في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
باريس- في العاصمة القطرية -التي احتضنت جولات التفاوض منذ بدء العدوان على غزة- نفّذت إسرائيل محاولة اغتيال ضد قادة حركة حماس ، متجاوزة بذلك كل الأعراف الدبلوماسية والقانونية.
وما تم الترتيب له من قبل دولة الاحتلال محاولة واضحة لإعادة تعريف حدود الاشتباك، حتى لو تطلب الأمر اختراق سيادة دولة تلعب دور الوسيط والموازن في خطوط التهدئة والإنقاذ الإقليمي.
ولعل الأخطر من كل ذلك أن محاولة الاغتيال "الفاشلة" وإن طالت جهة بعينها، إلا أنها هدفت إلى انتهاك القانون الدولي وإرباك المنطقة بأكملها من خلال اختبار ردود الأفعال وفرض سقف جديد للتسويات المقبلة، وربما إغراق مسار الاعتراف الدولي ب فلسطين في دهاليز السياسة وأشواك الشروط المعقدة.
قطر ، الدولة الصغيرة جغرافيا، أثبتت أثرها الكبير، لطالما لعبت دور الوسيط بين الأطراف المتنازعة. لكن وقوع عملية عسكرية مشتركة للجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن الداخلي ( الشاباك ) على أراضيها، اليوم (أمس) الثلاثاء، تخطى كل الخطوط الحمراء.
ووصفت الخارجية القطرية -في بيان- هجوم إسرائيل بـ"الجبان" وبـ"الاعتداء الإجرامي" الذي استهدف مقرات سكنية لعدد من أعضاء المكتب السياسي لحماس بالدوحة.
وجاء في بيان الوزارة أن ما حدث يعد انتهاكا لكافة القوانين الدولية وتهديدا خطيرا لأمن وسلامة القطريين والمقيمين، مؤكدا أن دولة قطر "لن تتهاون مع هذا السلوك الإسرائيلي المتهور" أو "أي عمل يستهدف أمنها وسيادتها".
وتعليقا على ذلك، قال البروفيسور في المعهد العالي للدراسات الدولية والتنموية في جنيف ريكاردو بوكو "في البداية، استغربت من جرأة إسرائيل في تنفيذ هجومها على حماس داخل قطر دون موافقة البيت الأبيض، خاصة مع وجود قاعدة عسكرية أميركية هناك، لكن هذا الاستغراب تبخر بعد تأكيد خبر مباركة الأميركيين لمحاولات الاغتيال".
وأضاف بوكو للجزيرة نت "كثيرا ما ارتكبت إسرائيل عمليات اغتيال خارج نطاق القانون في العديد من الدول، بما في ذلك أوروبا، لذا لا يُعتبر ما حدث سابقة في تاريخها الحافل بالاغتيالات".
وقال "عادة ما ارتبطت اغتيالات إسرائيل بالميدان مباشرة، لكن إدخالها دولا جديدة ضمن بنك الأهداف وخارطة التصفيات يعني أن الحسابات تغيرت وفق ما تقتضيه مصالحها، ضاربة بعرض الحائط أي حدود دبلوماسية أو حصانات سياسية".
والدوحة، بسياساتها المتوازنة، لم تكن هدفا مباشرا على الإطلاق، لكن استهداف قادة حماس على أرضها يزيد من ضبابية المشهد بشأن استمرارية جهود تفعيل مسارات التفاوض وتثبيت التهدئة في قطاع غزة، فهل جاء هذا الهجوم لضرب جسر يربط الميدان بالحل السياسي، أم أنه تحذير مُبطن مفاده أن ملف غزة لن يُدار بالكلمات فقط؟
ويقول السفير الفرنسي السابق في قطر ثم في السعودية برتراند بيزانسينو "قام ترامب في زيارته الأخيرة لدول الخليج بإبرام عدة اتفاقيات تعاون وسارت الأمور على ما يرام آنذاك، ثم تحدث عن خطة لحل أزمة غزة، واليوم يطلق الإسرائيليون صواريخ على المفاوضين دون أي اعتراض منه، مما يجعل سياسته غير مفهومة وغير مطمئنة".
وأضاف بيزانسينو للجزيرة نت "قطر التي بذلت جهودا حثيثة لحل قضية الرهائن، يأتي هذا الهجوم ليشكرها بشكل سيء وبموافقة ضمنية من ترامب، لذا هناك عدة أسباب للشعور بالخداع وسيترك ذلك أثرا حقيقيا على تقييم قادة الخليج الذين سيدركون أنه ربما لا ينبغي الاعتماد كثيرا على التزامات ترامب".
ويعتبر السفير السابق أن اللافت للنظر في هذه القضية أن "قطر ليست صديقة ل فرنسا فحسب، بل هي أيضا حليفة للولايات المتحدة . وبالتالي، فإن مهاجمة المفاوضين على الأراضي القطرية تعد بلا شك تصرفا مقلقا للغاية".
كما أشار إلى عملية إطلاق النار داخل محطة حافلات مركزية شمال القدس المحتلة، يوم الاثنين، قائلا "يواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية – اندفاعه المتهور بعد تأكيده منذ البداية رغبته في القضاء على حماس تماما. وهكذا انتهز الفرصة وجعل من الهجوم في القدس شرارة للانتقام الذي كان مُخططا له بشكل مسبق".
ومن منظور قانوني، أكد عبد المجيد مراري، مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة "أفدي" الدولية، انتهاك إسرائيل للقانون الدولي خاصة المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة التي تمنع الاعتداء على سيادة الدول إذا لم يكن هناك أي صراع او نزاع مسلح بين الأطراف.
ومن حيث القانون الجنائي الدولي، أكد مراري للجزيرة نت أن اعتداء إسرائيل على الأراضي القطرية يمثل تدخلا غير مبرر في سيادة دولة محايدة، وجريمة عدوان بحسب المادة الثامنة مكرر من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
ووصف مراري الهجوم الإسرائيلي بـ"السقوط الأخلاقي" الذي سيزيد من تأزيم وضع إسرائيل ويفاقم من عزلتها على المستوى الدولي، وسيشجع الدول الأوروبية على اتخاذ مواقف حاسمة والمضي قدما نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية وحتى تسريع الخطى في إصدار عقوبات ضد الاحتلال.
وأضاف الخبير في القانون الدولي أنه ينبغي على دولة قطر تقديم شكوى إلى مجلس الأمن تطلب من خلالها إحالة هذه الجريمة إلى الجنائية الدولية، ولأن قطر ليست عضوا في المحكمة فـ"سيكون مدخلها للقضاء الدولي عبر مجلس الأمن".
وعند سؤاله عما إذا كان الهجوم سيؤثر سلبا على المفاوضات، قال البروفيسور بوكو "يبدو أنهم وصلوا إلى طريق مسدود، والرسالة التي نجحت إسرائيل في إيصالها هي: نستطيع استهداف الأعداء في كل مكان وسنكمل خطة احتلالنا لغزة ولا نكترث بالقانون الدولي".
وأضاف "يعيدني منح الولايات المتحدة الضوء الأخضر لعملية كهذه إلى ما حدث قبل نحو أسبوعين عندما قدم جاريد كوشنر (صهر الرئيس الأميركي ومستشاره فترة ولايته الأولى) خطة الاستيلاء على غزة للمضي قدما وتحقيق ذلك على أرض الواقع".
وقد ذكرت مصادر أن لقاء جمع ترامب مع كوشنر ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير في البيت الأبيض لمناقشة ملف غزة ما بعد الحرب وكيفية حكمها من دون وجود حماس في السلطة.
ومن جهته، أوضح المتخصص في شؤون الشرق الأوسط بيزانسينو أن الرسالة التي سعى نتنياهو في إيصالها -من خلال مهاجمة المفاوضات أثناء سيرها- أنه لا يريد المفاوضات لأنه يعتبر نفسه في مرحلة المواجهة.
#عاجل | ترمب: الهجوم على قطر قرار اتخذه نتنياهو وليس قرارا اتخذته أنا
- الهجوم الإسرائيلي الأحادي على #قطر لا يحقق مصالح إسرائيل ولا الولايات المتحدة pic.twitter.com/ni47ZuJ2T5— قناة الجزيرة (@AJArabic) September 9, 2025
ويعتقد السفير الفرنسي السابق أن المبادرة الفرنسية السعودية هي الاحتمال الوحيد للسلام، مضيفا "ترفض دول الخليج النفوذ الإيراني، لكنها لا تريد أن تجد نفسها تحت إمبريالية جديدة ستكون هذه المرة إسرائيلية".
وأضاف "كما أن سماح ترامب بأن يتلاعب به نتنياهو أمر مقلق للغاية وينبئ بتوجه المنطقة نحو مرحلة من عدم الاستقرار والاصطدام الدائم".
ويبدو أن السؤال المطروح اليوم ليس عن العملية بحد ذاتها ـخاصة بعد فشلهاـ بل عن سقف الجرأة الإسرائيلية بالمرحلة المقبلة، فإن تجرأت على استهداف دولة وسيطة في عملية التفاوض، فماذا عن باقي الدول؟ وبالتالي، قد يصبح ما حدث بالدوحة نقطة تحول ستُقاس بأثرها الإستراتيجي طويل المدى على المنطقة بأكملها.