بريشتينا- أثار قرار الولايات المتحدة مؤخرا تعليق حوارها الإستراتيجي مع كوسوفو تساؤلات عن مستقبل علاقة بريشتينا مع أكبر حليف وداعم لها منذ الاستقلال عام 2008، وعزت السفارة الأميركية في كوسوفو قرارها إلى سلوك الحكومة المؤقتة برئاسة ألبين كورتي متهمة إياها بـ"إذكاء التوتر".
وجاء في بيان نشرته السفارة على موقعها الرسمي "علّقت الولايات المتحدة الأميركية -إلى أجل غير مسمى- حوارها الإستراتيجي المقرر مع كوسوفو، بسبب مخاوفها من تصرفات الحكومة المؤقتة التي زادت من حدة التوتر وعدم الاستقرار، مما حدّ من قدرة الولايات المتحدة على العمل بشكل مثمر مع كوسوفو بشأن الأولويات المشترك".
وأضافت "للأسف شكلت الإجراءات والتصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء المؤقت كورتي تحديات أمام التقدم المحرز على مدى سنوات عديدة"، لكنها أكدت التزامها بـ"تعزيز المصالح المشتركة بين الولايات المتحدة وشعب كوسوفو"، مشيرة إلى أن علاقة البلدين "تستند إلى هدف مشترك هو تعزيز السلام والاستقرار كأساس للازدهار الاقتصادي المتبادل".
يذكر أن حزب "تقرير المصير" (فيتيفيندوسيه) الذي يقوده كورتي قد فاز في الانتخابات البرلمانية التي جرت في فبراير/شباط الماضي، إلا أنه لم يحصل على الأغلبية المطلقة ولم يتمكن من التوافق مع شريك ائتلافي لتشكيل حكومة جديدة.
وكانت واشنطن قد اتهمت كورتي بتأجيج التوتر في شمال كوسوفو ذي الأغلبية الصربية، وتأخير إنشاء مؤسسات جديدة بعد الانتخابات البرلمانية، في حين فرض الاتحاد الأوروبي في عام 2023 عقوبات على بريشتينا بعدما رفض كورتي دعوات لإنشاء اتحاد للبلديات الصربية لتمكين الصرب من حكم ذاتي أوسع، خوفا من الانفصال.
أعربت إميليا رجبي نائبة رئيس برلمان كوسوفو، في حديث مع الجزيرة نت، عن أسفها العميق للقرار الأميركي، مؤكدة التزام بلادها التام بالشراكة مع واشنطن واستعدادها للعمل على تعزيز التعاون والثقة.
وردا على سؤال حول السبب المباشر وراء القرار الأميركي، قالت رجبي إن "القرار هو نتيجة سلسلة من التحركات التي اعتبرها الجانب الأميركي عوامل تزيد من التوترات السياسية، لا سيما فيما يتعلق بالأداء المؤسسي والوضع في الشمال، وتخلي الصرب المحليين الذين لا يزالون تحت السيطرة المباشرة لبلغراد عن مؤسسات كوسوفو".
يذكر أن الأقلية الصربية، البالغ عددها نحو 50 ألف نسمة، تتمركز في شمال كوسوفو، ولا تعترف بمؤسسات الدولة، وتعتبر أن العاصمة الصربية بلغراد، هي عاصمتها، وتعتمد عليها في الحصول على الرواتب والرعاية الصحية.
ومن وجهة نظر رجبي -التي تعرف رئيس الوزراء كورتي جيدا، إذ كانت نائبته لشؤون الأقليات- فإن "العلاقات والروابط والشراكة بين جمهورية كوسوفو والولايات المتحدة راسخة الجذور وتتجاوز جميع الحكومات وتستند إلى قيم مشتركة وإنجازات في تطوير الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان".
وأبدت نائبة رئيس البرلمان قناعة تامة بأن "التواصل المنتظم القائم على المصالح المشتركة هو وحده القادر على تعزيز العلاقات بيننا، وسنبذل كل ما في وسعنا لتحقيق ذلك".
لكنها اعترفت في الوقت نفسه أن القرار الأميركي "قد يُضعف مكانة كوسوفو الدولية مؤقتا"، محذرة من استمرار هذا التعليق لأنه "سيزيد من العواقب السياسية والاقتصادية"، وهو ما تعتقد رجبي أنه في غير صالح كوسوفو.
ودعت إلى "إشراك صرب كوسوفو في جميع العمليات الاجتماعية في شمال البلاد، والمشاركة في الانتخابات المحلية، ومشاركة كل ما هو جيد وسيئ مع جيرانهم من الألبان والبوسنيين والأتراك والغجر وغيرهم، مشددة على أن "كوسوفو ليست ألبانية ولا صربية، بل هي أرضنا جميعا، وبهذه الروح أرى مجتمعا تقدميا، لا أحد يتفوق على أحد".
يوضّح رئيس تحرير وكالة "كوسوفو إنفو" المستقلة، بيرزات بيرزاتي، أن تصاعد الوضع هو نتيجة للتوتر في شمال كوسوفو عقب ترك حزب "القائمة الصربية" -وهو الحزب الممثل للأقلية الصربية- جميع المناصب الرسمية، وتولي شخصية جديدة رئاسة البلدية، وشروع الحكومة بإغلاق المؤسسات الصربية الموازية في الشمال.
وقال بيرزاتي، في حديث للجزيرة نت، إن السياسيين الصرب يحاولون "تصوير حقوق الأقلية الصربية على أنها في خطر، ويطالبون سلطات كوسوفو بالتنفيذ الكامل للاتفاقيات مع صربيا وخاصة تشكيل رابطة البلديات ذات الأغلبية الصربية".
ولذلك أكدت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن "تصرفات حكومة كوسوفو غالبا ما تكون أحادية الجانب ومزعزعة للاستقرار، "على الرغم من أن كل ما تنفذه حكومة كوسوفو مُوقع منذ زمن طويل في اتفاقيتي بروكسل وأوهريد (اتفاق مسار التطبيع بين كوسوفو وصربيا) بحسب بيرزاتي.
واعتبر المتحدث أن قرار واشنطن تعليق الحوار الإستراتيجي جاء نتيجة محاولات حكومة كوسوفو المتكررة منع "القائمة الصربية" من الترشح في الانتخابات المركزية الأخيرة، والانتخابات المحلية المقبلة في 12 أكتوبر/تشرين الأول الحالي.
وأوضح أن حكومة كورتي "تجادل بأن هذا الحزب يخضع لسيطرة صربيا المباشرة، ويتصرف بما يخالف دستور كوسوفو، ويعمل على تقويض وحدة أراضي الجمهورية".
وفي الوقت نفسه، تصرّ "القائمة الصربية" على أن كوسوفو ليست دولة بل جزء من صربيا، ولم ينأَ بنفسه علنا -بحسب تعبير بيرزاتي- عن الهجوم الإرهابي في بانيسكا، الذي أعلن ميلان رادويتشيتش، نائب رئيس "القائمة الصربية" آنذاك، مسؤوليته عنه.
يذكر أنه في 24 سبتمبر/أيلول 2023 قتلت مجموعة من الصرب المسلحين والمقنعين شرطيا كوسوفيا وأصابت اثنين آخرين، عندما نصبت كمينا لدورية شرطة كوسوفو في قرية بانيسكا بالقرب من الحدود بين صربيا وكوسوفو.
ترى رجبي أن السيناريو الأول لانتهاء هذه الأزمة يكمن في استقرار سريع من خلال إجراءات مباشرة، وعودة الحوار كأولوية لتطبيع العلاقات بين الصرب والألبان، فور انتهاء الانتخابات المحلية المقبلة.
وتحذّر من السيناريو الآخر المتمثل بتجميد طويل الأمد بعواقبه المتفاقمة، مما يخلق سيناريو سلبيا يتمثل في عزلة أعمق وتأجيج التوترات العرقية والكراهية بين الناس، معتبرة أن عدم حدوث تغييرات سريعة "بمثابة خطر كبير" على الدولة المستقلة منذ 17 عاما.
بينما يرجّح بيرزاتي السيناريو الأكثر تفاؤلا، ويتوقع أن تقدّم كوسوفو بعض التنازلات تجاه الصرب، وتستأنف الحوار مع واشنطن وبروكسل عقب انتهاء الانتخابات المحلية وتشكيل حكومة جديدة.