في تحليل إخباري، قالت نيويورك تايمز إن نصف الكرة الغربي يشهد تحولات جذرية في موقعه داخل الإستراتيجية الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترامب ، والتي تتبنى نهجا صارما يقوم على المعاملة بالمثل وفرض السيطرة، وهو ما يسميه محللون كثيرون "عقيدة دونرو".
وترى الصحيفة الأميركية أن هذا التوجه يمثل قطيعة حادة مع عقود من انخراط واشنطن في أميركا الجنوبية، إذ يعطي الأولوية للهيمنة والمكاسب الجيوسياسية بدلاً من تعزيز الديمقراطية أو دعم التنمية.
وقد أدى ذلك -بحسب مراسل الصحيفة لشؤون أميركا الجنوبية جاك نيكاس في مقاله التحليلي- إلى إعادة رسم واسعة لخريطة التحالفات وتوازنات القوى والخيارات السياسية في أنحاء القارتين.
وجاء في التحليل أن ترامب بدأ العام الحالي بتصريحات صادمة، ملوّحا بالاستيلاء على قناة بنما ، والسيطرة على غرينلاند ، وإعادة تسمية خليج المكسيك رسميا بـ"خليج أميركا".
ومع دنو العام من نهايته، تصاعدت مواقف الرئيس الأميركي من الوعيد بشن عمليات عسكرية مثيرة للجدل ضد قوارب في أميركا الجنوبية، ونشر أكبر حاملة طائرات بالعالم في الكاريبي، والبحث علنا في خيارات عسكرية ضد الزعيم الفنزويلي نيكولاس مادورو .
كما فرض ترامب تعريفات جمركية قاسية، وشن عقوبات تستهدف قادة يساريين، إلى جانب عمليات إنقاذ اقتصادي ضخمة مكّنت حلفاءه من تجاوز أزماتهم.
وقد صاحب هذا النهج توسع عسكري لافت، إذ بلغ عدد القوات الأميركية في المنطقة أكثر من 15 ألف جندي، في حين اقتربت أكبر حاملة طائرات في العالم من السواحل الفنزويلية، في رسالة قوة واضحة.
وبحسب المقال، فإن كبار مسؤولي إدارة ترامب يروجون لهذه الإستراتيجية باعتبارها سعياً لإعادة ترسيخ الهيمنة الأميركية في "الجوار" خصوصاً في مواجهة التمدد الصيني الكبير في المنطقة.
ويقود هذا التحوّل وزير الخارجية ماركو روبيو وفريق من الصقور ذوي الخبرة الطويلة في ملف أميركا الجنوبية، بهدف تعزيز السيطرة على الموارد الطبيعية والمواقع الإستراتيجية والأسواق.
ويرتكز جوهر "عقيدة دونرو" على الدبلوماسية القائمة على الصفقات ومكافأة الحكومات التي تساير ترامب، ومعاقبة تلك التي تتحداه.
و"عقيدة دونرو" مصطلح يمزج بين اسم دونالد و" عقيدة مونرو " التاريخية التي طرحها الرئيس الأميركي جيمس مونرو عام 1823 بهدف تعزيز تفوق الولايات المتحدة على المنطقة، تحت ستار معارضة الاستعمار الأوروبي في نصف الكرة الغربي.
وأوضح الكاتب أن الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي ، الذي يقدّم نفسه نسخة من ترامب، حصل على حزمة إنقاذ بقيمة 20 مليار دولار ساعدت في إنقاذ حكومته وتعزيز مكاسبه الانتخابية.
أما رئيس السلفادور نجيب أبوكيلة ، فحصل على إشادة علنية، ورفعت الخارجية الأميركية تحذير السفر إلى بلاده، واستعادة قادة من عصابة (إم إس-13) بعد موافقته على احتجاز أكثر من 200 مرحّل فنزويلي رفضت جميع الدول استقبالهم.
كما ظفرت الإكوادور وغواتيمالا وبنما بمزايا تجارية أو سياسية مقابل التعاون.
في المقابل، واجهت الحكومات اليسارية "الاستبدادية" في فنزويلا و كوبا و نيكاراغوا حملة ضغط غير مسبوقة. فقد عرضت واشنطن 50 مليون دولار للقبض على الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، وهددت بفرض تعريفات بنسبة 100% على واردات نيكاراغوا.
كما وضعت واشنطن كولومبيا في دائرة الاستهداف بعد انتقاد رئيسها غوستافو بيترو للضربات البحرية الأميركية، فأوقفت مساعداتها وفرضت عليه عقوبات، مما أدى إلى تراجع شعبيته وفتح الباب أمام تحولات سياسية محتملة.
وينعكس تأثير السياسة الأميركية الجديدة أيضا -برأي المراسل نيكاس- في التحولات السياسية الإقليمية، إذ صعدت قوى يمينية موالية لترامب في بوليفيا وتشيلي وبيرو، حيث دعمت واشنطن بصورة مباشرة وغير مباشرة مرشحين يمينيين بأساليب متفاوتة.
لكن نهج ترامب لم ينجح مع كل الأطراف. فكل من المكسيك وكندا -وهما أكبر شريكين اقتصاديين لواشنطن- تمكّنتا من موازنة الامتثال لترامب مع الحفاظ على خطوط حمراء خاصة بهما، مستفيدتين من قوتيهما الاقتصادية.
أما البرازيل فمثّلت "الاختبار الأوضح" إذ رفضت حكومة الرئيس لولا دا سيلفا الضغوط الأميركية لوقف محاكمة الرئيس السابق جايير بولسونارو .
ووفقا لنيويورك تايمز، فقد أدى الموقف الحازم للبرازيل لارتفاع شعبية دا سيلفا وإدانة بولسونارو ومحاكمته، قبل أن يتراجع ترامب فجأة بعد أسابيع ويلتقي الرئيس البرازيلي، في وقت تتفاوض الولايات المتحدة مع بلاده على إنهاء الرسوم الجمركية الأميركية على برازيليا والبالغة 50%.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة