حتى نهاية عام 2024، وصل عدد الأفراد الذين أجبروا على الهجرة والنزوح بسبب الصراعات والاضطهاد والانتهاكات، إلى نحو 42.7 مليون شخص حول العالم، وفقا لبيانات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ورغم أن الاهتمام العام ينصب عادة على الاحتياجات العاجلة كالمأوى والأمن، فإن كثيرا من هؤلاء المهجّرين قسرا من بلادهم لم ينجحوا فقط في تدبير هذه الاحتياجات بل تمكنوا أيضا من النجاح في تأسيس مشاريع خاصة.
فعلى سبيل المثال، سجلت تركيا منذ عام 2011 أكثر من 14 ألف منشأة رسمية مملوكة لرواد أعمال سوريين. ومع أن الطريق كان وعرا بفعل حواجز أهمها اللغة والتمييز وهشاشة الوضع القانوني، فإن بعضهم حقق نجاحا متميزا.
وبحسب مقال في موقع المحادثة (ذا كونفرسيشن)، فقد أشارت دراسة أكاديمية أوروبية حديثة إلى أن هناك عوامل تصنع الفارق بين التعثر والنجاح، منها الشعور بالانتماء للبلد المضيف، وإتقان لغته، فضلا عن توقيت الحصول على الحماية القانونية.
لفتت الدراسة إلى أن الكثيرين يتجهون لريادة الأعمال بدافع الضرورة بسبب صعوبات التوظيف وعدم الاعتراف بالمؤهلات، لكن التحدي يكمن في تحويل هذا الاتجاه الاضطراري إلى نجاح مستدام. وأوضحت أن نجاح المهاجرين في المشاريع الخاصة لا يعتمد على المهارة ورأس المال فحسب، بل كيف يرى رائد الأعمال نفسه داخل المجتمع المضيف.
الدراسة التي شملت 170 من رواد الأعمال السوريين المهاجرين في تركيا، أكدت أن الناجحين هم من امتلكوا ما أطلق عليه "هوية البلد المضيف"؛ أي شعورا قويا بالانتماء، ورابطة وجدانية وعقلية مع المؤسسات والمجتمع في تركيا. هذا الارتباط انعكس على تحسن الأداء المالي وأداء خدمة العملاء مقارنة بالمنافسين.
وبيّنت الدراسة أن إجادة اللغة التركية رفعت بشكل كبير من إحساس الاتصال بالأسواق والسياقات المحلية. وعلى العكس، فإن التمييز السلبي سواء على صعيد المجتمع أو الإجراءات الحكومية، يقوّض هذا الانتماء.
شددت الدراسة على أن الوضعية القانونية تلعب دورا حاسما في نجاح المهاجرين؛ ففي تركيا، يحصل السوريون على "حماية مؤقتة" تؤثر على قدرتهم على تأسيس الأعمال الرسمية.
وأظهرت النتائج أن منح هذه الحماية مبكرا يقلل من التأثيرات السلبية للتمييز ويعزز الشعور بالأمن والاندماج. أما التأخر في منحها، فيمنح التمييز أثرا أكبر، مما يضعف الانتماء.
وخلصت الدراسة إلى أن هذا التأخير يخلّف ضررا خفيا متراكما على شعور الأفراد بالانتماء، حتى بعد تسوية وضعهم القانوني، وهو ما يمثل مظهرا غير مرئي لعدم المساواة لا تلتقطه السياسات التقليدية.
أكدت الدراسة أن مسألة نجاح رواد الأعمال المهجرين هي مصلحة عامة، فهم يخلقون وظائف، ويدفعون ضرائب، ويضيفون قيمة للاقتصاد المحلي. والعكس صحيح حين تُكبّلهم العوائق، يخسر المجتمع طاقاتهم.
كما أكدت أن المسألة هي أيضا عدالة اجتماعية، فهؤلاء الأفراد يسعون للانتماء والمساهمة رغم فقدانهم كل شيء. لذلك فإن رفع العوائق واجب أساسي.
تختتم الدراسة بالإشارة إلى أن الهجرة القسرية قضية ممتدة، وأن على الدول أن تتجاوز الإغاثة المؤقتة إلى توفير مسارات للاندماج والانتماء. كما يجب النظر إلى رواد الأعمال المهجرين ليس كمشكلة يجب حلها، بل كشريك في التنمية يسهم في النمو الاقتصادي وتنمية المجتمع.
المصدر:
الجزيرة