آخر الأخبار

رأي.. بارعة الأحمر تكتب: لبنان بين صفقة السلاح وشبح الحرب

شارك
مصدر الصورة Credit: ANWAR AMRO/AFP via Getty Images

هذا المقال بقلم بارعة الأحمر، صحافية وكاتبة سياسية لبنانية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأيها ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN .

لم يعد الخطر على لبنان مقتصرًا على احتمال حرب إسرائيلية مدمّرة، بل بات يكمن أيضًا في كلفة تفاديها. فالسؤال اليوم لم يعد حول حتمية وقوع الحرب بل الأثمان السياسية المطلوبة للنجاة منها مقابل رفض حزب الله التخلي عن سلاحه. علمًا أن قرار الحكومة اللبنانية حصر السلاح بيد الدولة، كان حسَم المسألة دستوريًا وأخرج سلاح الحزب من دائرة الالتباس السياسي ليصبح قضية سيادية غير قابلة للمقايضة، هو سلاح غير شرعي، ووجوده يمسّ مباشرة سيادة الدولة. ومع ذلك، يُدار هذا الملف وكأنه ورقة تفاوض، لا خرقًا مباشرًا لقرار الدولة وسلطتها بينما القرار الحقيقي مرتبط بمحور إقليمي، وتحديدًا بإيران، لا بالمؤسسات اللبنانية. فهل ينجو لبنان من حرب إسرائيلية من دون أن يدفع ثمنًا سياسيًا داخليًا يفوق كلفة الحرب نفسها؟

فالمعادلة المتداولة تفترض أن ثمن النجاة من الضربة الإسرائيلية القاصمة قد يكون مكاسب سياسية للحزب أهمها الدعوة إلى مؤتمر تأسيسي وتعديل الدستور، يتم فرضها عبر رئيس مجلس النواب نبيه بري، بعدما نجح في جعل إجراء الانتخابات النيابية أمرًا معقدًا. لأن بري بذلك لا يناقش تطبيق قرار سيادي لبناني، بل يسعى إلى إبقاء السلاح خارج الشرعية، مع تحويل الزمن السياسي إلى أداة ضغط، عبر التحكم بإيقاع مجلس النواب وتعطيل الاستحقاقات الدستورية.

طرح الحوار حول سلاح "المقاومة" كمدخل للاستقرار يعني إدارة الأزمة عبر تعطيل الاستحقاقات والتحكم بإيقاع العمل النيابي. فيتحول الزمن السياسي إلى أداة ضغط، ويبقى السلاح خارج الشرعية، بانتظار تسوية إقليمية أكبر، لا يعالج أصل المشكلة، بل يؤجّلها. فالسلاح المطروح للنقاش لا يخضع لقرار الدولة، بل هو مرتبط بمحور إقليمي، والقرار النهائي بشأنه سوف يُتخذ خارج المؤسسات الدستورية اللبنانية.

هنا، الحوار ليس مدخلًا للحل، بل أداة لإدارة الوقت بانتظار تسوية أكبر. والأخطر أن هذا المسار يتقاطع مع إدارة مدروسة للفراغ. فالتحكم بإيقاع عمل مجلس النواب، من تعطيل الجلسات إلى تأجيل الاستحقاقات، حوّل الفراغ من نتيجة أزمة إلى وسيلة ضغط. الفراغ البرلماني، في هذه المقاربة، ليس خللًا طارئًا، بل أداة لإيصال النظام إلى مأزق يُسوَّق لاحقًا كحاجة إلى حلول استثنائية، تبدأ بتعليق الانتخابات ولا تنتهي عند إعادة إحياء فكرة المؤتمر التأسيسي، بما يحمله من مخاطر تفجير التوازنات القائمة. من هنا، لا يمكن فصل ملف السلاح غير الشرعي عن مصير الانتخابات النيابية. فالسلاح الخارج عن الدولة لا يهدد الأمن الداخلي وحسب، بل يعطّل التداول الدستوري للسلطة، ويجعل الانتخابات رهينة ميزان قوة لا إرادة شعبية. وهذا ما يفسّر القلق المتزايد من دفع البلاد نحو فراغ برلماني يُستخدم كرافعة لإعادة هندسة النظام تحت عناوين إنقاذية مضللة.

ويبرز هنا شبح "المؤتمر التأسيسي" وتعديل الدستور الذي لم يعلنه بري صراحة كشرط، لكن سلوكه السياسي الطويل، من تعطيل الاستحقاقات إلى إدارة الفراغ، يوحي بأن أي تسوية كبرى ستُستثمر لإعادة صياغة قواعد النظام. تعطيل الانتخابات النيابية، ليس تفصيلًا، بل مدخلًا دستوريًا لفرض أمر واقع جديد تحت عناوين "الإنقاذ" أو الاستقرار ودفع البلاد نحو الفراغ البرلماني الذي لم يعد احتمالًا تقنيًا، بل مسارًا يُمهَّد له. ما يفتح الباب أمام حلول استثنائية تحمل مخاطر تفجير التوازنات والأخطر أن الفراغ بات أداة حكم. فالتحكم بإيقاع مجلس النواب حوّل الفراغ من نتيجة أزمة إلى وسيلة ضغط، تمهّد لتعليق الانتخابات وفرض حلول استثنائية. وهنا تتقاطع مسألة السلاح غير الشرعي مع مصير الانتخابات، إذ يصبح التداول الدستوري للسلطة رهينة ميزان القوة. حيث يُسوَّق المؤتمر التأسيسي كحلّ حتمي، لا كخيار خطير يعيد فتح النظام اللبناني على صراعات داخلية لم تُحلّ يوماً من دون دماء.

في المقابل، ومنذ اتخاذ الحكومة قرار حصر السلاح بيد الدولة، يحاول رئيس الجمهورية جوزف عون شق مسار مختلف، يقوم على إيجاد "مخرج لائق" لـ"حزب الله" مقابل التخلي عن السلاح، حمايةً لما تبقى من الدولة وتفاديًا للحرب، وانطلاقًا من أولوية تجنيب البلاد حربًا جديدة. غير أن هذا المسعى قوبل بموقف حاسم من الحزب، تمثّل بتكرار القول إنه لن يسلّم سلاحه أبدًا. هنا، تسقط فرضية التسوية الداخلية، ويصبح واضحًا أن القرار ليس لبنانيًا، ولا يخضع لمنطق المؤسسات أو الضمانات الوطنية. غير أن هذا المسار يصطدم بعقبتين: الأولى إقليمية، تتصل بقرار إيران التي لم تحسم بعد استعدادها لفك الارتباط العسكري بالحزب؛ والثانية داخلية، تتعلق برفض الحزب تسليم سلاحه من دون ضمانات سياسية عميقة غير أن رفض الحزب المطلق لتسليم سلاحه، وارتباط القرار بإيران يسقط فرضية التسوية الداخلية، ويجعل الأزمة رهينة حسابات إقليمية وضمانات سياسية عميقة.

الدور السعودي أساسي، لكنه دقيق. حيث أن السعودية تعمل على خط المفاوضات الأمريكية–الإيرانية، للتقريب بين واشنطن وطهران، في محاولة لانتزاع قرار إقليمي يفضي إلى تحرير سلاح "حزب الله" بقرار إيراني، ويمنع انهيار لبنان أو انفجاره، شرط ألا تكون النتيجة تكريس هيمنة سياسية جديدة بقوة التسوية. أما إسرائيل، فليست في وارد انتظار نضوج الحلول اللبنانية، وتستخدم التهديد بالحرب كرافعة ضغط لتسريع التنازلات لكن المأزق أن لبنان يُختزل مرة أخرى إلى ساحة تفاوض. فإذا كان قرار السلاح خارجيًا، تصبح سيادة الدولة بندًا تفاوضيًا، وتتحول الاستحقاقات الدستورية إلى أوراق ضغط لا حقوقًا وطنية، وتصير النجاة من الحرب مشروطة بمكاسب سياسية تُفرض بقوة التعطيل والسلاح، السوابق اللبنانية قاتمة: لم يُعدَّل الدستور يومًا من دون عنف أو وصاية أو دم. فهل يمكن هذه المرة إعادة صياغة التوازن الطائفي والسياسي من دون انفجار؟ أم أن "إرضاء" الحزب بمكاسب دستورية مقابل تسليم السلاح سيؤدي إلى تفجير بطيء للنظام من الداخل؟

ومن هنا يكتسب نداء رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع إلى الرئيس جوزف عون دلالة خاصة بوصفه تحذيراً من أن تطيير الانتخابات هو المدخل الأخطر إلى فراغ شامل، يفتح الباب أمام فرض وقائع دستورية جديدة تحت ضغط السلاح والخوف من الحرب في هذا السياق. فجعجع لا يطلق تحذيرًا انتخابيًا، بل يقرأ بوضوح ما يُحضره بري: تأجيل الانتخابات ثم إلغائها هو المدخل الأخطر إلى الفراغ الشامل، ومن ثم إلى فرض تعديلات دستورية تحت ضغط السلاح. وهو لذلك دعا رئيس الجمهورية إلى استخدام صلاحياته الدستورية لحماية الاستحقاق النيابي وإنقاذه من الفخ، بوصف رئيس الجمهورية خط الدفاع الأخير عن الدستور. هذا النداء لا يندرج في إطار السجال الحزبي، بل يعكس إدراكًا لخطورة اللحظة: تطيير الانتخابات ليس تفصيلًا إجرائيًا، بل المدخل الأخطر إلى فراغ شامل يفتح الباب أمام صراع داخلي، ويحوّل المؤتمر التأسيسي من فكرة نظرية إلى سيناريو مفروض تحت الضغط.

قد ينجو لبنان من الضربة العسكرية، كما نجا مرارًا بالتأجيل والمفاوضات وهو نجح مرة أخرى في تأجيل الحرب. لكن الدولة التي تُعلّق انتخاباتها وتُدار بسلاح خارج قرارها، لا تحتاج إلى حرب لتنهار، والانهيار، في هذه الحالة، ليس حدثًا عسكريًا مفاجئًا، بل مسارًا سياسيًا مقصودًا يبدأ بالفراغ. فهل ينجو من أثمان النجاة، أم أن الحرب المؤجلة ستُستبدل بانقلاب سياسي صامت لا يقل تدميرًا بعد انطلاق سيناريو المقايضة على الدستور وهل ما زال تفكيك فرضية المؤتمر التأسيسي ممكنًا؟

سي ان ان المصدر: سي ان ان
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا