أطلقت الشرطة في تركيا رذاذ الفلفل واعتقلت عدداً من أنصار حزب الشعب الجمهوري، حزب المعارضة الرئيسي في البلاد، أثناء تجمع متظاهرين أمام مقر الحزب في إسطنبول للحيلولة دون تنفيذ قرار قضائي صدر الأسبوع الماضي يقضي باستبدال مسؤول بارز في الحزب.
وشكل المئات من عناصر شرطة مكافحة الشغب طوقاً أمنياً حول المبنى، واندلعت اشتباكات بينهم وبين مجموعة من المحتجين من أنصار الحزب، من بينهم نواب في البرلمان. كما وُضعت حواجز أمنية حول المبنى كان المتظاهرون يحاولون إزالتها قبيل الاشتباكات.
وذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أن قوات الأمن اشتبكت مع حوالي 200 متظاهر، كانوا يعتصمون أمام مقر الحزب في إسطنبول خلف الحواجز الأمنية منذ الليلة الماضية.
وأضافت أن الشرطة اعتقلت ما يتراوح بين 10 و20 شخصاً ممن شاركوا في الاحتجاجات، وذلك أثناء محاولة الشرطة إفساح الطريق أمام الرئيس الجديد الذي عينته المحكمة للحزب.
واُعتقل رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، الخصم السياسي الأبرز للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في مارس/ آذار الماضي، وهو ما يمثل شرارة انطلاق المظاهرات من قبل أنصار الحزب.
ودعا حزب الشعب الجمهوري المواطنين وسكان إسطنبول إلى التجمع الأحد الماضي، وذلك بعد أن أقامت الشرطة حواجز في محيط المقر الرئيسي للحزب في المدينة، في خطوة وصفها زعيم الحزب بأنها "حصار".
ونفى حزب الشعب الجمهوري جميع الاتهامات الموجهة إليه، في إطار الحملة القانونية والأمنية التي يتعرض لها منذ أوائل هذا العام، مؤكداً أن الإجراءات القانونية ضده ما هي إلا "محاولات مسيّسة تهدف إلى القضاء على التهديدات الانتخابية للرئيس أردوغان وإضعاف المعارضة".
وبدأت أحدث التحركات ضد الحزب الثلاثاء الماضي عندما أمرت محكمة تركية بعزل رئيس الحزب في محافظة إسطنبول، بسبب مزاعم بوجود مخالفات خلال مؤتمر الحزب في 2023.
وفي فعالية للحزب في إسطنبول، دعا رئيس الحزب أوزغور أوزَل المواطنين إلى التظاهر رفضاً لقرار المحكمة والحملة المستمرة ضد حزبه، وكذلك احتجاجاً على الإجراءات الأمنية التي شملت إقامة حواجز حول مقر الحزب ومنع الوصول إليه.
وقال أوزَل: "من هنا، أدعو جميع الديمقراطيين وأعضاء حزب الشعب الجمهوري الذين تصلهم كلماتي وصوتي، إلى حماية بيت أتاتورك في إسطنبول"، في إشارة إلى مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس تركيا الحديثة.
كما دعا شباب الحزب جميع سكان إسطنبول إلى التجمع أمام مقر الحزب وتنظيم مظاهرات، من بينها الاحتجاجات التي خرجت الاثنين في الساعة 07:00 صباحاً بتوقيت غرينتش.
وأمرت المحكمة بعزل أوزغور جيليك وتعيين غورسل تكين، النائب السابق لرئيس حزب الشعب الجمهوري.
ووصل تكين إلى مقر الحزب يوم الاثنين لتولي المنصب، وتمكن من دخول المبنى بعد مواجهة طويلة مع أعضاء الحزب الموجودين داخله.
وأكد الرئيس الجديد للصحفيين أنه لا يعمل لصالح الدولة، متعهداً بالمساعدة في حل المشكلات القانونية التي يواجهها الحزب.
ويزعم الحزب أن هذه الخطوات القانونية تهدف إلى القضاء على التهديدات السياسية التي يواجهها الرئيس التركي أردوغان من قبل المنافسين له في الانتخابات من حزب المعارضة الرئيسي.
كما يقول أنصار الحزب إن أردوغان يسعى إلى إضعاف المعارضة بشكل عام، وهو ما تنفيه الحكومة.
ووصف زعيم الحزب الوطني، أوزغور أوزَل، هذا القرار بأنه "باطل ولا يُعتد به"، مؤكداً أن تكين قد طُرد من الحزب. من جانبه، صرح جيليك بأنه لن يتخلى عن منصبه لأي أحد.
وذكرت وكالة أنباء رويترز أن أبرز مواقع التواصل الاجتماعي تعرضت لحجب جزئي في تركيا الاثنين، في خطوة سبق أن اتخذتها السلطات خلال فترات الاضطرابات السياسية الماضية.
ونقلت عن منظمة "نيتبلوكس"، المتخصصة في مراقبة الإنترنت عالمياً، بأن إمكانية الوصول إلى منصات مثل إكس ويوتيوب وإنستغرام وفيسبوك وتيك توك وواتساب قد تراجعت بشكل كبير في تركيا.
من جانبه، قال وزير الداخلية، علي يرليكايا، إن تجاهل قرار المحكمة يُعد تعطيلاً لسير العدالة، مؤكداً أن "الدولة ستتخذ ما يلزم ضد أي مبادرة غير قانونية".
وفرضت السلطات في تركيا حظراً مؤقتاً للتجمعات في عدة ميادين في مدينة إسطنبول، كما حاصرت المقار الرئيسية لحزب الشعب الجمهوري بهدف الحيلولة دون تنظيم أنصار الحزب احتجاجات على قرار المحكمة.
ولا يزال أكرم إمام أوغلو محتجزاً لدى السلطات التركية منذ اعتقاله في مارس/آذار الماضي للتحقيق في مزاعم تورطه في ممارسات فساد، وهو ما وصفته جماعات حقوقية بأنها إجراءات "بدوافع سياسية".
شهدت أسواق المال رد فعل حاد لما يجري من اضطرابات سياسية في تركيا، إذ سجلت بورصة إسطنبول خسائر بحوالي 5.5 في المئة عقب الحكم القضائي الصادر الأسبوع الماضي على مستوى المحافظة.
وقال تقرير نشرته شبكة بلومبرغ الاقتصادية إن بنوكاً تركية حكومية دعمت الليرة التركية – التي هبطت إلى مستويات قياسية خطيرة مقابل الدولار الأمريكي واليورو – بمبيعات دولار بقيمة 5 مليار يورو منذ أن صدر حكم المحكمة التركية بتغيير قيادة حزب المعارضة الرئيسي.
وأعرب مسؤولون في الاتحاد الأوروبي عن قلقهم إزاء تصاعد التحديات القانونية. وحذّر ناتشو سانشيز آمور، مقرر البرلمان الأوروبي المعني بتركيا، الأسبوع الماضي من أن إقالة أوزَل ستكون بمثابة "المسمار الأخير في نعش الديمقراطية التعددية في تركيا".
من جهته، طعن حزب الشعب الجمهوري في قرار المحكمة في إسطنبول، متعهداً بمقاومة ما وصفه بـ "الانقلاب القضائي". وأكد قادة الحزب أنهم سيواصلون حشد أنصارهم رغم الحظر المفروض والقيود المفروضة على الإنترنت.
وفي وقت لاحق من هذا الشهر، من المتوقع أن تصدر محكمة تركية أخرى في أنقرة حكماً في قضية مشابهة تستهدف المؤتمر العام لحزب الشعب الجمهوري لعام 2023، الذي تم خلاله انتخاب أوزغور أوزَل رئيساً للحزب.
وقد يؤدي صدور حكم ضد الحزب إلى إعادة زعيمه السابق، كمال كليجدار أوغلو، إلى منصبه، وهو رئيس الحزب الذي تعرض – خلال فترة رئاسته للحزب - لانتقادات واسعة النطاق.