آخر الأخبار

ترامب من شرم الشيخ.. إعلان يوم عظيم أم بداية مرحلة غامضة؟

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

ترامب يصف قمة شرم الشيخ بأنها "يوم عظيم"

في مشهد احتفالي يختزل رهانات كبرى وتناقضات أكبر، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب من شرم الشيخ عن "يوم عظيم للشرق الأوسط"، مؤكدًا أن وثيقة وقف الحرب في غزة "شاملة وتحتوي على جميع القواعد واللوائح الخاصة بتطبيق الاتفاق".

لكن خلف هذا الإعلان المفعم بالرمزية، تتكشف ملامح واقع أكثر تعقيدا، تتنازع فيه الطموحات الأميركية، والشكوك الإسرائيلية، والحسابات العربية الدقيقة، في لحظة تبدو فيها المنطقة كمن تسير فوق رمال سلام متحركة.

بين الخطاب والواقع.. إرث ترامب وطموح الزعامة

يرى مدير عام سكاي نيوز عربية، نديم قطيش، أن ترامب تعامل مع القمة كمنصة لترسيخ إرث شخصي قبل أن تكون مبادرة للسلام.

فالرئيس الأميركي، كما قال، "يتحدث من منظور دونالد ترامب نفسه، وكيف سيسجله التاريخ". وأضاف أن مشهد حفيدته وهي تسأله عمّا يريد تحقيقه، فردّ عليها بأنه يريد أن يكون "أعظم رئيس"، يلخص طريقته في النظر إلى العالم: “ليس الشرق الأوسط هو الأولوية، بل صورة ترامب في الذاكرة العالمية”.

قطيش يقرأ القمة بوصفها "يوما تاريخيا بمعنى وقف الحرب"، لكنه يرفض اعتبارها بداية لسلام حقيقي، قائلا: "نحن بعيدون جدا عن السلام كما صوره ترامب، المنطقة تتجه نحوه، لكن الطريق طويل، ربما يستغرق عشرين عاما".

ومع ذلك، يصف قطيش مشهد القمة بأنه يحمل مؤشرين مهمين:


* أولا: تراجع دور الميليشيات التي كانت تجلس يوما إلى طاولات القرار. فغياب حماس و حزب الله عن الصورة في شرم الشيخ – بعد سنوات كان فيها خالد مشعل ومحمود أحمدي نجاد جزءا من مشهد واحد – يعكس تحولا جذريا في بنية الإقليم. "الدول الآن تجلس من دون الدويلات، وهذه خطوة استراتيجية بعد حرب غزة"، يقول قطيش.
* ثانيا: غياب "النصاب القيادي" في القمة، معتبرا أن غياب أسماء مثل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد، جعل من الحدث لحظة سياسية بلا "غطاء من الصف الأول"، وكأن العواصم الكبرى تراقب من بعيد أكثر مما تراهن على نجاح الاتفاق.

اتفاق بلا آليات.. وتحذير من "سلام ناقص"

أما المحلل السياسي في سكاي نيوز عربية عماد الدين أديب ، فكان أكثر حذرا في توصيف ما جرى. برأيه، ما حصل ليس اتفاق سلام بل وقف إطلاق نار يحمل منافع إنسانية محدودة. "هو ليس سلامًا، بل هدنة مؤقتة تتيح دخول المساعدات وتجميد مشروع التهجير مؤقتًا"، قال أديب، مشيرا إلى أن الوثيقة تفتقر إلى "آلية تنفيذ وسقف زمني واضح وجدول انسحابات"، وهو ما يجعلها أقرب إلى إعلان نوايا لا أكثر.

يفصّل أديب الأسباب قائلا إن إسرائيل لا تريد أربعة أمور أساسية:

أن يكون الاتفاق دوليا عبر الأمم المتحدة، أو أن يتضمّن سقفا زمنيا محددا، أو أن يُلزمها بانسحابات مدروسة، أو أن يعترف بأي كيان فلسطيني – سواء حماس أو السلطة.

لذلك، يصف الاتفاق بأنه "صفقة على طريقة ترامب"، أي صفقة تجارية بلا عمق سياسي أو فهم لتاريخ المنطقة.

ويذهب أديب أبعد من ذلك، معتبرا أن أكبر خطأ في القمة كان منح ترامب الضوء الأخضر لبقاء حماس في إدارة غزة خلال الفترة الانتقالية.

"كأنك تطلق النار على مشروع بدأته بنفسك، ثم تتراجع بعد دقائق عن مضمونه،" قال، مضيفا أن السماح لحماس بالبقاء في المشهد "شرط فاسخ لروح الاتفاق"، لأنه يمنح الشرعية لحركة استخدمت السلاح تحت ولاءات مرتبطة بطهران، وكان من المفترض أن تكون هذه القمة نهاية دورها، لا بدايته الجديدة.

عرض ترامب أكثر من مضمون اتفاقه

من جانبه، يرى موفق حرب، محلل الشؤون الأميركية في سكاي نيوز عربية، أن قمة شرم الشيخ كانت عرضا لترامب أكثر مما كانت محطة سياسية متكاملة.

ويقارن حرب بين قمة شرم الشيخ و مؤتمر مدريد للسلام، فيقول إن الفرق صارخ: فمدريد أطلق عملية سلام طويلة برعاية متعددة، بينما شرم الشيخ “لم تطلق شيئًا سوى صورة جماعية”.

