آخر الأخبار

الماء الملوث يفتك بأطفال غزة.. حملة صحية تحوّل التوعية إلى طوق نجاة

شارك

غزة- لم تكن المجاعة وحدها ما يُرهق الأمهات في قطاع غزة ، فحين يُصبح الماء الذي يُفترض أن يمنح الحياة سببًا في وجع صغيرك، تتحول الأمومة إلى امتحان قاسٍ من العجز والحيرة.

في أحد مراكز النزوح بمدينة غزة ، تجلس السيدة نهى شهاب الملقبة بـ"أم تميم"، مع طفلها البالغ عامًا ونصفا، تتحدث عن واحدة من أصعب التجارب التي مرت بها خلال الحرب، قائلة "ابني كان مريضًا جدًا، التهابات حادة في الجهاز الهضمي جعلته يضعف يومًا بعد آخر، تنقلت به من طبيب لآخر دون جدوى، كنت أبحث عن علاج، ولم أعرف أن المشكلة كانت أمامي.. في الماء نفسه".

اقرأ أيضا

list of 2 items
* list 1 of 2 قطر الخيرية تطلق استجابة عاجلة لإغاثة متضرري فيضانات السودان
* list 2 of 2 مسؤول أممي: مبادرة ترامب تفتح نافذة للفلسطينيين لتلقي الإغاثة المنقذة للحياة end of list

لم تكن تدري أن الماء المستخدم لتحضير الحليب وطعام طفلها كان ملوثًا، وتضيف "عرفت بالصدفة عن حملة لتعقيم المياه باستخدام الكلور، عن طريق زملاء من الجامعة. كانت لحظة فارقة، شعرت حينها أن هذه المعلومة أنقذت حياة ابني".

بدأت أم تميم بتطبيق التعليمات: تعقيم المياه، غليها، والالتزام الدقيق بالتنظيف الشخصي، وسرعان ما بدأت ملامح التحسن تظهر على الطفل. "منذ بدأت أستخدم الكلور لتعقيم مياه الشرب والطهي، اختفت التهاباته بالتدريج، وتحسنت صحته"، تضيف بصوت ممتن.

التحوّل لم يكن صحيًا فقط، بل سلوكيًا أيضًا. "صرت أحرص على تعقيم اليدين بشكل يومي بالكحول، وأغسل يدي جيدًا بالماء والصابون 3 مرات على الأقل، خاصة بعد العودة إلى البيت".

تضيف "غسل اليدين ليس مجرد فعل، بل أسلوب حياة. لم أعد أكتفي برش الماء فقط، بل تعلمت الطريقة الصحيحة، لأن التفاصيل الصغيرة تنقذ أرواحًا".

قصة تميم ليست استثناءً، بل صورة مصغّرة لمعاناة آلاف العائلات في غزة، حيث تحولت المياه الملوثة إلى سلاح صامت يفتك بالأطفال، فيما حملت مبادرات محلية راية التوعية، محاولة أن تكون خط الدفاع الأول أمام وباء خفي يوازي في خطورته قصف الطائرات.

تختم أم تميم حديثها "أنا سعيدة لأنني وجدت هذه المعلومة في الوقت المناسب. لكنها تطرح سؤالا أكبر: ماذا عن آلاف الأمهات اللواتي لم يجدن وسيلة لحماية أطفالهن من ماء ملوث؟".

بيئة خصبة للأمراض

يشرح الدكتور عبد الرؤوف المناعمة مؤسس الحملة وأستاذ علم الأحياء الدقيقة في الجامعة الإسلامية بغزة، أن الحرب دمّرت البنية التحتية الصحية وشبكات المياه والصرف الصحي، وتسببت في نزوح مئات الآلاف، وسط ندرة مياه الشرب النظيفة.

إعلان

ويقول المناعمة للجزيرة نت "هذا الواقع جعل قطاع غزة بيئة خصبة للأمراض المعدية، من الإسهال والتهاب الكبد الوبائي إلى التسمم الغذائي، أما المستشفيات، المرهقة أصلًا بإصابات الحرب، فقد غصّت بآلاف الحالات، في حين وقف الأهالي عاجزين أمام معاناة أطفالهم".

من هنا وُلدت حملة "الأمراض المنقولة عبر الماء والغذاء"، في محاولةً لسدّ فراغ التوعية، مستندة إلى العمل التطوعي.

أكثر من 285 متطوعًا –بينهم أطباء ومثقفون صحيون وصحفيون وطلبة جامعات– انخرطوا في الحملة، منهم 112 في الميدان و173 عبر التوعية الإلكترونية.

لم يكن الطريق مفروشًا بالورود، فالاكتظاظ في مراكز النزوح، ونقص الموارد، وانقطاع الكهرباء، وصعوبة التنقل كلها عوائق واجهت الفريق، "فكيف يمكن أن تعقد جلسة توعوية وسط مئات العائلات المتكدسة في قاعة واحدة؟" يتساءل المناعمة.

لكن الحملة راهنت على المرونة والإبداع، واستخدمت أساليب متنوعة: لقاءات مباشرة، عروض مسرحية للأطفال، نشرات وملصقات، ومقاطع توعوية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما توسعت رسائلها لتشمل التثقيف حول الأمراض الجلدية والتنفسية، إلى جانب الأمراض المعوية.

حتى الأطفال شاركوا في نقل المعرفة. إحدى المتطوعات، ريناد أبو دان، تتذكر بابتسامة "بعد جلسة عن غسل الأيدي، أخبرتني طفلة صغيرة: سأعلّم إخوتي ما تعلمته اليوم".

مصدر الصورة فعالية لتوعية الأطفال بأهمية الحفاظ على النظافة في مخيمات النزوح بغزة (الجزيرة)

أصوات المتطوعين

تقول صبرين أبو زعيتر، إحدى المتطوعات "انضممت للحملة بدافع المسؤولية تجاه مجتمعي. الوقاية ليست أمرًا معقدًا، ببعض الممارسات البسيطة يمكن إنقاذ الأرواح"، لكنها تستدرك "المواقف الصادمة كثيرة. رأيت أطفالًا يلعبون بإبر مستعملة من النفايات الطبية. مشهد يختصر خطورة الوضع".

أما ريناد أبو دان فتؤكد أن سلوكيات الناس تغيّرت بشكل ملموس "في البداية كان النازحون يرون التوعية أمرًا ثانويًا، لكن حين لمسوا نتائجها على صحة أطفالهم تغيّر كل شيء. كثير من الأمهات عدن ليقلن: لم يعد أولادنا يعانون الإسهال كما في السابق".

حتى الآن، نفذ الفريق 778 جلسة توعوية في 184 مركز إيواء، وصلت إلى أكثر من 45 ألف نازح بشكل مباشر، بينما امتد أثرها إلى عشرات الآلاف عبر الإنترنت.

الحملة لم تكتفِ بالجلسات، فقد أنشأت موقعًا إلكترونيًا وتطبيقًا للهواتف الذكية يحوي مواد توعوية، وأصدرت كتابين علميين في منظمة المجتمع العلمي العربي لتوثيق التجربة: الأمراض المعدية زمن الحروب والكوارث، ودليل التخطيط وتنفيذ حملة توعوية صحية، وهما من تأليف أ.د.عبد الرؤوف المناعمة مؤسس الحملة.

وتظل الأمهات –مثل أم تميم– في خط المواجهة الأول، فبين أيديهن، يتحول الكلور، وغسل الأيدي، والنظافة الشخصية إلى أدوات مقاومة، ففي خيمة النزوح، لا تملك الأم رفاهية الخيارات، لكنها تدرك أن المعلومة الصحيحة قد تساوي حياة طفلها.

تقول أم تميم "أنقذت ابني بمعلومة بسيطة. لكن ماذا عن آلاف الأمهات اللواتي لم يجدن وسيلة لحماية أطفالهن من ماء ملوث؟". سؤال يظل معلقًا في غزة، التي لا تحتاج فقط إلى الغذاء والدواء، بل إلى معرفة تُبقي الحياة ممكنة وسط الركام.

إعلان
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا دونالد ترامب اسرائيل حماس

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا