كما أنقذ نوح (عليه السلام) البشر من الطوفان، فإن جماعة من أصحاب الضمير في هذا العالم صنعوا سفنا وأطلقوا عليها اسم "أسطول الصمود"…
أبحروا في المتوسط، واحدا تلو الآخر.
على متن تلك السفن أناس من كل جنس، وكل لون، وكل لغة، وكل دين ومذهب وثقافة. وكما حملت سفينة نوح نماذج من كل نوع، ها هي سفن هذا العصر تختار أبناء الإنسان من كل صنف.
هؤلاء هم أشجع الناس، أنقاهم ضميرا، وأكثرهم فداء. ركبوا السفن لا من أجل السياسة، ولا من أجل دين، أو مذهب، أو عرق، أو لغة، أو مال، أو ملك، بل لأنهم تجسيد للضمير الإنساني. ملؤوا أشرعتهم بأنفاس قلوبهم.
أنزلوا سفنهم في مياه المتوسط، حيث غرق مئات اللاجئين هربا من الحرب، والمنفى، والتعذيب.
تمر الآن في البحر المتوسط سفن ترفع علم فلسطين، وتحمل إرادة من فولاذ، وعيونا دامعة، وقلوبا مؤمنة، مصممة، وجريئة. تمردهم على الظلم يلمع على صدورهم كالوسام.
انهضوا أيها الساكنون على ضفاف المتوسط، وحيّوا أسطول هؤلاء الناس ذوي الضمير.
في زمن تعصف فيه الأرض بطوفان الفتنة، الطوفان الصهيوني، وتُسوّى فيه غزة بكل القيم الأخلاقية الإنسانية، ها هي سفن نوح تبحر.
من جنوب أفريقيا جاء أصحاب البشرة السوداء، ومن المغرب جاء السُمر، ومن أوروبا البيض، ومن آسيا ضيّقو العيون، ورفع كل واحد منهم رايته على صاري السفينة.
لم ينطلقوا لإنقاذ غزة، بل لإنقاذنا نحن..
لأن غزة هي الأرض الأكثر حرية في العالم،
ولأن الفلسطينيين من الشعوب التي لم تستطع قوى العالم استعبادها،
ولأن الغزيين أكثر الشعوب جرأة في تحدي الصهيونية،
ولأن فلسطين ليست مجرد أرض، بل فكرة لا يمكن تدميرها،
ولأن في فلسطين الإرادة الحقيقية، والأخلاق الحقيقية، والضمير الحقيقي، والمقاومة الحقة…
هؤلاء سينقذون العالم، لا غزة وحدها.
لأن العقول قد استُعبدت،
ولأن الإرادات قد سُجنت،
ولأن الصهيونية قد أسرَت دولا،
ولأن الأنظمة الفاسدة أصبحت دمى في يد الصهيونية،
ولأن البشر أصيبوا بالعمى فلم يعودوا يحتجون على موت الأطفال…
ولأن الضمير، والرحمة، والإنسانية، والأخلاق، والحب، قد سقطت نحو الموت…
لهذا خرج أحرار سفينة نوح، لا لإنقاذ غزة، بل لإنقاذ إنسانية تموت، ضمير يحتضر، وأخلاق تلفظ أنفاسها الأخيرة.
وسوف يصرخون من أعماق المتوسط نحو العالم:
"لا، لن تُباد الإنسانية في طوفان الصهيونية،
لا، الضمير لم يمت بعد، ها هو حيّ في صدورنا، يتوهج كالنار،
لا، لن تقتلوا الأطفال جوعا، نساؤنا سيُرضعنهم من حليبهن،
لا، في كل أمة، في كل بلد، في كل دين، في كل مذهب، هناك شرفاء، لم يخضعوا للشر، وهم هنا.
لا، لم تمت الأخوّة… انظروا كيف نحتضن بعضنا، دون أن نسأل عن الدين أو العرق أو الوطن،
لا، دباباتكم وطائراتكم وصواريخكم ليست أقوى من سفننا التي امتلأت أشرعتها بنسيم الحرية،
لا، أموالكم وذهبكم ومجوهراتكم لا تساوي دمعة في عين من بكى لطفل لا يعرفه…
نحن قادمون، وسنصنع موجة ضمير لا يمكنكم إيقافها في المتوسط.
أنفاسنا الحرة ستكسر حصاركم، وتطلق الريح.
وسنغرس أعلام فلسطين التي ترتفع من المتوسط لا في أرض غزة فقط، بل في قلوب العالم كله.
وسيصير كل مكان فلسطين، وكل إنسان شجاع فلسطينيا ذات يوم…"
إن هؤلاء المحاربين الشجعان على متن سفينة نوح سيُنهضون إنسانيتنا الجريحة من جديد. سيُثبتون لنا أن بالإمكان بناء نظام جديد في وجه النظام العالمي الفاسد والمتعفن.
سوف يُظهرون للعالم أن مياه المتوسط ليست مياه حرب، بل حضارة عريقة، وأمل للإنسانية…
انهضوا وحيّوا سفن الضمير التي تمرّ من المتوسط.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.