في بلد يرزح تحت أزمات اقتصادية واجتماعية ونفسية خانقة، يبحث اللبنانيون عن حلول سريعة لأي مشكلة... حتى تلك التي تتعلّق بالوزن، وسط فوضى في استخدام هذه الحقن والحصول عليها في ظل غياب تام للجهات الرسمية الصحية عن إقامة حملات توعوية حول مضاعفات استخدامها العشوائي.
ووسط ضغوط الصورة المثالية المفروضة من وسائل التواصل الاجتماعي، ارتفعت بشكل مقلق وتيرة استخدام إبر التنحيف مثل Ozempic وMounjaro، المخصصة أصلاً لمرضى السكري من النوع الثاني، لتتحول إلى «وصفة شعبية» محفوفة بالمخاطر الصحية.
وصفة سحرية... ولكن!
وفق مصادر طبية خاصة لموقع «سكاي نيوز عربية»، تُباع هذه الإبر في السوق السوداء بأسعار تصل إلى 200 دولار للقلم الواحد، وتُعرض أحيانًا على تطبيقات مثل واتساب وتيليغرام مع خدمة توصيل سرّية.
بعض الصيدليات يعمد إلى تفكيك العلب وبيعها بالحبة، في ظل غياب أي رقابة فعلية من وزارة الصحة، التي لم تصدر توجيهات صارمة حتى الآن لضبط هذا الاستخدام العشوائي.
وفي جولة لموقع سكاي نيوز عربية على بعض الصيدليات، تبيّن أن الأسعار كالتالي:
الموضوع عند نقابة الصيادلة
مصادر الوزارة تضع المسؤولية على عاتق نقابة الصيادلة، مشيرة إلى أن «مراقبة الصرف تقع ضمن نطاق صلاحيات هذه النقابة»، بينما اكتفى نقيب الصيادلة في لبنان، جو سلّوم، في حديث لموقع «سكاي نيوز عربية»، بالتأكيد على أن «الصيدليات تلتزم ببيع الإبرة بوصفة طبية»، معترفًا في الوقت نفسه بوجود مخالفات قائلاً: «نعم، بعضها يبيع دون وصفة، وهذا مخالف للقانون».
واضاف مصدر مسؤول في الوزارة "فيما يخص أدوية التنحيف، التي هي حالياً الأكثر تداولاً، هناك دواء جديد دخل السوق يُعرف بـ'منجارو'، والذي يُستخدم عالمياً لهذا الغرض. وزارة الصحة، بالتعاون مع كل الأجهزة الأمنية، تقوم بضبط أي وجود للدواء المهرّب أو المزوّر، خصوصاً أن ذلك يشجّع على صرفه والتجارة به بطريقة غير سليمة وغير صحية."
وقال" الوزارة فاعلة في هذا الموضوع، وتقوم بالتفتيش على كافة الصيدليات لضمان وجود وكيل رسمي، لأن هذا الدواء ليس من الأدوية التي تُصرف بدون وصفة (OTC)، وبالتالي من المفترض أن يُوصف من قِبل طبيب مختص ويتابع استخدامه بدقة من حيث الجرعة وطريقة الاستعمال."
وختم" ضبط هذا الدواء يتم من خلال حلقتين: أولاً، وصفه كعلاج من قبل الطبيب والصيدلي، وثانياً، ضمان أن الدواء الموجود في الصيدلية هو المنتج الأصلي المضمون من حيث الجودة والفعالية، عبر الإجراءات الرقابية والتفتيشية التي تقوم بها وزارة الصحة."
أرقام مثيرة للقلق
وفق مصادر خاصة لمنظمة الصحة العالمية لموقع «سكاي نيوز عربية»: «تُظهر أرقام المنظمة أن 64% من اللبنانيين يعانون من الوزن الزائد، و31% من هؤلاء في مرحلة السمنة. وتطال هذه الظاهرة الأطفال أيضًا، إذ ارتفعت نسبة السمنة من 18.9% عام 2004 إلى 26% في 2023. والرقم لم يتغير كثيرًا حتى اللحظة».
وتضيف: «أما التقزّم الناتج عن سوء التغذية فبلغ 12% عام 2024، مقارنة بـ9.7% سابقًا. وفي عام 2020، أدّت الأمراض المرتبطة بالسمنة إلى وفاة أكثر من 6,000 لبناني، أي ما نسبته 18% من مجمل الوفيات».
قصص من الواقع: «خسرت الوزن... وربحت المرض»
ليال، مؤثرة لبنانية معروفة، كانت من أوائل المروّجات للإبر عبر حسابها على إنستغرام، قبل أن تتعرّض لمضاعفات خطيرة. تقول لـ«سكاي نيوز عربية»: «خسرت 7 كيلوغرامات في 6 أسابيع، لكنني دخلت المستشفى مرتين بسبب نوبات غثيان حادة. أوقفت صفحتي على السوشال ميديا، ولن أكرر التجربة أبدًا».
رجل الأعمال سليم رافعي (47 عامًا) لم يكن أوفر حظًا. استخدم إبرة مونجارو وخسر الوزن فعلاً، لكنه أصيب لاحقًا بالتهاب في البنكرياس. أما رلى يتيم، طالبة دراسات عليا، فتقول إن وزنها عاد وازداد بعد التوقف عن الإبرة، مضيفة: «كنت أبحث عن حل سريع... فدفعته من صحتي».
رأي علمي: «ليست حلاً دائمًا... بل خطر صامت»
الدكتور حسين نعمة، دكتور صيدلي وأخصائي تغذية، يضع الأمور في نصابها الطبي، محذرًا من الانفلات الحاصل في استخدام هذه الأدوية. يقول لـ«سكاي نيوز عربية»: «الملفت في الآونة الأخيرة هو لجوء أعداد متزايدة من الأشخاص إلى استعمال هذه الإبر بجرعات غير مدروسة، ودون إشراف طبي»، مشيرًا إلى «فوضى استخدامها وبيعها».
ولفت إلى «دافع الضغط النفسي والإعلامي والرغبة الفورية في الحصول على نتيجة مرئية... لكن ما يغفل عنه كثيرون هو أن الجسم ليس آلة ميكانيكية يمكن إعادة ضبطها بحقنة».
ويضيف: «المشكلة لا تكمن فقط في الأعراض الجانبية الحادة كالغثيان، التقيؤ، التهابات البنكرياس والمرارة، بل في الخلل العميق الذي تُحدثه هذه الإبر في التوازن الهرموني والوظائف الهضمية. كما أن فقدان الشهية المفرط الناتج عن استعمالها يؤدي غالبًا إلى خسارة الكتلة العضلية لا الدهون، ما يعني أن الجسم يخسر من بنيته الأساسية، لا من الوزن الزائد فعليًا».
ويشدّد على أن النتائج التي تُعرض عبر السوشال ميديا هي انتقائية وخادعة:«غالبًا ما نرى صورًا مذهلة قبل وبعد، لكن لا أحد يعرض قصص المشافي، الألم المزمن، أو الارتداد السريع في الوزن بعد التوقف. الجسم الذي يُجبر على الامتناع عن الطعام بإبرة، سيرتدّ بقوة بعد أن يُسحب منه هذا التأثير الكيميائي».
ويتابع: «بعض المستخدمين يطوّرون اعتمادًا نفسيًا على هذه الإبر، بحيث تصبح الخيار الوحيد لأي محاولة لخسارة الوزن، مما يعرّضهم لخطر اضطرابات الأكل والإدمان الطبي. الأسوأ، أن بعض المرضى يتناولونها رغم أنهم لا يعانون من السمنة فعليًا، بل فقط لهدف جمالي مؤقت. وهذا مقلق للغاية».
ويختم نعمة بتحذير واضح: «هذه الإبر ليست حلاً جذريًا. هي وسيلة طبية تُستخدم في ظروف صحية دقيقة، ولفئات محددة تحت إشراف صارم. استخدامها العشوائي هو كمن يلعب بصحته مقابل وهم سريع. السؤال الحقيقي هو: هل تستحق بضع كيلوغرامات أقل أن نخسر ما هو أثمن بكثير... صحتنا؟»