توزيع خيم لمهجّرين من السويداء في بلدة معربة شرقي درعا.
أفاد مراسل درعا 24 بأنه جرى اليوم توزيع خيم لمهجّرين من محافظة السويداء في بلدة معربة بريف درعا الشرقي، وذلك بهدف إخلاء مدارس البلدة بعد بدء العام الدراسي.
أضاف المراسل بأن بعض المهجّرين انتقلوا للسكن في منازل متوفرة بقرية… pic.twitter.com/lX0eqWjDvv
— Daraa 24 – 24 درعا (@Daraa24_24) September 20, 2025
الجزيرة نت- مع بداية العام الدراسي في سبتمبر/أيلول الجاري، يواجه أطفال السويداء و درعا (جنوب سوريا )، مشكلة الالتحاق بالمدارس، التي تحول جزء كبير منها إلى "مراكز إيواء" ومخيمات، نتيجة حركة النزوح الداخلي بعد أحداث السويداء التي وقعت في منتصف يوليو/تموز 2025، وأدت إلى نزوح الآلاف متنقلين بين المحافظات الجنوبية في سوريا.
وأدت حركة النزوح الأخيرة، التي وقعت نتيجة الاقتتال الداخلي الذي وقع بين العشائر البدوية و المجتمعات الدرزية ، إلى وجود ما يقرب من 190 ألف نازح، وفق تقديرات الأمم المتحدة .
ويقول رئيس الهيئة الإنسانية الدكتور محمد الجندلي للجزيرة نت "عقب الأحداث نزح عدد كبير من أهالي السويداء إلى ريف درعا ومناطق مجاورة. وسيكون أطفال هؤلاء النازحين عبئا إضافيا على مدارس درعا، وهي بالأساس متضررة بشكل واسع وتحتاج إلى إعادة بناء أو ترميم. لذلك نخشى أن يُحرم هؤلاء الأطفال من التعليم هذا العام، في ظل تراجع التمويل الأممي وضعف الدعم المخصص لهذا القطاع".
وتواجه سوريا أزمة مركبة، حيث يُقدّر عدد النازحين داخليا بنحو 6 ملايين شخص، من بين هؤلاء حوالي مليون ونصف المليون نازح ما زالوا يعيشون في بيئات خيامية، خصوصا في مناطق شمال غرب وشمال شرق البلاد.
وقبل أيام، أعلنت سوريا والأردن والولايات المتحدة "خارطة طريق" لحل سياسي في السويداء، تتضمن 13 بندا رئيسيا، من بينها الدعوة لإجراء تحقيق عاجل ومحاسبة جميع مرتكبي الانتهاكات، كما تنص على سحب المقاتلين المدنيين من حدود المحافظة ونشر قوات شرطة مؤهلة، ودعم جهود الصليب الأحمر في الإفراج عن المحتجزين وتسريع عمليات التبادل.
تقول الباحثة في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية حلا الحاج علي للجزيرة نت إن "حركات النزوح الأخيرة التي شهدتها محافظة السويداء باتجاه محافظة درعا، أدت إلى إنشاء نحو 360 مركزا مؤقتا داخل المدارس، وحتى أواخر يوليو/تموز 2025، بلغ عدد النازحين في درعا نحو 25 ألف شخص، مع قابلية هذا الرقم للزيادة، إذ إن بعض النازحين كانوا أصلا في درعا قادمين من مناطق سورية أخرى".
وتوضح أن استخدام المدارس كملاجئ كان حلا اضطراريا، لكنه أدى إلى أزمة مزدوجة فالأطفال حُرموا من التعليم، والمدارس التي صمدت تحولت إلى عبء إضافي، إذ يستحيل أن تعمل كمدرسة وكمأوى في آن واحد.
ووفق الأمم المتحدة، فإن نحو 40% من المدارس السورية خارج الخدمة منذ سنوات الحرب، مما يحرم أكثر من 2.5 مليون طفل من التعليم.
ويضيف تقريرها الأخير أن سوريا تضم 7 ملايين نازح داخليا. هذه الأرقام تبدو أكثر قتامة في الجنوب، حيث النزوح الواسع في السويداء فاقم الضغط على مدارس درعا وريفها المتضررة أصلا.
السيناريو المطروح حاليا هو إنشاء مخيمات مؤقتة لنقل النازحين إليها، بحسب عمران، لكن هذه الفكرة تثير مخاوف واسعة، إذ يُخشى أن تتحول هذه المخيمات المؤقتة إلى دائمة، كما حدث في شمال سوريا منذ عام 2012، حيث لا يزال كثير من المخيمات قائمة حتى اليوم.
وتتساءل، أي نموذج تعليمي سيتم اعتماده؟ هل هو التعليم الطارئ (دمج صفوف، مواد أساسية فقط) أم منهاج الحكومة السورية الكامل الذي يضمن عدالة أكبر بين الطلاب؟ الخبرة السابقة أثبتت أن التعليم الطارئ، رغم ضرورته في المراحل الأولى، لا يحقق جودة تعليمية كافية على المدى الطويل.
مازالت مدارس درعا تؤوي نازحين من عشائر السويداء.. مع بداية العام الدراسي ماهي الحلول المطروحة؟ مزيد من التفاصيل مع مالك أبو عبيدة.. pic.twitter.com/FpYLSRuCCW
— SyriaNow – سوريا الآن (@AJSyriaNow) September 15, 2025
من جانبه، يقول الدكتور محمد الجندلي إن ملف التعليم في سوريا اليوم من أعقد الملفات وأكثرها صعوبة، مؤكدا أن أعداد الطلاب الذين لا يستطيعون الالتحاق بالتعليم النظامي كبيرة جدا، ولا توجد حتى الآن إحصائيات دقيقة توثق حجم هذه الفجوة.
ويضيف الجندلي، الذي ذكر أن المشكلة الأكبر هي أن الاهتمام الدولي بالتعليم في سوريا تراجع بشدة، أن المنظمات الأممية لا تموّل سوى ربع أو ثلث الاحتياجات تقريبا، مؤكدا أن العقبة الأساسية تبقى نقص التمويل.
أما الحكومة السورية الجديدة فهي تحاول بذل جهود جبارة، لكن الواقع أنها استلمت بلدا بلا إمكانات مالية حقيقية، ولا قدرة على ترميم المدارس أو حتى دفع رواتب المعلمين، بحسب الجندلي.
لا يقف الأمر عند هذا الحد، كما يقول الجندلي "فهناك مشكلة إضافية لا يتحدث عنها كثيرون، وهي عودة المهاجرين السوريين من تركيا وأوروبا وبعض الدول، هؤلاء يعودون مع أولادهم الذين واجهوا صعوبات في اللغة والمنهاج، المنظمات تحاول مساعدتهم عبر صفوف تقوية في العطل أو خارج أوقات الدوام، خصوصا لتعويض فقدان اللغة العربية ".
من جانبه، يرى الباحث في المركز العربي لدراسات سوريا المعاصرة سمير العبد الله أن الحكومة الانتقالية ما زالت تنظر إلى الأزمة كحدث عابر، مضيفا "تأخرت السلطات في صياغة بدائل مرحلية فعالة، وبقي عشرات الآلاف في المدارس التي يفترض أن تعود للطلاب مع بداية العام، والآن نحن أمام معضلة ذات وجهين إما فتح المدارس للتلاميذ على حساب النازحين، أو إبقاؤها مغلقة وتحويلها لملاجئ دائمة، وهو ما يحرم الأطفال من حق أساسي".
وحتى لو امتلكت الحكومة الإرادة السياسية لمعالجة الملف بسرعة، فإنها تصطدم بمحدودية إمكاناتها المادية واللوجيستية، كما يقول العبد الله، فهي لا تملك الموارد الكافية لإعادة تأهيل المدارس المتضررة أو إنشاء بدائل مؤقتة في وقت قصير، كما أن أزمة النزوح في شمال سورية لا تزال مفتوحة، الأمر الذي يشتت الاهتمام ويجعل أي استجابة في السويداء قاصرة وناقصة.
ويقول العبد الله، للجزيرة نت، إن الحل الواقعي يكمن في الخروج من منطق الانتظار ورد الفعل إلى منطق المبادرة والاستباق، مؤكدا أنه يمكن للحكومة الانتقالية أن تتحرك عبر حزمة إجراءات عملية تشمل تخصيص مبانٍ حكومية أو عامة غير مستخدمة وتحويلها إلى مراكز إيواء، وإنشاء مراكز إيواء بديلة ولو بوسائل بسيطة، إضافة إلى إقامة مدارس مؤقتة أو متنقلة لتخفيف الضغط على المباني المدرسية القائمة، مؤكدا أن هذه الإجراءات يبقى نجاحها مشروطا بوجود دعم دولي فاعل.
ويضيف أن استمرارية التعليم وتوفير بيئة آمنة للأطفال يجب أن تكون جزءا أساسيا من خطة الاستجابة الإنسانية، لا مجرد بند ثانوي، خاصة أن أرقام التسرب المدرسي في سوريا تفوق 4 ملايين طفل، وهو رقم صادم يعكس خطورة المأساة التعليمية التي ترافق النزوح المستمر منذ أكثر من عقد.