حتى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي استضاف القمة، “ترك المجال لترامب ليقدم عرضه كاملا”، كما وصفه حرب.

يستوقف حرب تفصيل رمزي لكنه دالّ: خلال كلمة السيسي التي تطرّق فيها إلى "حل الدولتين"، كان ترامب من دون سماعة الترجمة، ولم يسمع ما قيل بالعربية، ولم يُبدِ أي تفاعل مع ذكر الدولة الفلسطينية.

بالنسبة لحرب، هذه اللقطة تختصر المسافة بين الخطاب الأميركي عن "يوم عظيم للشرق الأوسط" وبين واقعٍ لا يتغيّر كثيرًا على الأرض.

ويرى أن ترامب يتلذذ بزعامة الصورة أكثر من زعامة السلام. فهو "ذاق طعم القيادة العالمية" بعد القمة، واستمتع بوقوف القادة خلفه، لكن مضمون الاتفاق ظل هشا.

حتى حديثه عن "منع الحروب في المستقبل" بدا متناقضًا حين أعاد التذكير بأنه "لا يكره الحروب، لكنها أحيانًا ضرورية لمنع حروب أكبر"، ما يعكس تناقضًا بين الخطاب المثالي والرؤية الواقعية للسلطة الأميركية.

سلام على طريقة المسدس الأميركي

المفارقة الساخرة جاءت على لسان نضال كناعنة، محرر الشؤون الإسرائيلية في سكاي نيوز عربية، الذي رأى في غياب نتنياهو عن القمة رمزا لفقدان الرؤية داخل إسرائيل أكثر مما هو موقف تكتيكي.

"شمعون بيريس قال يوما: إذا لم تكن حول المائدة، فأنت على المائدة. ونتنياهو اختار الغياب، فصار هو العشاء نفسه،" قال كناعنة بتهكم سياسي لاذع.

برأيه، نتنياهو خشي من الحضور لا لرفضه مبدأ الاتفاق، بل لأنه لا يملك جوابا للسؤال: "ما الذي سيحدث في اليوم التالي لغزة؟". فإسرائيل انسحبت من القطاع في ظل فراغ، وها هي تجد نفسها أمام واقع جديد: حماس تحت الأرض ثم فوقها، ولا سلطة بديلة قائمة.

في المقابل، يصف كناعنة ترامب بأنه “صانع سلام على طريقة المسدس الأميركي” – في إشارة إلى سلاح “البيس ميكر” الشهير الذي يحمل الاسم ذاته.

كناعنة يشير أيضًا إلى أن ترامب حاول أن يمنح توصيفا قانونيا للوضع القائم، لكنه في الحقيقة أضفى شرعية على الأمر الواقع: انسحاب إسرائيلي غير مكتمل، غياب سلطة فلسطينية فاعلة، و حماس في موقع من يملأ الفراغ. بكلمة واحدة، يصف المشهد بأنه "تثبيت لما هو موجود، لا تغيير له".

ما وراء الصورة.. النظام الإقليمي الجديد

رغم اختلاف القراءات بين الضيوف الأربعة، إلا أن ثمة خيطا مشتركا بينهم: شرم الشيخ لم تكن تتويجًا لسلام، بل بداية لمرحلة جديدة من إعادة تشكيل المنطقة.

فغياب الميليشيات من المشهد، وتقدم الدول في موقع التفاوض، يعكسان تحولا عميقا في مفهوم "الفاعلين في الشرق الأوسط" – من حركات عقائدية إلى دول تبحث عن استقرار واقعي.

لكن هذا التحوّل لا يعني بالضرورة أن طريق السلام بات معبّدا.

فالمعادلة الجديدة، كما يراها المحللون، تقوم على توازن هش بين إنهاء الحرب وغياب الحل السياسي.

ترامب قد يكون نجح في تثبيت الهدنة، لكنه لم يقدّم إجابة عن اليوم التالي لغزة، ولا عن شكل الكيان الفلسطيني المقبل، ولا عن حدود الدور العربي في ضمان التطبيق.

قمة بلا ختام واضح

انتهى يوم شرم الشيخ كما بدأ: عناوين كبيرة وصور جماعية، لكن بلا إجابات حاسمة.

وصفه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنه "يوم عظيم للشرق الأوسط"، غير أن هذا "العَظَم" يبدو محصورًا في المشهد البروتوكولي أكثر منه في المضمون.

الوثيقة التي خرجت من القمة تحمل لغة سلام فضفاضة، لكنها تخلو من آليات واضحة. لا ضمانات، لا جداول زمنية، ولا آلية تنفيذ تقيها من أن تتحول إلى بيانٍ آخر يعلّق على جدار التاريخ.

من شرم الشيخ إلى غزة، تتكشف المسافة بين "وقف الحرب" و"صنع السلام" — تلك المسافة التي لم يقطعها أحد بعد، رغم كل الوعود والصور والكلمات.

ربما حقق ترامب ما أراده لنفسه: مشهد الزعامة وتوقيع الصورة التاريخية.

لكن المنطقة، التي أُعيد رسمها في قاعات المؤتمرات، ما زالت تبحث عن مشهدها الخاص؛ مشهد لا تحدده الكاميرات، بل ما يتغيّر على الأرض فعلا.

سكاي نيوز المصدر: سكاي نيوز
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا