آخر الأخبار

مظاهرات ضد التلوث في محافظة قابس التونسية

شارك
مصدر الصورة

في محافظة قابس جنوبي تونس، تصاعدت الاحتجاجات خلال هذا الشهر وسط موجة من الغضب الشعبي نتيجة تدهور الأوضاع البيئية وتوالي حالات الاختناق بسبب التلوث.

خرج الآلاف من السكان للتعبير عن سخطهم من انبعاثات صناعية سامة تنتج عن المجمع الكيميائي التابع للدولة، مطالبين بالإغلاق الفوري وتفكيك وحدات المجمع الكيمائي بعد أن التفّت أنظار الجميع إلى حالات اختناق جماعي خاصة بين صفوف طلبة المدارس خلال الفترة الماضية.

حالة احتقان

مصدر الصورة

تتالت تظاهرات التونسيين في محافظة قابس جنوبي البلاد على مدى الشهر الحالي احتجاجا على تردي الوضع البيئي بالمحافظة.

هذا وخرج الألاف من السكان المحليون في منطقة شاطئ السلام أين يقع المجمع في مسيرة ضخمة يوم الأربعاء بمدينة قابس للمطالبة بتفكيك الوحدات الملوثة بالمجمع الكيمائي بالمدينة، فيما يخرج المئات بشكل متواصل مطالبين بحقهم في بيئة سليمة.

وردد المتظاهرون، الذين ارتدى معظمهم اللون الأسود للتعبير عن الغضب شعارات مثل "الشعب يريد تفكيك الوحدات" و"نريد أن نعيش"، و"قابس تستغيث و"نريد أن نتنفس"

وحسب إحصائيات غير رسمية قد قارب عدد المحتجين الأربعين ألفا، خرج فيها السكان وطلبة الجامعات والمدارس مطالبين في حقهم في العدالة المناخية.

ويقع المُجمّع الكيميائي في منطقة "شاطئ السلام" التّي يقطنها نحو 18 ألف نسمة، وتبعد قرابة 4 كلم عن مدينة قابس مركز المحافظة التي تحمل نفس الاسم.

وأنشأت السلطات في تونس المُجمّع منذ 53 عاما وبداخله وحدات لتصفية مادة الفوسفات ويحولها إلى جملة من المواد الأخرى كالحامض الكبريتي والحامض الفسفوري الذي يحتوي على مادة الفوسفوجيبس. كما أن الموقع يحظى بحماية الجيش والشرطة على مدى هذه السنوات.

هذا وتعيش المحافظة حالة يصفها بيئيون وسكان المنطقة بالصعبة والقاسية نتيجة تعرّض طلبة المدارس والسكان على حد سواء من حالات اختناق وأمراض تنفسية وهشاشة العظام وسرطانات جراء انبعاثات غازية ناجمة عن الوحدات الصناعية للمجمع الكيميائي.

في غضون شهر واحد، تلقى نحو 200 من سكان الأحياء القريبة من المجمع الكيميائي علاجا لحالات "تسمم"، بينهم 122 شخصا الثلاثاء الماضي وفق السلطات المحلية.

ويُلقى يوميا بأطنان من النفايات الصناعية في بحر شط السلام حسب منظمات المجتمع المدني بالمحافظة، بينما لم يصدر تعليق من إدارة المجمع الكيميائي حول الحادثة ولا حول الاحتجاجات في محيط المجمع.

وقال الناشط البيئي خير الدين دبيّة والذي يقود حملة "أوقفوا التلوث" في قابس إن "تهالك الوحدات هي سبب الانبعاثات السامة والتي لم تقم السلطات بصيانتها بشكل جيد خاصة أنه تم وضعها منذ السبعينات".

وأضاف أن "طلبات السلطة بزيادة الإنتاج في المصنع لا يتناسب مع حالة الموقع ولا حل في هذا إلا بتفكيك الوحدات التي سببت أضرارا كبيرة للسكان من حيث تزايد الأمراض وتلوث البيئة".

وأشار أن كل الدراسات المنجزة وتلك التي أنجزتها الدولة تٌقر بمخالفة المجمع لمعايير السلامة البيئية الدولية وأنه لا حل إلا "بإيقاف الجريمة".

وفي نفس السياق أكد الناشط البيئي في قابس فراس ناصفي أن:" الوقفات الاحتجاجية متواصلة بشكل يومي والناس يخرجون بشكل عفوي وسلمي وقرارنا واضح هو إيقاف فوري وثوري بتفكيك الوحدات الصناعية وإزالة المجمع الكيميائي وكل السموم المنبعثة من المصانع في الجهة كما أننا مللنا من كل اللجان ومن كل القرارات السابقة ونحن نتمسك بقرار وحيد وهو تفكيك الوحدات الصناعية وإزالتها."

مطالب عاجلة

مصدر الصورة

دعا الاتحاد المحلي للشغل بمحافظة قابس جنوبي تونس وعدد من منظمات المجتمع المدني إلى "يوم غضب بالمحافظة" بسبب تردي الوضع البيئي وتتالي حالات الاختناق بسبب التلوث.

هذا ويلوّح الإتحاد بتنفيذ إضراب عام في المحافظة في حال عدم استجابة السلطات لمطالب المحتجين.

واستنكرت منظمة " أوقفوا التلوث" المحلية في بيان قمع السلطات للاحتجاج السلمي للمواطنين في قابس للتعبير عن مطالبهم ب "غلق مجمع الموت وتفكيك وحداته" ونددت بتجاهل الدولة للأزمة الصحية والبيئية التي تعيشها المحافظة ما جعلها محافظة "منكوبة مناخيا، اقتصاديا واجتماعيا".

كما ورد في نص البيان مقاطعتهم لأعمال اللجنة الموفدة إلى المجمع الكيميائي ومحاولة إعادة تهيئة المجمع الكيميائي "المهترئ".

وأكدت المنظمة تمسكها بالمطلب الأساسي وهو "تفكيك وحدات المجمع الكيميائي بشكل نهائي والمسؤولة عن التسربات الأخيرة وحالات الاختناق الجماعي".

وأكد رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان بسام الطريفي في لقاء مع بي بي سي أن" فرع الرابطة في محافظة قابس يتابع مع المنظمات ملف المجمع الكيميائي منذ سنوات ويعاين الوضع البيئي الكارثي والصحي فيها سواء على مستوى الهواء أو الشريط الساحلي ويندد بحالات التسمم والاختناق التي طالت عددا من المواطنين في المحافظة" مشيرا إلى دفاع الرابطة عن حقوق الناس في بيئة سليمة كحق أساسي في الحياة.

وأضاف الطريفي أن نسب الإصابة بأمراض السرطان وهشاشة العظام مرتفعة وفاقت كافة المعدلات في البلاد بسبب الغازات السامة التي ينافثها المجمع الكيميائي مطالبا السلطات باتخاذ موقف حازم بتطبيق الأمر الحكومي عام 2017 الذي نص على تفكيك وحدات المجمع الكيميائي إلا أن هذا الأمر لم ينفذ.

كما دعت الهيئة الوطنية للمحامين في تونس في بيان إلى الوقف الفوري لكل الأنشطة الصناعية الملوثة وإيجاد حلول جذرية تضع صحة المواطن فوق كل اعتبار.


*
*
*

كما دعت السلطة إلى تحمل مسؤوليتها في حماية الحق في الصحة وبيئة سليمة وايجاد حلول مستدامة تراعي المصلحة العامة ومتطلبات التنمية في المحافظة.

والأسبوع الماضي دعا الرئيس التونسي قيس سعيد، إلى وضع حد للتلوث الكيميائي في محافظة قابس، وإصلاح ما يجب إصلاحه في أقرب الأوقات، وفق بيان للرئاسة التونسية.

"وأسدى تعليماته بتوجيه فريق مشترك من وزارتي الصناعة والمناجم والبيئة إلى معمل الحامض الفسفوري بالمجمع الكيميائي لإصلاح ما يجب إصلاحه بأسرع الأوقات". موضّحا أنّه يتابع الوضع بصفة مستمرّة وأنّه تمّ الوقوف على عديد الاختلالات سواء في عمليّات الصيانة والتّشغيل التي أدّت إلى تسرّبات الغاز أو في مستوى عدم اجراء الاختبارات المطلوبة على المعدّات في المواعيد المحدّدة من قبل مختصّين."

لكن المحتجين يرفضون ما يعتبرونه حلولا مؤقتة من قبل السلطات مطالبين بالإغلاق الدائم للمصانع أو نقلها إلى مناطق أخرى.

يذكر أن الحكومة كانت قد أعلنت عام 2017 التزامها بإنهاء إلقاء مادة الفوسفوجيبس في البحر. وقد نصّ القرار الحكومي على تفكيك الوحدات الصناعية القديمة التابعة للمجمّع الكيميائي، وتعويضها بمصانع جديدة تحترم المعايير البيئية الدولية.

ورغم اتخاذ السلطات في تونس لهذا القرار منذ سنوات ما يزال حسب المنظمات إلقاء المواد السامة في البحر ما زاد من تضرر السكان والصيادين المحليين ونفوق الأسماك بشكل متواصل ما جعل الناس تعود إلى الشوارع للمطالبة بتنفيذ التعهدات.

وفي مارس/آذار 2025، زادت حالة الاحتقان بالمحافظة بعد صدور قرار حكومي جديد يقضي بحذف مادة الفوسفوجيبس من قائمة النفايات الخطرة، فيما اعتبره سكان المحافظة تراجعا خطيرا عن الالتزامات والتعهدات السابقة.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا