خطوط حمراء لا مجال لاجتيازها.. البرلمان الأوروبي يبدي رفضه لخطة ترمب للسلام في أوكرانيا، واصفًا إياها بأنها تتجاهل مصالح كييف ولا تبدد مخاوف أوروبا الأمنية، تفاصيل أكثر مع مراسل الجزيرة نور الدين بوزيان#مراسلو_الجزيرة pic.twitter.com/pVqs6oKHUS
— قناة الجزيرة (@AJArabic) November 27, 2025
واشنطن- في عام 1796، صرح الرئيس الأميركي الأول جورج واشنطن في خطاب الوداع بأن "سياستنا الحقيقية هي الابتعاد عن التحالف الدائم مع أي جزء من العالم الأجنبي". وقال ذلك على الرغم من أن بلاده تدرك أنها بدون التحالف مع فرنسا في الثورة الأميركية، كانت بريطانيا ستنتصر. وفي الوقت الذي قد لا يدرك فيه الرئيس الحالي دونالد ترامب هذه الخلفية التاريخية، فإنه يتعهد بالسير على خطى واشنطن تجاه حلف شمال الأطلسي (الناتو) .
ويظهر استطلاع الرأي الذي أجراه مركز "بيو" للأبحاث هذا العام أنه رغم أن نحو ثلثي الأميركيين لديهم وجهة نظر إيجابية عن الناتو، فإنه لا يزال هذا يعني أن ثلثهم لديهم آراء غير مواتية بشأنه، وهي نسبة ليست صغيرة وسط تنامي المشاعر الانعزالية في الولايات المتحدة، وهو ما يثير قلق قادة دول الحلف خاصة مع تبني ترامب هذه المشاعر السلبية تجاهه.
من هنا يخشى الخبراء الأميركيون من اتجاه ترامب إلى فرض سلام "غير عادل" على كييف. ومثّل طرحه خطة إنهاء الحرب في أوكرانيا، والتي جاءت بداية في 28 نقطة وتم تعديلها إلى 19 نقطة، جرس إنذار دعّم مخاوفهم وشكوكهم حول التزامه بمستقبل الحلف وبقائه.
منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ، وفرت الولايات المتحدة مظلة أمنية لأوروبا الغربية قوامها حلف شمال الأطلسي. وتعرض ثبات هذه المظلة لهزات كبيرة منذ وصول ترامب للحكم سنة 2017، وتضاعفت المخاوف مع عودته ل لبيت الأبيض بداية هذا العام.
ودفعت المحاولة الدبلوماسية الجارية حاليا لتحقيق السلام وإيقاف القتال بين موسكو وكييف إلى تجديد المخاوف على مصير مظلة أميركا الأمنية لأوروبا في ضوء طرح ترامب خطة تتفهم المخاوف الأمنية الروسية، في حين تتجاهل مخاوف أوكرانيا وأوروبا الأمنية، ولم تتحدث عن أي عضوية لكييف في الحلف مستقبلا وتحدثت بغموض عن الضمانات الأمنية البديلة.
واعتبر مراقبون أميركيون أن مقترحات إدارة ترامب للحل سواء في خطة النقاط الـ28 التي قدمت قبل أيام، أو نسختها المعدلة، أشبه برسائل تؤكد عدم اكتراث واشنطن بدورها في تأمين ما يُطلق عليه الأمن الأوروبي.
وبسبب طبيعة الرئيس الأميركي، لا يرغب في أن تستمر بلاده، رغم غناها وتقدمها التكنولوجي العسكري، في تحمل المسؤولية الأساسية عن أمن القارة الأوروبية خاصة مع انتهاء الحرب الباردة ، وتراجع القدرات الروسية وبروز الصين كتحدٍ وحيد أمام الهيمنة الأميركية على الشؤون العالمية.
من جانبه، يرى ماثيو والين الرئيس التنفيذي لمشروع الأمن الأميركي، وهو مركز بحثي يركز على الشؤون العسكرية، أن الروس يعملون بنشاط لضمان ضعف أوكرانيا ومنع وجود أي قوات من الناتو فيها. وبدون هذا الوجود لن يردع أحد الهجمات الروسية المستقبلية، ويبدو أنه خط أحمر لموسكو، إذ ترغب في الحفاظ على قدرتها على الهجوم مرة أخرى إذا اختارت ذلك.
ويوضح، للجزيرة نت، "ليس من الواضح كيف ستبدو العلاقة بعد الحرب مع الناتو، لكن إذا لم تكن لكييف عضوية مباشرة في الحلف، فمن المرجح أن تسعى أوكرانيا إلى نوع من الاتفاق يساعد في وضع نوع من الردع أو ضمان الأمن ضد العدوان الروسي المستقبلي، لأن موسكو لديها عادة سيئة في خرق التزاماتها بعدم مهاجمة جيرانها".
يغلف قضية واشنطن للدفاع عسكريا عن أوروبا الكثير من التعقيد، ويرى خبير السياسة الخارجية والدبلوماسي السابق ولفغانغ بوستزتاي أن خطة ترامب ستؤثر على مستقبل الالتزام الأميركي تجاه حلف الناتو والمظلة الأمنية في أوروبا.
وفي حديث للجزيرة نت، أشار بوستزتاي إلى أنه "على الرغم من أن هذا سينفر بالتأكيد العديد من حلفاء واشنطن الرئيسيين، بما في ذلك اليابان وكندا والأوروبيون، فإنني لا أتوقع أن يؤثر سلبا على التزام أميركا بالدفاع. هذا الالتزام لا يستند فقط إلى المادة 5 من معاهدة الناتو، بل يعتمد بشكل خاص على وجود عدد كبير من القوات الأميركية في أوروبا، خاصة على طول الحدود الشرقية للحلف. وهذا يضمن أن الولايات المتحدة ستكون متورطة فورا في حال وقوع عدوان روسي على أي من دوله".
ويرى أنصار ترامب ضمن التيار اليميني ب الحزب الجمهوري " ماغا " أن القارة الأوروبية كان لديها 10 سنوات كاملة منذ ظهور ترامب على الساحة السياسية ومناداته بضرورة تلبية أوروبا لمتطلباتها الدفاعية بدلا من الاعتماد على الحليف الأميركي، والتعديل من وضعها الدفاعي وأن تزيد من ميزانيتها العسكرية، إلا أن ذلك لم يحدث في أغلب الدول، وإن حدث فهو يتم ببطء متعمد.
ويجمع الخبراء الأميركيون على أن أوروبا تملك الإمكانيات التقنية والصناعية اللازمة لبناء قدراتها الدفاعية. ويؤمن هذا الفريق بأن تكرار الرئيس الأميركي لهذه المطالب علنا يهيئ الرأي العام الأوروبي، ويسهل من مهمة القادة الأوروبيين في إقناع شعوبهم لتعزيز الاستثمار في المجال الدفاعي.
Voir cette publication sur Instagram
يعد استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا المتاخمة لحدود الناتو، والتي لديها طموح بالانضمام إليه، لأكثر من 4 سنوات، بمثابة تحد ضاعف من تصاعد التشكيك بالتزام الولايات المتحدة تجاه الحلف، وخلق مخاوف لم يسبق أن واجه مثلها على مدار تاريخه.
وتعتبر النخبة الأميركية الناتو واحدا من أنجح تحالفات الدفاع الجماعي في التاريخ. ونشأ من رحم تجارب القرن الـ20 عندما قتلت حربان عالميتان أكثر من 100 مليون شخص. ورأت واشنطن في منظومته ما يمنع حدوث هذا النوع من الكوارث مرة أخرى. وتتعامل إدارة ترامب مع الأمن الأوروبي وفق منطق تجاري بحت كغيره من حيث القضايا العالمية والقضايا الخاصة للولايات المتحدة كصفقة تجارية.
ومن شأن اهتزاز التزام واشنطن بحلف الناتو إحداث زلزال إستراتيجي لمفهوم الأمن الأوروبي، خاصة أنها تسهم بأكثر من 60% من ميزانيته وبما يقرب من نصف عدد مقاتليه. من ناحية ثانية، لا تزال النخبة الأميركية التقليدية تؤمن أن الحلف يشكل حجر الزاوية لأمن أميركا الشمالية وأوروبا، وأنه "ناجح لأنه يجعل الولايات المتحدة وحلفاءها أكثر أمنا".
وذكر ستيفن سيستانوفيتش، المسؤول السابق بالخارجية والخبير في مجلس العلاقات الخارجية والأستاذ الفخري بجامعة كولومبيا، للجزيرة نت، أن " البنتاغون قام بتخفيضات طفيفة في نشر القوات الأميركية في أوروبا الشرقية. ومن المفارقات أن الرئيس قد يتعرض قريبا لضغط لعكس بعض تلك التخفيضات، ليظهر أنه جاد بشأن الضمانات التي يقدمها لإنهاء الحرب".
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة