بيروت- من الصعب فهم حزب الله اليوم باعتباره قوة سياسية وعسكرية تتجاوز حدود لبنان من دون العودة إلى جذوره التي سبقت ظهوره الميداني الأول عام 1982.
فقد نشأ الحزب في بيئة شيعية متشكلة من حركة الإمام موسى الصدر ، والجمعيات واللجان الإسلامية، إضافة إلى دور علماء دين عادوا من النجف في السبعينيات والثمانينيات، ليؤسسوا قاعدة فكرية ودينية أطلقت لاحقا مسيرة حزب الله.
من هذه الأرضية، خرج الحزب ليجمع بين البعد العقائدي والمقاومة العسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي، قبل أن يترسخ في السياسة اللبنانية لاعبا رئيسيا يصعب تجاوزه.
نستعرض في هذا التقرير رحلة الحزب من النشأة إلى الانخراط في المعترك السياسي والعسكري مرورا بمحطاته المفصلية مع إسرائيل، وصولا إلى ترسانته العسكرية المتطورة ودوره الإقليمي، ومشاركته في معركة طوفان الأقصى إسنادا للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة .
قبل عام 1982، كان حضور الشيعة في لبنان يتوزع بين العائلات التقليدية المتحالفة مع القوى السياسية، والشباب المنخرط في التيارات القومية واليسارية، وبين نشاطات دينية بقيت محدودة حتى وصول الإمام موسى الصدر.
فقد أسس الصدر المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وأطلق حركة "أمل"، فاتحا الباب أمام مشاركة الشيعة في المعادلة الوطنية.
في موازاة ذلك، ساهمت عودة علماء من النجف، أبرزهم تلامذة المرجعيات الشيعية الكبرى الإمام محسن الحكيم والإمام الخوئي والإمام محمد باقر الصدر في ترسيخ حراك فكري وديني أعاد صياغة وعي شيعي جديد كان نواته لاحقا حزب الله.
قبل الإعلان الرسمي عن تأسيس حزب الله عام 1985 في مؤتمر صحفي عقده الناطق باسم الحزب إبراهيم أمين السيد، مرت البيئة الشيعية بمرحلة تمهيدية خلال الفترة من عام 1979 حتى 1982 من خلال اللجان الإسلامية المساندة للثورة الإيرانية، التي قامت بأنشطة ثقافية وفكرية وسياسية.
وشاركت هذه اللجان في صراع مع حزب البعث بعد مقتل محمد باقر الصدر في العراق، كما كان لها أبعاد عسكرية وأمنية، وارتبطت مع التنظيمات الفلسطينية وحركة فتح .
شكّل الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 لحظة مفصلية، إذ خرجت اللجان الإسلامية الموالية للثورة الإيرانية من العمل الدعوي والثقافي إلى إطار عسكري منظم حمل اسم "حزب الله"، ومع دعم إيراني مباشر وممر سوري للسلاح، تحول الحزب بسرعة إلى قوة مقاتلة في الجنوب اللبناني، متصدّرة مشهد المقاومة ضد إسرائيل.
يشكل حزب الله ركيزة ثابتة في المشهد السياسي اللبناني منذ عام 1992، حين انتُخب 8 من أعضائه لأول مرة في البرلمان.
وتوسع حضوره مع مشاركته في الحكومات بدءا من 2005 لتشمل تولي مناصب وزارية، عقب اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري ، في خطوة اعتبرت دمجا أوسع للحزب في السياسة الرسمية.
وفي عام 2009، أعلن الحزب برنامجا انتخابيا جديدا دعا فيه إلى تحقيق "ديمقراطية حقيقية"، مؤكدا بذلك انخراطه الكامل في المؤسسات الرسمية.
وفي الانتخابات الوطنية الأخيرة عام 2022، نجح حزب الله في الحفاظ على كامل مقاعده الـ13 في البرلمان المكوَّن من 128 عضوا، رغم خسارة تحالفه الأغلبية البرلمانية، مما يعكس قوة تأثيره المستمر في الحياة السياسية اللبنانية.
نشأ حزب الله في بيئة مسلحة، وكانت أسلحته في بداياته محدودة، تتكون أساسا من بنادق وعبوات ناسفة بعضها حصل عليه من منظمات فلسطينية، ثم من إيران .
ومع مرور الوقت لعبت سوريا دور الممر اللوجستي لتزويد الحزب بالأسلحة، إلى أن شهد عام 2006 قفزة نوعية عبر تزويده بصواريخ كورنيت، لتبدأ مرحلة جديدة من تطور التسليح والتدريب.
ومع توسيع نشاط الحزب، شملت برامجه العسكرية تطوير التصنيع المحلي للصواريخ و الطائرات المسيرة ، اعتمادا على خبرات إيران، وبات الجنوب اللبناني محطا لإستراتيجية الدفاع والصواريخ.
وخلال حرب عام 2006 مع إسرائيل، اعتمد الحزب على صواريخ كورنيت بالإضافة إلى صواريخ بر-بحر، لتقوية تحصيناته ومواقعه.
وفي عام 2021، أعلن الأمين العام السابق للحزب حسن نصر الله أن قوة الحزب العسكرية تضم نحو 100 ألف مقاتل مدرّب ومسلّح، مما يعكس حجم التطور الذي حققته قدراته منذ التسلح التقليدي وحتى الأسلحة الدقيقة.
وصقلت المعارك التي خاضها الحزب مهارات مقاتليه في مواجهة المجموعات المسلحة والتحكم في معارك المدن، مما أكسب الحزب خبرة قتالية عالية.
ومع ذلك، ورغم الظروف الإقليمية والتحولات العسكرية لا تزال قوته معتبرة، مع غياب المعلومات الدقيقة عن ترسانته الحالية، ويتركز دور الحزب العسكري في المقاومة والدفاع عن لبنان.
يمتلك منظومات صواريخ متنوعة، بدءا من الكاتيوشا قصيرة المدى (4 كيلومترات) إلى كاتيوشا متوسطة المدى (80-100 كيلومتر)، وقد تصل بعض الصواريخ إلى مئات الكيلومترات.
قوة الرضوان: يمثل هذا التشكيل العسكري وحدة النخبة في حزب الله، ويعمل تحت القيادة المباشرة للحزب.
ويتم اختيار مقاتليه بعناية وفق مهاراتهم وخبرتهم، ويتلقون تدريبات قتالية مكثفة لدعم الإستراتيجية العسكرية للحزب.