في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في زيارة طارئة وللمرة الثالثة في أقل من نصف عام وصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن أول أمس الاثنين بعد أن تم تقديم موعدها مرتين، إذ كانت مقررة نهاية يوليو/تموز الجاري ثم منتصفه، قبل أن تعجل إلى 6 يوليو/تموز، وسط زخم إعلامي وسياسي كبير وتحليلات متباينة بشأن دوافع هذه العجلة.
وللمرة الثانية خلال 24 ساعة التقى نتنياهو (المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية بسبب جرائم حرب الإبادة في قطاع غزة ) الرئيس الأميركي دونالد ترامب الليلة في البيت الأبيض بواشنطن، وتمحور اللقاء -بعد نحو ساعة ونصف- حول الحرب في غزة والتوصل إلى صفقة أسرى واتفاق وقف إطلاق النار.
وفي ختام اللقاء صرّح نتنياهو بأن الحديث ركز على جهود تحرير الرهائن، وقال "لن نتهاون في هذا الأمر لحظة واحدة"، مشيرا إلى أن هناك فرصا سانحة لتوسيع دائرة السلام واتفاقيات أبراهام، وقال "نحن نعمل على ذلك بكل جدية".
في حين أفاد مصدر مطلع على تفاصيل المفاوضات لصحيفة هآرتس بأن مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف سيتوجه إلى الدوحة بعد الاجتماع، لكن مكتبه أكد أن زيارته ليست نهائية.
ويقول المختص في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور في حديثه للجزيرة نت إن غزه ليست الملف الوحيد الذي يناقشه ترامب ونتنياهو، فهناك الملف الإيراني وترتيبات المنطقة وسلاح حزب الله وسوريا والعلاقة معها والتطبيع وتركيا وغيرها من القضايا، لكن المدخل لكل هذه القضايا الإجباري هو إنهاء الحرب واليوم التالي في القطاع.
رغم الرسائل المتناقضة الصادرة عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بشأن تعثر مفاوضات الدوحة فإن المكتب صرح في بيان رسمي عقب وصول نتنياهو إلى واشنطن أن الاتصالات لا تزال مستمرة، وأن "المحادثات تشهد تقدما ملموسا، رد حركة حماس جاء أقل مما توقعنا، لكن رئيس الوزراء قرر إرسال وفد لمحاولة تجاوز الخلافات، ستُعقد محادثات جديدة اليوم، والأجواء إيجابية".
وتناول نتنياهو مع ترامب لأول مرة علنا خطة تهجير سكان قطاع غزة، قائلا "من يرغب بالبقاء فليبق، ومن يريد المغادرة فليغادر، هذا خيار شخصي، وليس سجنا، نحن ننسق مع الولايات المتحدة للبحث عن دول توافق على استيعابهم، ونقترب من تلك اللحظة".
وفيما يتعلق بمسألة إقامة دولة فلسطينية، أكد نتنياهو "يجب أن يمتلك الفلسطينيون القدرة على حكم أنفسهم، ولكن ليس القدرة على إلحاق الضرر بإسرائيل، لذلك يجب أن تبقى السيطرة الأمنية في المنطقة دائما بأيدينا".
وفي حين نقلت القناة الـ12 عن مسؤول سياسي كبير بشأن محادثات قطر قوله "هناك تقدم، لكن الأمر سيستغرق بضعة أيام أخرى للتوصل إلى اتفاق"، تأمل الولايات المتحدة في فرض اتفاق مؤقت من الطرفين، ويعتزم الرئيس دونالد ترامب تحويله إلى اتفاق كامل ينهي -ولو متأخرا- الحرب في غزة، وإذا نال ترامب ما يريده فقد يعلن عنه خلال الزيارة التي تنتهي غدا الخميس.
لكن هناك شكوك من خطوات نتنياهو المفاجأة، والتي كانت السبب الأساسي في عدم التوصل إلى اتفاق نهاية الحرب في غزة في مارس/آذار الماضي بعد انسحابه من اتفاق يناير/كانون الثاني 2025، وتنحصر في قدرته على المناورة والتهرب من الاستحقاقات التي فرضها وقوف ترامب معه في الهجوم على إيران، والتي يستثمر فيها الرئيس الأميركي كثيرا لمواصلة التحركات الدبلوماسية في الشرق الأوسط.
في المقابل، يعتقد المختص في الشأن الإسرائيلي علي الأعور في حديثه للجزيرة نت أن التوصل إلى اتفاق هذه المرة سيكون أسهل من المرات الماضية، بسبب رغبة نتنياهو الذي يرى أنه استنفد روح الانتقام من الحرب على غزة بقتل الفلسطينيين وتدمير القطاع.
وأضاف أن المفاوضات الحالية صعبة وسهلة، فهي صعبة على رئيس الوزراء، وسهلة للتوصل إلى اتفاق تبادل للأسرى، فالظروف باتت مواتية أمامه للتغلب على معارضي الصفقة من سموتريتش وبن غفير، حيث يرى نتنياهو أنه أقوى منهم ولا يحتاجهم، خصوصا في الفترة المقبلة إلى حين بدء الدورة الشتوية للكنيست التي ستبدأ في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ولا خوف في هذه الفترة من حل الكنيست .
رغم حالة التفاؤل الكبيرة من اقتراب الاتفاق على الصفقة الجزئية فإن المحللة السياسية لصحيفة معاريف آنا براسكي ترى أن الرئيس ترامب يسعى إلى تقديم الاتفاق كإنجاز دبلوماسي كبير ووضعه ضمن إنجازاته، في حين يتعامل نتنياهو بحذر مع شركائه اليمينيين، وهو مستعد للقبول بنصفه.
وأضافت براسكي أن الحكومة تتجنب اتخاذ قرار شامل ونهائي، وبدلا من إعادة جميع الأسرى إلى ديارهم وإنهاء الحرب تختار مسارا مدروسا ومخففا، نصفه لأسباب إستراتيجية، ونصفه الآخر خوفا من انهيار الائتلاف، ولذلك يحافظ نتنياهو على الغموض ويناور بحذر.
ويعتقد عاموس هرئيل المحلل العسكري لصحيفة هآرتس أن الصياغة الحالية للمقترح قد تفسح المجال لإنهاء الحرب كما تريد حماس، ولكن من ناحية أخرى لا يزال نتنياهو ينثر الألغام على طول الطريق، مما قد لا يُفشل الاتفاق في نهاية المطاف، ولكنه على الأقل سيشير إلى شركائه في الائتلاف من أقصى اليمين بأن الخيارات لا تزال مفتوحة.
وأضاف أن المشكلة تكمن في أن نتنياهو لا يسعى إلا إلى اتفاق جزئي، فهو لا يبحث فقط عن سبل للعودة إلى القتال بعد وقف إطلاق نار دام 60 يوما وعودة نصف المختطفين أحياء، بل يواصل الدفع بخطة لطرد سكان قطاع غزة، أي دفع معظم سكان القطاع إلى منطقة رفح، المدينة التي دمرها الجيش الإسرائيلي بالكامل، ويطالب بهذا الأمر الوزيران بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، ويؤيدهما نتنياهو وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس .
وقبيل الاجتماع الثاني بين ترامب ونتنياهو قال ويتكوف إن المفاوضات جارية لتقريب وجهات النظر، وإن القضايا الخلافية بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) تم تقليصها من 4 إلى واحدة.
وأضاف ويتكوف أنه يأمل التوصل إلى اتفاق بنهاية هذا الأسبوع، وقال إنهم يعملون على تقليص الخلافات في مفاوضات غزة "ومع الوقت سيتحقق ذلك"، مؤكدا أنهم يسعون إلى "سلام دائم في القطاع وحل النزاع بصورة حقيقية".
وذكرت القناة الـ12 أن نقطة الخلاف الرئيسية التي تؤخر توقيع الاتفاق هي الانسحاب الإسرائيلي من محور موراغ الذي يفصل خان يونس عن رفح جنوبي القطاع، فبينما تطالب حماس بانسحاب كامل للجيش الإسرائيلي من جميع أراضي غزة تشير التقارير إلى أن إسرائيل تضع خطا أحمر: البقاء على محور موراغ حتى بعد وقف إطلاق النار.
ونقل المراسل العسكري للقناة الـ12 نيتسان شابيرا أن إصرار إسرائيل على السيطرة على محور موراغ يشير إلى رغبة إسرائيلية في الحفاظ على حرية العمل العسكري بقطاع غزة حتى بعد التوصل إلى اتفاق، ولن ترغب في التنازل عن السيطرة على الطرق الإستراتيجية -وفي مقدمتها طريق موراغ- حتى لو أدى ذلك إلى تأخير الاتفاق.
ويرى المختص في الشأن الإسرائيلي مهند مصطفى في حديثه للجزيرة نت أن الملف المركزي ليس اتفاق الصفقة الجزئية (60 يوما) فحسب، بل شروط إسرائيل ورؤيتها لليوم التالي في غزة بعد الهدنة المتوقعة، والأمر المهم لنتنياهو بأن يكون هناك اتفاق مع إدارة ترامب على جميع هذه التفاصيل، كما سيعرض نتنياهو على ترامب المشهد السياسي الداخلي الإسرائيلي ومستقبل حكومته في ظل التحولات التي ستحدث في القطاع.
