آخر الأخبار

هل تؤثر أحداث السويداء على مسار رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا؟

شارك
مصدر الصورة

أعادت أحداث العنف الدامية في محافظة السويداء تسليط الضوء على هشاشة الوضع السوري، وأثارت تساؤلات حول ما إذا كانت ستؤثر على مسار رفع العقوبات الأمريكية، في وقت تعتبر فيه الحكومة السورية هذه الخطوة محطة مفصلية على المستويين الاقتصادي والسياسي.

فخلال الأيام الماضية، شهدت السويداء مواجهات عنيفة بين عشائر البدو والقوات الحكومية من جهة وفصائل درزية مسلحة أسفرت عن مقتل أكثر من ألف شخص ونزوح ما يزيد عن 90 ألفاً، وفق أحدث بيانات صادرة عن الأمم المتحدة، وسط تقارير موثقة عن إعدامات ميدانية وانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان. وقد وجّه ناشطون ومنظمات حقوقية اتهامات مباشرة لفصائل مرتبطة بالحكومة السورية بالوقوف وراء هذه الانتهاكات، ما فجّر موجة من ردود الفعل داخلياً وخارجياً.

لكن إلى أي مدى يمكن أن تلقي هذه التطورات بظلالها على موقف واشنطن من العقوبات المفروضة على دمشق؟

مقتل مواطن أمريكي في السويداء

لفتت أحداث العنف الأخيرة في السويداء أنظار وسائل الإعلام الأمريكية بشكل خاص، بعد أن طالت تداعياتها مواطناً أمريكياً قُتل في ظروف مروعة. فقد أكدت وزارة الخارجية الأمريكية مقتل حسام سرايا، وهو أمريكي من أصل درزي سوري ومن سكان ولاية أوكلاهوما، كان يبلغ من العمر 35 عاماً.

وكان سرايا واحداً من ثمانية رجال من عائلته ظهروا في مقطع فيديو، تحققت بي بي سي من صحته، أثناء إعدامهم ميدانياً على يد مسلحين ملثمين يرتدون الزي العسكري ويهتفون "الله أكبر". وتداولت منصات التواصل الاجتماعي الفيديو الذي أثار موجة من الغضب والتنديد محليا وفي الولايات المتحدة.

وقال السيناتور ماركواين مولين عبر منصته على "أكس": "مواطن أمريكي من أوكلاهوما" تم "إعدامه بوحشية مع أفراد عائلته في سوريا".

من جهته، أعرب المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توم باراك، عن "قلق بالغ" إزاء ما تشهده السويداء، داعياً الحكومة السورية إلى "تحمل المسؤولية ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات"، مؤكداً أن "الدمج العادل للأقليات في هياكل الدولة شرط أساسي لمستقبل مستقر لسوريا".

قانون قيصر: بين التعديل والتمديد

في 22 تموز/يوليو، صوّتت لجان في مجلس النواب الأمريكي على مشروع قانون جديد بعنوان "محاسبة عقوبات سوريا 2025"، لا يهدف إلى إلغاء "قانون قيصر"، بل إلى تعديله عبر فرض شروط صارمة يجب على الحكومة السورية الالتزام بها لعامين متتاليين قبل رفع العقوبات.

وقد حظي المشروع بدعم معظم النواب الجمهوريين، ما مثّل انتكاسة للجهود الرامية إلى إنهاء العقوبات بشكل كامل.

المشروع، الذي قدمه النائب الجمهوري مايك لولر، رئيس اللجنة الفرعية المعنية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ينص على تمديد فترة الإعفاء من العقوبات من 180 يوماً إلى عامين، ويتيح إلغاء القانون نهائياً بحلول نهاية عام 2029 في حال التزام الحكومة السورية بشروط محددة تتعلق بحقوق الإنسان ومكافحة غسل الأموال.

وكتب لولر على منصة "إكس": "مشروعي يهدف إلى تحديث نهجنا تجاه سوريا… علينا ضمان المحاسبة والشفافية، لكن يجب أن نكون مستعدين للتحرك بحزم أمام فرصة لا تتكرر إلا مرة كل قرن لتحقيق سلام واستقرار دائمين في المنطقة."

جاءت أحداث السويداء بعد أن كانت جهود رفع العقوبات، بما فيها قانون قيصر، قد بلغت مرحلة متقدمة، بحسب محمد علاء غانم، رئيس الشؤون السياسية في المجلس السوري الأمريكي وأحد مؤسسي اللوبي السوري في واشنطن.

ففي حديث لـ"بي بي سي"، أكد غانم أن الأمور كانت تسير نحو رفع العقوبات بشكل فعلي "قبل نهاية العام"، موضحاً أن الإدارة الأمريكية كانت قد أصدرت رخصة عامة علّقت بموجبها جميع العقوبات – بما فيها قيصر – لفترة مؤقتة.

لكن غانم شدد على أن صلاحيات الإدارة محدودة، إذ لا يمكنها إلغاء القانون الذي أُقر عبر الكونغرس، بل يقتصر دورها على تعليق تطبيقه لستة أشهر فقط، بينما يتطلب الإلغاء الكامل مساراً تشريعياً معقداً يتضمن تصويتاً رسمياً من مجلسي النواب والشيوخ.

ويضيف غانم أن المعسكر المعارض لرفع العقوبات لم يكن غائباً، بل كان موجوداً منذ البداية، واعتبر هذا المعسكر أن رفع العقوبات دفعة واحدة "غير مبرّر"، مطالباً بأن تُظهر الحكومة السورية التزاماً ملموساً قبل أي تغيير في السياسة الأمريكية.

"لكن بعد إعلان الرئيس ترامب عن تخفيف واسع للعقوبات في أيار/مايو الماضي، تراجع هذا المعسكر تحت الضغط السياسي"، يقول غانم، "إلى أن جاءت أحداث السويداء وأعادت إليه الثقة والنشاط".

ويؤكد غانم أن المعارضة داخل الكونغرس استخدمت ما جرى في السويداء علناً كذريعة لإحياء شكوكها ومهاجمة مسار رفع العقوبات، ما أوقف الزخم السياسي وأعاد المعركة إلى نقطة الصفر.

في المقابل، يقول الكاتب والصحافي السوري إيلي عبده في حديث مع بي بي سي، إن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي لا تزال رؤيتها مؤثرة داخل التيار الجمهوري، "لا تُعير اهتماماً كبيراً لقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا، بل تنظر إلى الملف السوري من زاوية أولويات استراتيجية، أبرزها: منع عودة تنظيم "داعش"، تقليص النفوذ الإيراني والروسي، ودفع دمشق نحو التطبيع مع إسرائيل." وبناء على ذلك، فإن العقوبات تُستخدم كورقة ضغط لتحقيق هذه الأهداف السياسية، وليس بالضرورة "من أجل محاسبة السلطات السورية على انتهاكاتها بحق المدنيين."

مصدر الصورة

"أشد الانتهاكات بحق الشعب السوري"

في الوقت نفسه، حذر النائب الجمهوري جو ويلسون من أن استمرار العمل بقانون قيصر لسنوات إضافية قد يُعيق جهود إعادة إعمار سوريا، وربما يفتح الباب أمام عودة ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية. وكتب على منصة "إكس" (تويتر سابقاً): "تبسيط العقوبات يتماشى مع توجه الرئيس ترامب في منح سوريا فرصة للعودة".

يرى غانم أن العقوبات الأمريكية، بصيغتها الحالية، تمثل أحد أشد الانتهاكات بحق الشعب السوري. "نحن نعلم أن أي حكومة ستستفيد من رفع العقوبات"، وأضاف غانم، "لكن الشعب الآن في وضع مأساوي: فقير، جائع، معدم، لا يملك الأدوات لمحاسبة أي سلطة، وبالتالي فإن العقوبات تضربه هو أولاً".

وشدّد على أن "الشعب لا يمكن أن يطالب بحقوقه إذا لم يكن يملك الحد الأدنى من مقومات الحياة: طعام، عمل، وكرامة". وبحسب غانم، فإن الأولوية الآن يجب أن تكون لخلق فرص اقتصادية وتأمين الحد الأدنى من الراحة المعيشية، وهو ما سيُمهّد الطريق لمساءلة الحكومة لاحقاً.

وختم بالقول إن الوضع الراهن في سوريا يتطلب تعاوناً أوسع من الحكومة الحالية، مشيراً إلى أن الأمل لا يزال قائماً لكن من دون أوهام: "لا شيء مضمون، علينا أن نعمل من أجل الناس أولاً".

وحول تأثير رفع العقوبات اقتصادياً، يرى إيلي عبده أن هذه الخطوة قادرة على تحريك عجلة الاقتصاد المتوقفة منذ سنوات، من خلال إعادة إعمار البنية التحتية مثل الكهرباء والاتصالات، وتوفير فرص عمل جديدة، وهو ما سينعكس مباشرةً على حياة المواطن السوري الذي يعيش "تحت الصفر"، على حد وصفه. "أي تحسين في الرواتب أو الخدمات أو حتى فرص العمل سيكون إنجازاً حقيقياً للمواطنين في ظل الظروف الراهنة"، يضيف.

مع ذلك، يحذّر عبده من أن هذه الديناميكية الاقتصادية الإيجابية "قد تُستغل من قبل الحاكمين الحاليين، لتكريس اقتصاد زبائني قائم على الولاء السياسي مقابل المال." ويشير إلى تقرير لوكالة رويترز تحدثت فيه عن لجنة سرية ثلاثية خارج الهيكل الحكومي، تفاوض رجال أعمال مرتبطين بالنظام للتنازل عن ممتلكاتهم مقابل العفو، "وهو ما يعكس استمرار تسييس الاقتصاد وتوظيفه في خدمة السلطة،" حسب وصفه.

ويشدد الكاتب السوري على أن رفع العقوبات وحده "لن يُنتج اقتصاداً صحياً أو تنمية مستدامة، ما لم يقترن بمسار سياسي واضح يتيح استثمار العوائد في بنية مؤسسات الدولة لا في مصالح النخبة الحاكمة"، ويضيف: "من الخطأ فصل الاقتصاد عن السياسة. من الصعب أن ينتعش الاقتصاد في غياب دولة القانون."

مصدر الصورة

بدأت العقوبات الأمريكية على سوريا في عام 1979، حين أُدرجت دمشق على القائمة الأمريكية للدول "الراعية للإرهاب". وتوسّعت هذه العقوبات بشكل كبير بعد اندلاع الانتفاضة السورية في عام 2011، إذ فرضت واشنطن إجراءات صارمة استهدفت قطاعات أساسية مثل النفط والغاز والطيران والمصارف البنكية.

لكن التحوّل الأبرز جاء في نهاية عام 2019، مع إقرار الكونغرس لقانون "حماية المدنيين السوريين" المعروف باسم "قانون قيصر"، نسبة إلى الاسم المستعار لمصوّر عسكري منشق، سرّب آلاف الصور التي توثّق التعذيب والانتهاكات داخل المعتقلات السورية.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا اسرائيل أمريكا مصر حماس

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا