لم تفض الانتخابات التشريعية العراقية التي جرت يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني إلى تغيير جوهري في موازين القوى السياسية، رغم ارتفاع نسبة المشاركة إلى 56.1% مقارنة بانتخابات 2021، كما يقول موقع أوريان 21.
وقد أكدت النتائج -حسب تقرير سيلفان ميركادييه للموقع- استمرار هيمنة النخب التقليدية، كما كشفت في الوقت ذاته عن عمق الأزمة التي تعانيها العملية الديمقراطية في البلاد، حيث طغى المال السياسي وشراء الأصوات على المشهد الانتخابي، مما جعل هذه الاستحقاقات توصف "بانتخابات المليونيرات".
وأسفرت النتائج عن تصدر رئيس الوزراء المنتهية ولايته محمد شياع السوداني المشهد بحصوله على 46 مقعدا، إلا أن هذا التقدم بقي محدود التأثير، لأنه لا يتيح له تشكيل حكومة من دون مفاوضات معقدة داخل برلمان يضم 329 نائبا، حسب الموقع.
وفي المقابل، حصل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي على 29 مقعدا، ليبرز كلاعب محوري يسعى لإعاقة طموحات السوداني، الذي بات يراه خارجا عن السيطرة، بعد أن كان يعتبره مجرد تكنوقراطي تابع له.
كما أظهرت النتائج تراجع المشاركة في المحافظات ذات الغالبية الشيعية، مقابل استمرارها مرتفعة في المناطق السنية والكردية، مما يعكس حالة فتور سياسي داخل القاعدة الاجتماعية الشيعية، كما يقول الكاتب.
وعلى صعيد القوى الأخرى، يكشف التقرير عن تحول في إستراتيجية الفصائل المسلحة، حيث تراجع ثقلها السياسي المباشر باستثناء تحالف "صادقون"، إلا أنها تغلغلت في مفاصل الاقتصاد، لتتحول الصراعات السياسية في جوهرها نزاعا على ميزانية الدولة التي تتجاوز 100 مليار دولار، كما يوضح التقرير.
وفي هذا السياق برز الحزب الديمقراطي الكردستاني كأكبر الرابحين في الإقليم الكردي -حسب التقرير- كما عززت قائمة "تقدم" بزعامة محمد الحلبوسي موقعها داخل الساحة السنية، مما يمنحها هامش مناورة مهمّا في مفاوضات تشكيل الحكومة.
أما غياب التيار الصدري عن الانتخابات، إثر انسحاب مقتدى الصدر من العمل السياسي، فقد أعاد خلط الأوراق داخل البيت الشيعي، وترك فراغا استثمرته القوى المنافسة، كما يرى الكاتب.
وسجل تمثيل النساء تراجعا ملحوظا في البرلمان الجديد، سواء من حيث العدد أو التأثير السياسي، في ظل استمرار القيود الاجتماعية التي تحد من مشاركتهن السياسية -حسب الموقع- ويعكس ذلك إخفاقا إضافيا للنظام السياسي في توسيع قاعدة التمثيل الحقيقي.
وخلال ولايته، حاول محمد شياع السوداني -كما يقول الكاتب- تقديم نفسه كزعيم إصلاحي ذي توجه سيادي، من خلال إطلاق مشاريع إعمار وتحقيق اختراقات اقتصادية، لا سيما في قطاع النفط، وعبر إعادة التفاوض على ملفات تصدير الطاقة.
بيد أن هذه السياسة وضعته في مواجهة مباشرة مع قوى نافذة داخل الإطار التنسيقي، وعلى رأسها نوري المالكي والفصائل المسلحة المقربة من إيران، التي سعت إلى الحفاظ على نفوذها الاقتصادي والأمني.
وتبدو المفاوضات لتشكيل الحكومة المقبلة شديدة التعقيد، في ظل صراع شخصي وسياسي بين السوداني والمالكي، واختلاف حسابات القوى السنية والكردية، فضلا عن تأثير العوامل الإقليمية والدولية، ولا سيما الدورين الإيراني والأميركي.
وبينما تسعى واشنطن إلى ضبط نفوذ المليشيات مقابل استمرار التعاون الاقتصادي، تحاول طهران الحفاظ على أوراقها داخل المشهد العراقي.
وفي خلفية هذه التجاذبات، يزداد الإحباط الشعبي من طبقة سياسية يُنظر إليها على أنها تعمل في إطار مغلق لتقاسم الثروة والسلطة، مستفيدة من اقتصاد ريعي قائم على النفط وميزانية تتجاوز 100 مليار دولار سنويا.
ومع تراجع دور الشارع وغياب البدائل المستقلة، يترسخ شعور عام بأن الانتخابات لم تعد أداة للتغيير بقدر ما أصبحت آلية لإعادة إنتاج النظام القائم، في وقت يظل فيه هذا التوازن هشا ومعرضا للاهتزاز تحت ضغط الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية المتفاقمة.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة