في خطوة جديدة تعكس تطورات المشهد الإقليمي وجهود تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، أعلنت القيادة المركزية الأمريكية يوم الثلاثاء، عن بدء عمل ما يُعرف بـ "المقر الأمريكي" أو "مركز التنسيق المدني العسكري" في إسرائيل، المخصص لمتابعة تنفيذ الاتفاق.
جاء الإعلان تزامناً مع زيارة نائب الرئيس الأمريكي، جيه دي فانس، للموقع، ضمن متابعة الترتيبات الميدانية واللوجستية المتعلقة بمرحلة ما بعد وقف العمليات العسكرية.
وعند وصوله، أدلى فانس بتصريحات خلال مؤتمر صحفي عقد الثلاثاء في مركز التنسيق المدني العسكري بمدينة كريات غات جنوبي إسرائيل، محذرا حركة حماس من عواقب "عدم التخلّي عن سلاحها".
وقال فانس: "إن لم تتخلَّ حماس عن السلاح فستحدث أمور سيئة للغاية"، موضحاً أن واشنطن لم تحدد حتى الآن مهلة زمنية لذلك.
وأشار فانس إلى أن القوات الأمريكية المنتشرة في المركز تعمل على مراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، بالتنسيق مع أطراف دولية وإقليمية، لضمان التزام جميع الأطراف ببنود الاتفاق.
يهدف المركز، الذي بدأ نشاطه منذ منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2025، أي بعد أيام قلائل من توقيع خطة إنهاء الحرب في مدينة شرم الشيخ، إلى دعم جهود الاستقرار وتسهيل تدفق المساعدات الإنسانية واللوجستية إلى قطاع غزة، دون وجود مباشر للقوات الأمريكية داخله.
حيث أرسلت الولايات المتحدة نحو 200 جندي إلى المقر المؤقت في إسرائيل للإشراف على تنفيذ الاتفاق، بالتعاون مع مصر وقطر وتركيا، ضمن وجود عسكري محدود في البلاد، حسبما ذكرت الصحيفة الإسرائيلية يديعوت أحرونوت.
ويضم المركز جنوداً من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والأردن والإمارات، إضافة إلى دول أخرى "لم تُكشف هويتها بعد"، وفق يديعوت أحرونوت.
ويُعد مقر كريات غات مركزاً للتنسيق المدني والعسكري، مع التركيز على تسهيل المساعدات الإنسانية واللوجستية دون الانخراط المباشر في العمليات القتالية.
وإلى جانب هذا المقر، توجد قاعدة أمريكية سرية تعرف باسم "الموقع 512" قرب النقب جنوب إسرائيل، مزودة برادار متطور للإنذار المبكر من الصواريخ الباليستية، وتعمل بطواقم صغيرة رغم قدرتها على استيعاب نحو ألف جندي في حالات الطوارئ، وفق تقرير لصحيفة يديعوت أحرونوت.
وتشير وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن الوجود العسكري الأمريكي في البلاد "يظل محدوداً" بطابعه الدفاعي واللوجستي، دون قوات قتالية دائمة، بينما تستمر واشنطن في استخدامه كأداة لردع الخصوم ودعم الحلفاء في مناطق التوتر.
ويقول الجيش الإسرائيلي إن المركز يهدف إلى التخطيط والتنسيق وتنفيذ ومراقبة اتفاق وقف إطلاق النار في مراحله المختلفة.
يقول محلل إذاعة الجيش الإسرائيلي، أمير بار شالوم، لبي بي سي، إن الهدف الرئيسي من مركز التنسيق المدني-العسكري الذي أنشأته القوات الأمريكية "هو ممارسة السيطرة على الوضع في غزة والمنطقة، بما في ذلك حماس وإسرائيل والفصائل الفلسطينية الأخرى"، مضيفاً أن المركز "يمثل الطريقة الأمريكية في إدارة الأحداث والتحكم في جميع الإشارات والعمليات في المنطقة".
وأوضح بار شالوم أن الخطة الأمريكية في البداية كانت تقوم على إقامة هذا المركز داخل قاعدة حتسور الجوية في إسرائيل، حيث توجد قوات أمريكية بالفعل، إلا أن السلطات الإسرائيلية قررت في وقت لاحق نقل المقر إلى كريات غات بتل أبيب، بعد أن تبين أن المقر سيضم ضباطاً أجانب، وهو ما لم ترغب به إسرائيل، التي ترفض وجود ضباط جيوش أجنبية على أراضيها.
ويضيف بار شالوم لبي بي سي، أن المركز لا يزال في طور الإنشاء والتشكيل، إذ لم تتضح بعد آلية عمله ولا توزيع الأدوار بين الدول المشاركة فيه، مؤكداً أن الأمريكيين أنفسهم لم يحددوا بعد طبيعة المهام التي سيضطلع بها الضباط الأجانب في المقر.
وأشار إلى أن بعض الدول العربية مثل مصر والإمارات وقطر تشارك في هذا الإطار، لكن الدور العربي "لا يزال غامضاً ومحدوداً" حتى الآن، في ظل غياب تصور نهائي لكيفية إدارة غزة بعد انتهاء العمليات العسكرية.
وختم حديثه قائلاً إن إسرائيل ترى أنها لا تزال في المرحلة الأولى من الاتفاق، بينما تعتبر الولايات المتحدة أنها بدأت بالفعل المرحلة الثانية، لافتاً إلى أن المقر الأمريكي الجديد سيكون مسؤولاً لاحقاً عن بلورة ما يُسمى بـ "الحل النهائي"، إلا أن الطريق إلى ذلك ما زال طويلاً وغير واضح المعالم.
أما موريس هيرش، ضابط الاحتياط السابق في الجيش الإسرائيلي، فقد أوضح لبي بي سي، أن الهدف الرئيسي من مركز التنسيق المدني-العسكري الذي أنشأته القوات الأمريكية "هو ضمان تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار" الذي توسط فيه الرئيس ترامب، والذي يتضمن عدم بقاء أي جهة حاكمة غير شرعية في قطاع غزة بعد انتهاء العمليات العسكرية.
وأضاف أن المركز يسعى أيضاً إلى تنسيق الجهود المتعلقة بإدارة شؤون غزة بعد الحرب، والتخطيط لما وصفه بـ "النظام الإداري البديل" الذي يتيح للسكان الانتقال إلى مرحلة ما بعد الحرب وإعادة إعمار القطاع ليصبح "الريفييرا التي يجب أن تكون"، على حد تعبيره، بدلاً من أن يظل تحت سيطرة "تنظيمات إرهابية تسعى إلى تدمير إسرائيل".
وحول مشاركة بعض الدول العربية مثل مصر والإمارات، أشار هيرش إلى أن هناك إدراكاً بأن الجماعات التي وصفها بالإرهابية هي أصل المشكلة.
أما بخصوص الوجود العسكري الأمريكي في إسرائيل، فقد أكد هيرش أنه "من المبكر الحديث عن وجود دائم"، مشيراً إلى أن "الموقف الحالي يتمثل في أن هذا الوجود مؤقت، هدفه فقط نزع سلاح حماس وتفكيكها بسرعة لما فيه مصلحة الجميع".