الدوحة ـ نجاح الوساطة القطرية في ملفات عدة لم يكن وليد الصدفة، وهذا ما ركز عليه رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني اليوم في منتدى الدوحة، مؤكدا أن هذا النجاح ثمرة رؤية إستراتيجية تنبع من خصوصية موقع قطر ومكانتها.
وخلال الجلسة الافتتاحية لمنتدى الدوحة، التي عقدت تحت عنوان "الوساطة في زمن التفكك"، قدم رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري رؤية شاملة لمرتكزات نجاح الوساطة القطرية، ودورها في محيط تزداد رهاناته وتعقيداته.
وفي وقت يتشابك فيه نزاع غزة مع ملفات أوسع تمتد إلى الضفة الغربية وسوريا والسودان ، برزت مداخلات وزراء ومسؤولين أوروبيين وأتراك أكدت جميعها مركزية الوساطة القطرية، وضرورة الدفع نحو حلول عادلة ومستدامة.
وأوضح رئيس الوزراء القطري قدرة بلاده على التواصل مع جميع الأطراف مهما اشتدت الخلافات، مشددا على أن قطر، رغم صغر حجمها مقارنة بقوى إقليمية أكبر، جعلت من استقرار المنطقة هدفا ثابتا في سياستها الخارجية.
وأشار إلى أن الدوحة تؤمن بأن الشراكة والتعاون هما الطريق الأكثر فاعلية لحل النزاعات، وأن الوساطة ليست مجرد أداة سياسية، بل "رسالة تحمل التزاما أخلاقيا وإنسانيا تجاه أمن المنطقة وسلامها"، وهو ما رسخ مكانة قطر كجسر للتواصل في لحظة دولية تتسم بالتوتر والتفكك.
وتوقف رئيس الوزراء مطولا عند الوضع في غزة، مؤكدا أن الصراع لا ينحصر في القطاع، بل يشمل الضفة الغربية وتطلعات الفلسطينيين لبناء دولتهم، مشددا على أن قطر تتعاون مع الولايات المتحدة وتركيا ومصر لرسم المسار المستقبلي للمرحلة التالية.
وقال إن الوسطاء يعملون معا من أجل تثبيت وقف إطلاق النار، لكنه شدد على أنه لا يمكن اعتبار وقف إطلاق النار كاملا إلا إذا انسحب الجيش الإسرائيلي بشكل كامل، وتحقق الاستقرار في غزة.
وأضاف "نحن في لحظة مفصلية بشأن اتفاق وقف إطلاق النار، وقطر لا تنحاز لطرف أو لآخر، بل تحرص على استمرار الحوار وأن تكون النتائج إيجابية".
وذكر أن جميع النتائج الإيجابية التي حققتها قطر في مجال الوساطة منذ عام 2013 جاءت بفضل إبقاء قنوات التواصل مفتوحة، محذرا من أن إغلاقها يعني إغلاق الطريق أمام أي حل.
وفي جانب آخر من كلمته، أكد رئيس الوزراء أن السلام الدائم "لا يتحقق بقرارات شكلية، بل بجهد تشاركي يضع كرامة الإنسان في صميم كل السياسات"، مضيفا أن العدالة ليست غاية سياسية، بل ركيزة أساسية لصون السلم الدولي وترسيخ الاستقرار. وأشار إلى أن تراجع احترام القانون الدولي والاستخدام المفرط للقوة دون محاسبة يمثلان أحد أبرز أسباب تفاقم الأزمات في العالم، مؤكدا أن غياب المساءلة هو "أحد أخطر مظاهر الاختلال في نظامنا الدولي".
وربط بين مأساة الشعب الفلسطيني والمآسي الجارية في السودان، معتبرا أنه لا يمكن تحقيق الاستقرار في المنطقة دون حماية الحقوق وتحقيق العدالة.
وفي الشأن السوري، أكد أن "سنوات قاسية من غياب العدالة" سببت جروحا عميقة للشعب السوري، لكنه أشار إلى أن السوريين يمضون اليوم في مسار يأملون أن يقودهم إلى التعافي "ضمن عدالة انتقالية تعزز التماسك وتنبذ الطائفية".
أما وزير الخارجية التركي هاكان فيدان فشدد على أن بلاده تعتمد دائما على مبدأ الوساطة في حل الخلافات بدلا من التصعيد، مشددا على أن الدور القطري في حل النزاعات لا يمكن إغفاله، فهو دور دبلوماسي ناجح حقق نتائج هائلة في العديد من الملفات.
وبشأن الوضع في غزة، قال فيدان إن الهدف الأول من نشر قوة الاستقرار الدولية هو "الفصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين على الحدود"، مشيرا إلى وجود نقاش واسع حول تشكيل هذه القوة.
وأكد أن الطريق الأمثل لإنهاء الحرب في أوكرانيا يتمثل في انخراط جميع الأطراف بعزيمة كبيرة في مفاوضات السلام، داعيا في الوقت نفسه إلى وقف إطلاق النار في أوكرانيا وغزة، وإلى تعاون دولي واسع لدعم استقرار سوريا.
من جانبه، انتقد وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس روسيا وإسرائيل، قائلا إن "لديهما نفس السياسة الخارجية التي ترى الحرب أمرا طبيعيا"، مشددا على أن من يبدأ الحرب "لا يجب أن يكافأ، بل يجب أن يقدم تنازلات".
وفي ما يتعلق بالوضع في الأراضي الفلسطينية، قال ألباريس إنه "آن الأوان لتأسيس دولة فلسطينية حقيقية" تشمل الضفة الغربية وغزة تحت سلطة فلسطينية موحدة، مؤكدا أن عنف المستوطنين خرج عن السيطرة، وأن حل الدولتين هو المسار الحقيقي للسلام للفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء.
وأوضح أن قرار بلاده الاعتراف بدولة فلسطين جاء "من أجل العدالة للشعب الفلسطيني"، رغم الانتقادات التي واجهتها إسبانيا. كما أشاد بجهود الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتحقيق السلام في أوكرانيا.
ومن جهتها، أشادت مفوضة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس بدور الوساطة القطرية، مؤكدة أن للدوحة دورا أساسيا في تخفيف التوترات.
وأضافت المسؤولة الأوروبية أن من أساسيات التوصل إلى السلام أن يقوم المعتدي بتقديم تنازلات، وليس الطرف الذي تعرض للهجوم، مشددة على أن أوكرانيا تحتاج إلى ضمانات لعدم حدوث اعتداء روسي جديد في حال توقيع اتفاق خلال الفترة المقبلة.
وحذرت كالاس من أن فرض القيود على أوكرانيا لن يحقق السلام، بل سيزيد الطرف المعتدي تماديا في تحقيق أهداف أخرى من خلال عمل مسلح جديد ضد أي من الدول المجاورة. وأشارت إلى أن الاقتصاد الروسي "ليس بحال جيدة"، معتبرة أن الحرب ستتوقف "حين تنفد الأموال لدى المعتدي التي يستخدمها لتمويل حربه".
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة