آخر الأخبار

صراع الخرائط الانتخابية ينذر بمعركة حامية في الولايات المتحدة

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

واشنطن- تدور في الولايات المتحدة معركة سياسية محتدمة بين الحزبين الجمهوري و الديمقراطي ، انطلقت شرارتها من ولاية تكساس ، وسط توقعات بامتدادها إلى ولايات أخرى، مع سعي كل طرف لإعادة رسم الدوائر الانتخابية بما يعزز فرصه في الانتخابات النصفية عام 2026، والرئاسية المقررة في 2028.

ويُعزى هذا الصراع بين الحزبين إلى ظاهرة سياسية أميركية تُعرف بـ"إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية"(Gerrymandering)، وهي ممارسة تعود جذورها إلى بدايات تشكل الأمة الأميركية عقب الاستقلال عن بريطانيا عام 1776.

ويرتبط ذلك المصطلح تاريخيا بحاكم ولاية ماساتشوستس، إلبريدج جيري الذي وقع عام 1812 مشروع قانون لإعادة ترسيم دوائر مجلس الشيوخ في الولاية بشكل يعبد الطريق أمام فوز مرشح الحزب الديمقراطي في الانتخابات.

وترسخت تلك الظاهرة بالممارسة والتشريع وأصبحت تقليدا يتم تفعيله مرة كل 10 سنوات بعد التعداد السكاني حيث يعاد ترسيم حدود الدوائر والخرائط الانتخابية داخل كل ولاية بشكل يعكس التغيرات السكانية بما يمثل المجتمعات بشكل عادل في الانتخابات على المستوى الفدرالي والولايات ومحليا، وحتى على مستوى مجالس المدارس.

لكن تلك الممارسة تحولت أحيانا لما يشبه تلاعبا سياسيا تمارسه الجهة الحاكمة في الولاية لإعادة ترسيم الدوائر الانتخابية للتحكم في توزيع الناخبين بما يخدم طموحات السياسيين في عملية تقلب منطق الانتخابات، من ناخبين يختارون منتخبين، إلى سياسيين يقررون من يصوت لصالحهم.

وعلى مر العقود، انحرفت تلك الممارسة تدريجيا عن هدفها الأصلي (ضمان التمثيل العادل للسكان) وأصبحت بمنزلة مناورة سياسية يستعمل فيها كل حزب سلطاته لفرض توزيع الكتل الانتخابية بما يعزز مواقعه ويضعف مواقع خصمه.

معركة تكساس

تعتبر ولاية تكساس حاليا هي الساحة الأبرز لتلك اللعبة السياسية في ظل هيمنة الجمهوريين على مفاصل السلطة في الولاية تنفيذيا (حاكم الولاية) وتشريعيا (مجلسا النواب والشيوخ) إذ يحاولون، بدعم من الرئيس الجمهوري دونالد ترامب ، إعادة ترسيم الدوائر الانتخابية بعد مرور 5 سنوات فقط على التعداد السكاني.

إعلان

ويسعى الجمهوريون في تكساس، -ثاني أكبر ولاية من حيث عدد السكان والمساحة-، من خلال إعادة تصميم الدوائر الانتخابية لتقوية شوكة الحزب في الكونغرس وذلك بإلغاء أو تقليص 5 مقاعد يشغلها حاليا نواب ديمقراطيون.

وتبرز أهمية تكساس في هذا الصراع السياسي لكونها تمتلك 38 مقعدا في مجلس النواب الأميركي، مما يجعل أي تعديل في طريقة توزيع هذه المقاعد قادرا على إحداث تأثير مباشر في ميزان القوى بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي على المستوى الوطني.

ولا يزال الصراع محتدما في تكساس لاعتماد الخريطة الانتخابية التي يريدها الجمهوريون، إذ يسعى الأعضاء الديمقراطيون في مجلس النواب في الولاية بكل الوسائل لعدم حضور جلسة التصويت على تلك الخريطة، بينما يحاول حاكم الولاية الجمهوري غريغ أبوت استعمال كل صلاحياته لتمرير الخريطة الجديدة.

وتعليقا على الصراع المحموم بتكساس لإعادة رسم الخرائط الانتخابية، قال مركز برينان للعدالة، -وهو معهد قانوني وسياسي غير حزبي يسعى لدعم قيم الديمقراطية-، إن ذلك يشكل تهديدا سياسيا أكبر من أي وقت مضى، ووصف تلك الممارسة عموما بأنها شوكة في خاصرة الديمقراطية الأميركية لعدة قرون.

وتعتبر مناورات الخرائط الانتخابية الجارية منذ عام 2020 هي الأولى بعد أن صدر قرار عن المحكمة العليا عام 2019 يقضي بعدم جواز الطعن في الخرائط المتلاعب بها أمام المحاكم الفدرالية، وهو ما فتح الباب على مصراعيه للتلاعب بالدوائر الانتخابية في أماكن عديدة، وربما يكون الأسوأ لم يأت بعد، -وفق توقعات مركز برينان.

وبعد التعداد السكاني لعام 2020، سيطر الجمهوريون على عملية إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية في عدد أكبر من الولايات مقارنة بالديمقراطيين، واستغلوا هذه الميزة لأقصى الحدود، -بحسب تقييم مركز برينان.

مصدر الصورة الأقليات في أميركا مستهدفة بشكل أساسي في هندسة الخرائط الانتخابية (وكالة الأناضول)

معركة وطنية

وينذر الصراع الجاري على الخرائط الانتخابية في تكساس بمعركة وطنية حامية الوطيس في ولايات أخرى ذات وزن سياسي كبير بالنظر إلى عدد سكانها أو طبيعة التوجه السياسي السائد فيها وذلك قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في عام 2016، والانتخابات الرئاسية عام 2028.

وعلى غرار تكساس، تتجه ولايات جمهورية أخرى إلى سيناريو مماثل، إذ لوح الحاكم الجمهوري لولاية فلوريدا -28 مقعدا بمجلس النواب-، رون ديسانتيس لاحتمال إعادة تقسيم الدوائر قبل موعد 2030، معتبرا أن التوزيع الحالي للخرائط الانتخابية في الولاية "غير عادل".

ولم يقف الساسة الديمقراطيون مكتوفي الأيدي أمام هذا التصعيد، وقال عدد من حكام الولايات الديمقراطية إنهم يفكرون في الرد على ما يجري في تكساس، ووعد حاكم كاليفورنيا (52 مقعدا بمجلس النواب) غافين نيوسوم بطرح خريطة انتخابية جديدة خلال الأشهر المقبلة، في جين قالت حاكمة نيويورك كاثي هوكول إنها تفكر في إعادة رسم الدوائر الانتخابية في الولاية.

ويرى مركز برينان للعدالة أن تقسيم الخرائط الانتخابية بطريقة غير عادلة يخل بروح الانتخابات، ويفرز خرائط مشوهة وغير تمثيلية، حيث تكون النتائج الانتخابية مضمونة تقريبا، وفي الحالات القصوى، قد يتمكن الحزب الذي يرسم الخرائط من الفوز بأغلبية المقاعد حتى لو لم يحصل إلا على أقلية من الأصوات.

أقليات وانقسام

وعادة ما يتأثر كل الناخبين الأميركيين بنتائج التلاعب بالدوائر الانتخابية، لكن الناخبين من المجتمعات الملونة يتحملون عبئا أكبر إذ غالبا ما تكون الأقليات مستهدفة بشكل أساسي في هندسة الخرائط الانتخابية وخاصة في الولايات الجنوبية حيث يُمثل الديمقراطيون البيض نسبة ضئيلة نسبيا من الكتلة الناخبة.

إعلان

وحذرت صحيفة وول ستريت، -ذات التوجه المحافظ- من تداعيات تلك الممارسات الانتخابية وقالت إنها تتسبب في تآكل هوية أميركا كأمة موحدة، إذ أصبحت الولايات التي يقودها الجمهوريون والديمقراطيون عبارة عن دوائر منفصلة، لكل منها سياساتها الخاصة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

وفي مقال عن الموضوع، يقول آرون زيتنر، المتخصص في شؤون الانتخابات والديمغرافيا، إن الصراع المرير حول إعادة رسم الخرائط الانتخابية، والذي أشعله الرئيس ترامب لحماية أغلبية حزبه في انتخابات عام 2026، خير مثال على كيفية سعي الحزب المهيمن في العديد من الولايات لفرض إرادته.

وينطبق هذا التوصيف، وفق زيتنر، على 40 ولاية أميركية يسيطر فيها حزب واحد على كافة السلطات (مجلس النواب ومجلس الشيوخ ومنصب الحاكم)، وهو ما يعني هيمنته الواسعة على السياسات العامة هناك بما في ذلك التحكم في الخرائط الانتخابية.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا