في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
لندن- يبدو أن الأوروبيين بدأوا يتخلون تدريجيا عن خطاب الترحيب المتحفظ بالخطة الأميركية للسلام في أوكرانيا ، ويتجهون إلى تبني لغة صريحة وأكثر حذرا تجاه تفاصيلها، في وقت يُفاوضون فيه حلفاءهم الأميركيين على صفقة تُنهي الحرب دون أن تُضعف قدرتهم على ردع أي هجوم روسي محتمل.
وقد شكل هذا الموقف القاسم المشترك الذي تردد على لسان أكثر من مسؤول أوروبي في الاجتماع الأول لتحالف الراغبين في قيادة بريطانيا و فرنسا بعد طرح الخطة الأميركية، والذي لم يكن محض لحظة تضامن مع كييف التي تحشرها واشنطن في زاوية الخيارات الصعبة، ولكن فرصة لتحديد طبيعة الدعم العسكري الذي قد يبدو كافيا لطمأنة الأوكرانيين قبل وقف القتال.
في الوقت الذي تعَد فيه الضمانات الأمنية نقطة من ضمن عدة نقاط يتضمنها اتفاق السلام، تشكل هاجسا رئيسا يشغل تحالف الراغبين الذي تنضوي تحته 33 دولة من حلفاء كييف.
وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن تشكيل قوة مشتركة لتحديد تفاصيل الدعم العسكري الذي سيقدم لأوكرانيا، مشددا على أهمية مشاركة الأميركيين فيها إلى جانب قوات فرنسية وبريطانية وتركية.
ولم يستبعد الرئيس الفرنسي أن يتبلور في القريب العاجل الشكل النهائي للضمانات الأمنية والتي يمكن أن يطمئن إليها الجميع قبل التوقيع على اتفاق إنهاء الحرب، مقترح وجود قوات برية في مناطق احتياطية كأوديسا وكييف بعيدا عن خطوط التماس، في وقت توجد قوة طمأنة جوية متمركزة في دول مجاورة لتأمين المجال الجوي الأوكراني.
وانضم رئيس الوزراء البريطاني، مؤسس فكرة تشكيل تحالف الدول الراغبة، بعد أسابيع من عودة الرئيس الأميركي إلى البيت الأبيض ، إلى الدعوة الفرنسية لتشكيل قوة متعددة الجنسية توجد على الأرض، بهدف دعم استقرار أوكرانيا على الأمد الطويل، مع الابتعاد عن خط المواجهة لتجنب أي صدام مباشر مع القوات الروسية.
وأعاد متحدث باسم رئاسة الوزراء البريطانية التأكيد على استعداد القوات البرية البريطانية التوجه لأوكرانيا، مشيرا إلى أن استعدادات المخططين والخبراء العسكريين البريطانيين "متقدمة للغاية" لبحث نشر قوات عسكرية في أوكرانيا عشية التوقيع على أي اتفاق سلام مع روسيا .
ورغم أن وجود أي قوات غربية في أوكرانيا يثير رفضا روسيا صريحا، وكان بندا مباشرا في النسخة الأصلية من الخطة الأميركية، فإن انضمام الأميركيين الذين صاغوا الخطة من دون استشارة الأوروبيين، قد يعكس إدراكهم أن استمرار وجودهم ضمن صيغة "تحالف الراغبين" يشكل عامل طمأنة للأوروبيين، الذين يصرون على ضرورة التزام واشنطن بحماية أوكرانيا.
لكن حجم انخراط الأميركيين في تقديم الضمانات الأمنية مثار جدل ومحل تفاوض الدول الأوروبية وأوكرانيا مع الإدارة الأميركية منذ إعلان الرئيس الأميركي سعيه إلى إنهاء الحرب، حيث كان دونالد ترامب خلال مشاركته في قمة حلف الناتو في يونيو/حزيران الماضي قد أكد استعداده لتقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا بطابع مشابه للمادة الخامسة لحلف الناتو دون أن يعني ذلك انضمام أوكرانيا للحلف.
وكشفت صحيفة بوليتيكو نقلا عن مسؤولين أوروبيين، رفض الأميركيين نقاش أي ضمانات أمنية قبل التوقيع علـى اتفاق سلام مع روسيا ينهي الحرب، ووضعوا ذلك شرطا في المفاوضات مع الأوروبيين في جنيف بشأن تعديلات خطة السلام.
في المقابل شدد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو على الضمانات التي تمثل أولوية منفصلة عن باقي النقاط المتفق عليها دون أن يقدم تفاصيل أخرى في محادثاته مع البريطانيين والفرنسيين، في وقت يضغط فيه أيضا المشرعون الأميركيون، بمن فيهم نواب جمهوريون في الكونغرس، لتقديم ضمانات أمنية قوية لأوكرانيا خاصة في حال تخليها عن أراض لصالح روسيا.
وترى مارتا موتشينك الباحثة الأولى في شؤون الاتحاد الأوروبي لدى مجموعة الأزمات الدولية ب بروكسل ، أن الرسائل المتضاربة التي تبعث بها تصريحات المسؤولين الأميركيين للحلفاء الأوروبيين، غير الواثقين من مواقف الإدارة الأميركية، تزيد من تعقيد المفاوضات الجارية بشأن خطة السلام وتجعل الأوروبيين أكثر حذرا وتوجسا.
وتشدد الخبيرة الأوروبية في حديثها للجزيرة نت، على أن شكل الضمانات الأمنية التي ستوفرها واشنطن أو تلك التي سيقبل بها الأوروبيون هي رهن مسار المباحثات في طبيعة اتفاق السلام والتفاصيل التي سترضي أطراف الصراع، حيث يبدو موقف الإدارة الأميركية أقرب للمفاوض المحايد الذي يضغط على الأوكرانيين للقبول بالاتفاق بدل توفير شروط الطمأنة.
وكان إنشاء تحالف الراغبين في مارس/آذار من العام الجاري خلال قمة بالعاصمة البريطانية لندن وليد المخاوف الأوروبية المتزايدة من رفع الولايات المتحدة الحماية عن أوكرانيا وانكفاء الدعم العسكري والاستخباري المقدم لقواتها، حيث طرح التحالف إنشاء قوة طمأنة جوية وبرية وبحرية لأوكرانيا وتدريب قواتها المسلحة وإعادة تأهيلها.
في الأثناء تحتد لهجة القادة الأوروبيين اتجاه موسكو ، ويذكر أكثر من مسؤول الخصوم الروس باستعداد أوروبا لمواصلة الحرب ودعم أوكرانيا دون تأخير، في حين تبدو تلك المواجهة تقترب شيئا فشيئا من خطوط التماس داخل الأراضي الأوروبية نفسها.
ففي الوقت الذي هدد المستشار الألماني بلهجة حادة في برلمان بلاده الرئيس الروسي بقدرة الأوروبيين على الاستمرار في دعم الحرب في أوكرانيا، حذر أيضا وزير الدفاع البريطاني جون هيلي قبل أيام الروس باستعداد بلاده لكل الاحتمالات العسكرية ردا على تزايد الوجود الروسي قريبا من الأراضي البريطانية.
حيث عززت القوات المسلحة البريطانية أنشطة المراقبة والاعتراض من القناة الإنجليزية إلى بحر الشمال عقب ما وصفه المسؤولون بارتفاع في التحركات الروسية بالقرب من المياه البريطانية.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يؤكد أنه لم يتم التوصل بعد إلى اتفاق نهائي بشأن التسوية في أوكرانيا وأن المقترح الأمريكي للسلام يمكن أن يكون أساسا للتوصل إلى اتفاق مستقبلي#الأخبار pic.twitter.com/fxMcaKl8Mu
— قناة الجزيرة (@AJArabic) November 27, 2025
ويدفع ناناند ساندرس الباحث في الشؤون الدفاعية في المركز الأوروبي للسياسات الخارجية، في حديثه للجزيرة، إلى أن الأوروبيين يبحثون عن أي مؤشرات تؤكد الالتزام الأميركي باستمرار توفير الحماية العسكرية رغم محاولاتهم تحقيق استقلالية عسكرية وفك الارتباط بواشنطن وقرار مواصلة الحرب من عدمه على الجبهات في أوكرانيا.
ويستدرك الخبير العسكري البريطاني أن الجيوش الأوروبية لن تغامر بأي اقتراب من الأراضي الأوكرانية دون الاطمئنان لوجود ضمانات أمنية أميركية كافية وقوية، محذرا من أن غياب أي دعم عسكري أميركي واضح لأي بعثة قوات أوروبية يمثل مخاطرة بالغة التهور.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة