في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
القدس المحتلة- بعد 75 عاما على تأسيس المحطة الإذاعية العسكرية، ومع انتهاء مراجعة سريعة أجرتها لجنة حُدِّدت أهدافها مسبقا، صوّتت الحكومة الإسرائيلية، وبالإجماع، على قرار وزير الدفاع، يسرائيل كاتس ، بإغلاق "إذاعة الجيش الإسرائيلي " ووقف بثها مطلع مارس/آذار 2026.
وصُودق على إغلاق الإذاعة رغم معارضة المستشارة القانونية للحكومة غالي بهاراف ميارا ، التي كانت قد حذرت من أن القرار يثير مخاوف من تدخل سياسي في البث العام، ويطرح تساؤلات جدية حول المساس بحرية التعبير والصحافة في إسرائيل.
وبحسب القرار المدعوم من رئيس الوزراء بنيامين نتنيا هو ، سيُنشئ كاتس فريقا خاصا داخل وزارة الدفاع لتطبيق قرار الإغلاق، يتولى جميع الإجراءات المرتبطة بإنهاء عمل إذاعة الجيش وبيع أصولها، بما في ذلك المساعدة في تسوية أوضاع الموظفين المدنيين العاملين في إطار الجيش الإسرائيلي.
وتبلغ الميزانية السنوية للمحطة نحو 52 مليون شيكل (16.5 مليون دولار)، يأتي 87% منها عبر بيع حقوق الرعاية والإعلانات الخدمية، وليس من ميزانية وزارة الدفاع، ويعمل بالإذاعة 366 شخصا، بينهم 224 جنديا، و85 موظفا مدنيا في الجيش الإسرائيلي، و48 مختصا في المحتوى يعملون بصفة مستشارين، بحسب صحيفة "ذا ماركر".
وأجمعت القراءات الإسرائيلية أن قرار إغلاق مؤسسة إعلامية عامة مثل "إذاعة الجيش" لا يعد خطوة معزولة، بل يأتي ضمن سياق أوسع وباعث قلق على تراجع الديمقراطية الإسرائيلية.
وترى التحليلات أن المساس بحرية الصحافة ووسائل الإعلام الناقدة ينضم إلى سلسلة تحركات تهدف لإضعاف آليات الرقابة وتقويض الحريات، في مؤشر على اتجاه خطير نحو "تضييق الحيز الديمقراطي" في إسرائيل.
واعتبر محللون أن القرار الحكومي بإغلاق إذاعة الجيش يعكس "تسييسا لتنظيم الإعلام" بإسرائيل، ويشكل "انتهاكا جسيما لحرية التعبير"، إذ يؤدي فعليا إلى محو نحو نصف البث الإخباري للإذاعة العامة، ويمس بمئات الآلاف من المستمعين، بل بالمجتمع الإسرائيلي ككل.
انتقد "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" بشدة إغلاق الإذاعة بقرار حكومي، معتبرا أنه ينتهك سيادة القانون وحرية الصحافة، ويندرج ضمن إطار أوسع لتقييد الحريات وتكميم الأصوات الناقدة، مع تحذير من تداعيات خطيرة على المشهد الإعلامي والبث العام بإسرائيل.
وبحسب تقدير موقف أعده الباحثون يوحنان بليسنر والبروفيسورة سوزي نافوت والدكتورة تهيلا شفارتس ألتشولر، فإن إغلاق "إذاعة الجيش" لا يمكن أن يتم بقرار إداري، بل يتطلب تشريعا صريحا من الكنيست (البرلمان)، نظرا لتداعياته الواسعة على البث العام وحرية التعبير.
وأكد التقدير أن قرار كاتس يتعارض مع المادة 88 من قانون البث العام، التي تحصر صلاحيات وزير الدفاع في البرامج العسكرية، فيما تسند مسؤولية الأخبار والشؤون الجارية والمقابلات إلى مؤسسة البث العام.
ودحض التقدير أيضا الادعاء القائل إن "إغلاق الإذاعة طرح سابقا كتوصية ولم ينفذ"، موضحا أن لجنتين مهنيتين عُيّنتا لدراسة مستقبل المحطة: "لجنة زامير" برئاسة رئيس الأركان إيال زامير ، واللجنة التي شكلها الوزير كاتس نفسه، وخلصتا إلى عدم إغلاقها، بل إلى ضرورة إصلاح بنيتها، وتغيير آليات الإشراف والحوكمة فيها.
واعتبر المعهد أن إغلاق الإذاعة يشكل انتهاكا جسيما لحرية التعبير ويعكس تسييسا لتنظيم الإعلام، ويؤدي فعليا إلى تقليص كبير في البث الإخباري العام، مُحذّرا من أن الخطوة تشكل جزءا من مسار أوسع يُهدد الديمقراطية الإسرائيلية، واصفا إياها بإساءة استخدام للسلطة بهدف إسكات النقد.
يرى المحاضر في كلية الحقوق بجامعة "بار إيلان"، إيتاي بار سيمان توف، أن إغلاق إذاعة الجيش يندرج ضمن توجه حكومي أوسع لإخضاع البث العام ووسائل الإعلام المؤثرة، بهدف محاصرتها وتقييد عملها وصولا إلى تعطيل نشاطها أو إغلاقها.
وفي مقال له على موقع "واي نت" الإسرائيلي، اعتبر أن مشروع قانون إصلاحات البث والاتصالات يعكس أزمة عميقة لا تقتصر على الجوانب المهنية، بل تطول موقف الحكومة من الديمقراطية وقواعد العمل البرلماني.
وأشار إلى أن طريقة دفع مشروع قانون إصلاحات البث شابتها خروقات خطيرة، منها تقديمه دون موافقة المستشار القانوني، وتجاوز اللجان المختصة، وتجاهل الهيئات المهنية، ما يقوض دور الكنيست الرقابي والتشريعي.
ولفت توف إلى أن المشكلة ليست في مضمون الإصلاحات بحد ذاتها، بل في آلية اتخاذ القرار، مؤكدا أن الكنيست ليس أداة بيد الحكومة، وأن أي تغيير في سوق الإعلام يجب أن يتم عبر مسار تشريعي مهني وشفاف، تفاديا لأزمة دستورية أعمق وحفاظا على أسس الديمقراطية.
وأشار إلى أن إدخال تعديلات إجرائية محدودة قبل استكمال التشريع قد يسهم بالحفاظ على "قواعد اللعبة" الديمقراطية، التي من دونها لا يمكن الحديث عن تشريع حر أو عن حكومة ديمقراطية فاعلة.
وفي سياق تشريعات إصلاحات البث والاتصالات بإسرائيل، صادقت لجنة الأمن القومي في الكنيست، منتصف ديسمبر/كانون الأول الحالي، على مشروع قانون يتيح إغلاق مكاتب وسائل إعلام أجنبية حتى في الفترات التي لا تكون فيها حالة طوارئ معلنة في إسرائيل، وذلك تمهيدا لطرحه للتصويت في القراءتين الثانية والثالثة.
ويهدف مشروع القانون إلى استبدال أمر الطوارئ المعروف بـ" قانون الجزيرة "، الذي استُخدم لإغلاق مكاتب قناة الجزيرة في القدس خلال الحرب على غزة ، وانتهت صلاحيته عقب إلغاء الإعلان عن "وضع خاص" في إسرائيل بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية ( حماس ).
وعلى خلاف "قانون الجزيرة"، ينص مشروع القانون الجديد على عدم الحاجة إلى مصادقة قاض من أجل إغلاق مكتب وسيلة إعلام أجنبية، وهو ما أثار انتقادات قانونية واسعة، على ما أفادت صحيفة "هآرتس".
وعارض قسم الاستشارة القضائية في الكنيست دفع المشروع إلى التصويت النهائي، مُحذّرا من تداعياته على سيادة القانون وحرية الصحافة.
وفي السياق، كانت المستشارة القانونية للجنة، ميري فرانكل – شور، قد أكدت خلال مداولات جرت في يوليو/تموز الماضي، أن إلغاء شرط مصادقة القضاء يثير إشكاليات قانونية خطيرة، قد ترقى إلى حد عدم قانونية مشروع القانون برمته.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة