آخر الأخبار

هل العالم على موعد قريب مع حروب الماء؟

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

في مقابلة شهيرة عام 1995 تنبأ الخبير الاقتصادي إسماعيل سراج الدين نائب رئيس البنك الدولي حينئذ بأن المياه ستكون محور حروب القرن الـ21 بديلا عن النفط الذي كان محور حروب القرن الـ20، على حد وصفه.

وبعد مرور 30 عاما على ذلك التصريح أصدرت مجموعة ميرسي كوربس تقريرا في مايو/أيار 2025 أشار إلى أن العاصمة الأفغانية كابل قد تكون أول مدينة كبرى تستنفد مخزونها من المياه الجوفية بحلول عام 2030، مما سيؤدي إلى رحيل جماعي عن المدينة التي تحتضن 6 ملايين إنسان، ولا شك ستقترن بذلك اضطرابات اقتصادية وسياسية هائلة.

وبين نبوءة سراج الدين وأزمة كابل شهد العالم خلال 30 عاما كوارث بيئية غير مسبوقة ودرجات حرارة وموجات جفاف قياسية، خاصة في السنوات القليلة الماضية.

كل ذلك يضعنا أمام سؤال مرعب: هل سنشهد في السنوات المقبلة حروبا تتناحر فيها دول العالم على مصادر المياه المتضائلة؟

مياه العالم تنفد

لعل من المجدي الاسترشاد بمصطلح مهم يُستخدم في تقييم مستويات استهلاك المياه وتجددها، وهو الاستنزاف المائي، لفهم أعمق لأزمة نضوب المياه حول العالم.

ويُقصد بالاستنزاف المائي -كما تعرّفه لجنة الأمم المتحدة للمياه- نسبة سحب المياه العذبة (المتولدة من مصادر طبيعية) إلى إجمالي الموارد المتجددة من المياه العذبة، وبصيغة أخرى هو مقياس يعبر عن مدى التراجع في حجم المياه العذبة مقارنة بوتيرة استهلاكها وتجددها.

وباعتماد هذا المؤشر تظهر أرقام مقلقة، فعلى الرغم من أن 119 دولة من أصل 180 شملتها البيانات حتى عام 2021 لا تعاني من استنزاف مائي حاد فإن منحنى الاستنزاف العالمي يتجه صعودا، بحسب تقرير للجنة الأممية نُشر في أكتوبر/تشرين الأول 2024.

فقد بلغ معدل الاستنزاف المائي 18.6% في عام 2021، بزيادة قدرها 2.8% مقارنة بعام 2015، مما يعادل ارتفاعا في الاستهلاك العالمي يُقدّر بنحو 93 مليار متر مكعب خلال تلك الفترة.

مصدر الصورة دول الشرق الأوسط تحتل صدارة معدلات الاستنزاف المائي (غيتي)

وفي تقريره السنوي لعام 2023 أشار معهد جامعة الأمم المتحدة للمياه والبيئة والصحة إلى أن 1.4 مليار إنسان تأثروا بموجات الجفاف في الفترة من 2002-2021، وقتلت أكثر من 21 ألف إنسان، وكلفت اقتصادات العالم 170 مليار دولار في الفترة نفسها.

إعلان

وبحسب تقرير لليونسكو عن التنمية المائية العالمية لعام 2025، فإن ما يقارب 4 مليارات إنسان أو نصف سكان العالم يعانون من نقص حاد في المياه خلال جزء من العام على الأقل، كما أن مستويات الاستنزاف المائي ازدادت خلال الفترة من 2012-2021 في معظم أقاليم العالم.

وتحتل دول الشرق الأوسط صدارة معدلات الاستنزاف المائي، إذ تصاعدت مستويات الاستنزاف المائي بما نسبته 12% منذ عام 2015 حتى نهاية عام 2024، في ظل الأزمات الناجمة عن التغير المناخي، وفقا لتقرير لجنة الأمم المتحدة للمياه.

وبلغت نسبة الاستنزاف المائي في المنطقة 80% عام 2021، إذ يبلغ معدل مصادر المياه المتجددة في الإقليم 993 متر مكعب عام 2020 للفرد الواحد، مقارنة بمعدل سحب مياه يبلغ 568 متر مكعب للفرد الواحد، وتأتي الكويت على رأس هذه القائمة تليها الإمارات ثم السعودية، بحسب التقرير.

مصدر الصورة وزير البيئة الألماني كارستن شنايدر خلال جولته لتفقّد الجفاف الذي يعاني منه معظم أنحاء غرب ألمانيا في مايو/أيار 2025 (رويترز)

شح المياه والنزاعات

من البديهي أن يكون النزاع بين البشر على الموارد المحدودة أمرا ملازما لمسيرتهم عبر العصور، وفي ظل تسارع التغير المناخي تتفاقم أزمة شح المياه، لتصبح أحد أبرز العوامل التي تؤجج الصراعات.

ففي منطقة السهل الأفريقي الأوسط -على سبيل المثال- تم توثيق أكثر من 450 حادثة عنف خلال السنوات الخمس الماضية اندلعت بين مزارعين ورعاة على مصادر المياه المتناقصة وأراضي الرعي، مما يبرز كيف يمكن لشح الموارد أن يحوّل التنافس إلى اقتتال.

وتزيد عوامل أخرى تعقيد المشهد، مثل الخلافات على توزيع المياه بين المجتمعات الواقعة عند منابع الأنهار وتلك التي تعيش قرب مصباتها، وبالشاكلة نفسها مسألة الأنهار والنزاع عليها، إذ يوجد اليوم 263 نهرا حول العالم تقطع حدود دولتين أو أكثر، وهو ما قد يؤدي مستقبلا مع ازدياد الشح والطلب على المياه إلى تفجير نزاعات.

ومن المظاهر الأخرى لتأثير شح المياه ظاهرة الهجرة المرتبطة بتدهور الأحوال المناخية والجغرافية، وعلى رأسها ندرة الموارد المائية، إذ يُقدّر تقرير اليونسكو للتنمية المائية العالمية لعام 2024 أن شح المياه ساهم في ارتفاع معدلات الهجرة العالمية بنسبة 10%.

ويفضي هذا النزوح المتزايد إلى ضغط إضافي على الموارد المائية للمجتمعات المستضيفة، وهو ما يؤدي بدوره إلى توترات ونزاعات، ومن الأمثلة على ذلك نزاع وقع بين عشائر البدو ومهاجرين عام 2021 في ولاية جنوب كردفان بالسودان على إثر تضرر مضخة مياه.

ولا يقف أثر شح المياه عند هذا الحد، بل قد يزعزع شرعية الحكومات نفسها من خلال إضعاف قدرتها على توفير الخدمات الأساسية، وعلى رأسها المياه.

وحين تفشل الدولة في أداء هذا الدور الحيوي تظهر فراغات سياسية وأمنية قد تستغلها جماعات مسلحة خارجة عن سلطة الدولة، فتتقدم لتقديم خدمات بديلة واستمالة المجتمعات المحلية المتعطشة، ولا سيما في المناطق النائية، ويمكن رصد نماذج من هذه الديناميكية في عدد من مناطق السهل الأفريقي.

هل سنشهد حروبا مائية قريبا؟

في هذا السؤال حاجة إلى تفصيل، فإن كان القصد هو: هل سنشهد حروبا سببها الأول هو تنازع دولتين أو أكثر على مصادر مائية؟ فالجواب سيكون على الأرجح بالنفي، على الرغم من وجود من تنبأ بحدوث ذلك.

إعلان

وما يعضد ذلك هو العامل التاريخي من وجهين:


* أولهما: هو أن الحروب المائية أمر نادر الحدوث تاريخيا كما تبين ورقة محكّمة نُشرت هذا العام في البرتغال، وهو ما تذهب إليه أيضا الأمم المتحدة في تقرير اليونسكو للتنمية المائية العالمية.
* والثاني: هو أن التاريخ يُظهر أن الدول تقدم التعاون على الحرب في سياق توزيع المياه أو حل الخلافات المائية كما يبيّن تقرير لمركز ويلسون نُشر عام 2019، ومن ذلك وجود أكثر من 3600 معاهدة مائية تم توقيعها منذ عام 805 ميلادي، بالإضافة إلى إنشاء ما يقارب 120 منظمة لإدارة أحواض المياه المشتركة بين أكثر من دولة، وفقا لتقرير اليونسكو عام 2024.

لكن الإجابة عن هذا السؤال ليست بهذه البساطة، فلا يمكن أيضا بشكل إهمال التقاطع المتزايد بين المياه والحسابات العسكرية، وهو ما يمكن رصده في 3 مساحات رئيسية:


*

1. العسكرة المتزايدة للمياه

يُقصد بعسكرة المياه استخدام مصادر المياه أو استهدافها في الصراعات المختلفة، ومن أشكال ذلك الاستهداف المباشر للبنية التحتية المائية، وتلويث مصادر المياه، ومنع الوصول إلى المياه، وإحداث الفيضانات.

ومما يدفع إلى القلق هو تصاعد هذا النوع من الممارسات في السنوات الأخيرة تحديدا، فبحسب المعهد الباسيفي شهد العالم زيادة نسبتها 500% في حالات عسكرة المياه بين عامي 2000 و2023 مقارنة ببدايات القرن الـ20، مع زيادة نسبتها 50% في عام 2023 فقط.

ولعل أبرز الأمثلة الراهنة على ذلك هو قطع شركة المياه الإسرائيلية "ميكروت" المياه عن غزة، وتدمير مستوطنين إسرائيليين أيضا النظم المائية في الضفة الغربية والاستيلاء عليها، بل إن مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قد طالبت إسرائيل بالتوقف عن استخدام المياه سلاح حرب.

وفي عام 2016 سُجل حادث آخر في العراق حين قام مسلحون مجهولون بتفجير أنبوب نفط، مما أدى إلى تلويث مياه نهر دجلة في مدينة بيجي، ثم إعادة تحويل مسار النفط ليصب في مجرى نهر دجلة، وهو ما أدى إلى تلوث مياه النهر وانقطاعها في 6 محافظات عراقية، منها بغداد.

ويُبرز ذلك الحادث كيف يمكن للمياه أن تتحول إلى سلاح في ساحات الصراع.


*

2. المياه كأولوية أمن قومية

يبرز أيضا اسم إسرائيل مثالا على الحروب المائية في هذا السياق، فقد اعتبر الاحتلال الإسرائيلي طويلا المياه مسألة وجودية، بل توقّع ديفيد بن غوريون أن إسرائيل ستخوض حربا مع العرب على الماء، وستكون هذه الحرب هي ما يحدد بقاءها.

ويُظهر التاريخ أن التطلعات الصهيونية للسيطرة على الموارد المائية في المنطقة ليست جديدة، إذ تعود أولى محاولات الحركة الصهيونية للسيطرة على مياه نهر الأردن والمياه العربية إلى عام 1867.


*

3. أزمات مائية على حافة الانفجار

يشهد العالم اليوم عددا متزايدا من الأزمات المائية التي تزداد تعقيدا بفعل النزاعات الجيوسياسية، وقد تتحول في بعض الحالات إلى صراعات مفتوحة.

في أميركا اللاتينية تُعد أزمة سد "إيتايبو" الكهرومائي -الذي يمتد على مسافة 5 أميال عبر نهر بارانا بين باراغواي والبرازيل- أحد أبرز الأمثلة على ذلك.

ورغم أن السد يُعد من أقوى مصادر الطاقة الكهرومائية في العالم فإنه ظل موضع خلاف سياسي ومالي مزمن بين البلدين تعود جذوره إلى "معاهدة إيتايبو" الموقّعة عام 1973.

وبموجب المعاهدة، تنازلت باراغواي عن فائض طاقتها الكهربائية لصالح البرازيل بأسعار زهيدة، وهو ما استمر لعقود.

وشهد عام 2023 انتهاء مدة عدد من الشروط الأساسية في المعاهدة، مع تسديد البلدين القسط الأخير من ديون بناء السد، مما أفسح المجال لجولة جديدة سرية من المفاوضات.

لكن هذا التفاوض تحوّل إلى فضيحة تجسس في أواخر مارس/آذار 2025 عندما كشفت وسائل إعلام برازيلية عن تلصص الاستخبارات البرازيلية على مسؤولين باراغوايانيين كانوا مشاركين في المفاوضات، وقد أثارت هذه القضية غضبا عميقا في باراغواي، حيث وصف وزير خارجيتها الحادث بأنه "انتهاك صارخ للقانون الدولي وتدخّل في الشؤون الداخلية".

إعلان

وفي هذا السياق، تفاقم عدد من العوامل هذه الأزمة، منها استنزاف نهر باران بفعل التغير المناخي، وهو ما يؤثر على التوربينات الـ20 لسد إيتايبو، وتزايد الطلب على الطاقة في باراغواي بسبب ارتفاع درجات الحرارة وصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل تعدين العملات المشفرة، وهو ما قد يرسم مسارا تصاعديا لهذه الأزمة بين البلدين.

ويمكن النظر في أزمات مائية قد تؤدي إلى نزاعات داخلية كما هو الحال في إيران وما تُعرف بشبكات "مافيا المياه"، والتي تضم مسؤولين رفيعين وشركات إنشاءات كبرى على صلة بالسلطة.

وتستفيد هذه الشبكات من مشاريع البنية التحتية الضخمة التي تفتقر إلى الرقابة البيئية، مما يؤدي إلى تدمير النظم البيئية ونقص حاد في المياه وتشريد الملايين.

ومن ذلك مثلا جفاف بحيرة زايندة رود التي كانت تُعرف بـ"النهر الواهب للحياة" في أصفهان، بسبب تحويل المياه بشكل روتيني إلى مشاريع زراعية وصناعية تحت غطاء سياسي.

كما أدى الاستغلال المفرط للمياه الجوفية إلى هبوط الأرض في 500 من أصل 609 سهول موجودة في إيران، مع تضرر عشرات الملايين.

وقد أدت ندرة المياه في إيران إلى اضطرابات واحتجاجات، خاصة في المناطق المتضررة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا اسرائيل أمريكا حرب غزة

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا