرضية سياسية قريبة من توجهاته.
ورغم تأكيده على وجود حالة عدم رضى وتصعيد إعلامي محدود بين الفصائل العراقية والحكومة السورية الجديدة، إلا أن العطواني يعتقد أن “هذه الفصائل تعاني وتريد التهدئة مع الفواعل الخارجية الدولية”.
“هناك حالة من الترقب، والحكومة العراقية تحاول تجنيب العراق الضربات، سواء الأميركية أو الإسرائيلية. لذلك لا أتصور أن يكون هناك صدام بين الفصائل والجانب السوري. كما أن الأخير لا يريد إثارة أطرافه المجاورة ولا أطراف دولية تجاهه، فهو يسعى إلى ترميم بيته ومعالجة أزماته” يردف العطواني.
وشهدت الأشهر الماضية تقارباً كبيراً بين الولايات المتحدة وسوريا، والتقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب مرتين مع الشرع، ورفعت واشنطن العقوبات على سوريا، بما فيها “إلغاء قانون قيصر”، بينما اعتمد مجلس الأمن الدولي ، في نوفمبر الماضي، قرارا قدمت مسودته الولايات المتحدة الأمريكية، نص على شطب اسم الشرع من قائمة العقوبات والجزاءات المفروضة على تنظيمي “داعش” و”القاعدة”.
وفي تصريحات سابقة لـ”الحرة”، رجح مستشار رئيس الوزراء العراقي للعلاقات الخارجية فرهاد علاء الدين، في مايو الماضي، أن ينعكس التقارب السوري – الأميركي، إذا تعزز بشكل إيجابي، على العراق سياسياً وأمنياً، ويوفّر مناخاً ملائماً للتعاون الاقتصادي في ملفات الطاقة والتجارة وإعادة الإعمار.
بدوره تحدث شيخ مسلم عن التأثير الإيراني على العلاقات بين سوريا والعراق قائلاً إن “طهران خسرت أوراق كثيرة في فترة زمنية ضئيلة. لذلك لن تفرط بنفوذها في العراق، كونه الجار الأقرب للعمق الإيراني وبوابتها نحو الخارج. وبناءً على ما سبق يمكن فهم العلاقة السورية العراقية من منظور التبعية لإيران، وهذا هو سبب التلكؤ في الوصول إلى بناء علاقات قوية بين الجانبين”.
المصدر:
الحرة