ومع وجود رؤية واضحة لترامب وفريقه للمنطقة يؤمنان فيها بأن إنهاء الحرب لا يمكن التغاضي عنه وأنه يمكن لكل شيء أن يتعقد وأن يعود إلى الوراء إذا لم ينجز، بحسب منصور.
وأضاف منصور أن الرئيس الأميركي سيمارس ضغطه على نتنياهو لإنهاء الحرب، وفي المقابل سيسعى نتنياهو من طرفه إلى الحصول على منجزات من إنهاء الحرب، وهو ثمن يتجاوز ملف الأسرى وأهدافه في غزة للتوصل إلى ترتيبات إقليمية ومكانة إسرائيل وهيمنتها في المنطقة، وهي مساحة توافق بين ترامب ونتنياهو عليها.
ورغم طرح بعض الملفات المعلنة من الزيارة -من بينها التفاوض على الرسوم الجمركية والتوازن التجاري- فإن الملف الإيراني يقع في صلب زيارة نتنياهو لواشنطن.
وقد كشفت الحرب أمام إيران ضعف التسليح الإسرائيلي وعدم قدرة الدفاعات الجوية الإسرائيلية من جهة وقدراتها من الصواريخ البعيدة المدى وذخائر والقنابل التي تحملها الطائرات الإسرائيلية على مجاراة القصف الإيرانية من جهة أخرى.
وفي المؤتمر الصحفي بين نتنياهو وترامب فجر الثلاثاء في البيت الأبيض، قال ترامب إن الولايات المتحدة ستبذل كل ما في وسعها لمنع إيران من أن تصبح دولة نووية، مضيفا أن المفاوضات جارية بين الطرفين، وأن الإيرانيين أعربوا عن رغبتهم في استئناف الحوار "إنهم مهتمون بالحوار، وقد بدأنا المفاوضات".
وفيما يتعلق بإمكانية وقوع هجوم أميركي آخر، أجاب ترامب "آمل ألا نضطر إلى ذلك، لا أظن أننا سنضطر لذلك، الإيرانيون في وضع مختلف عما كانوا عليه قبل أسبوعين"، وحسب قوله، فإن التعاون بين الولايات المتحدة والدول العربية في المنطقة على مستوى عال، وختم كلامه بتصريح متفائل "سيحدث أمر جيد، آمل أن تنتهي الحرب مع إيران".
ويرى منصور أن الإنجاز الذي حصل عليه نتنياهو بقصف إيران وبمشاركة أميركية سيسعى إلى استثماره لإنهاء المشروع النووي الإيراني، إما عسكريا أو بالتوصل إلى اتفاق مريح وجيد يتضمن كل شروط إسرائيل.
في المقابل، يعتقد مصطفى أن نتنياهو يريد من خلال زيارته لواشنطن مناقشة شروط الاتفاق بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران في حال إجراء مباحثات بشأن اتفاق النووي بين الطرفين، مع وضع الشروط والمحددات الإسرائيلية كمحددات ملزمة وأساسية في أي تفاوض ومباحثات أميركية إيرانية مستقبلية.
ومن ضمن جدول زيارة نتنياهو لواشنطن اجتماعاته مع أعضاء في الكونغرس الأميركي من الحزب الحاكم الجمهوري والديمقراطيين لزيادة الدعم لإسرائيل على مستوى التسليح والتمويل.
وقد سبق زيارة نتنياهو لواشنطن تقديم عضوين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس الأميركي مشروع قانون يخول ترامب إرسال قاذفات شبح من طراز "بي-2" وقنابل خارقة للتحصينات إلى إسرائيل إذا استمرت إيران في تطوير أسلحة نووية.
وقدّم النائبان جوش غوتهايمر ومايك لولر مشروع القانون المسمى "قانون تعزيز التحصينات"، ووفقا للمقترح سيسمح لترامب بـ"اتخاذ خطوات لضمان استعداد إسرائيل لأي سيناريو في حال حاولت إيران تطوير أسلحة نووية".
واستبعد علي الأعور أن تسمح الإدارة الأميركية لإسرائيل بالوصول إلى مقدرات إستراتيجية مثل طائرات الشبح أو القاذفات الإستراتيجية.
ويرى المختص أن الولايات المتحدة تسعى دوما إلى المحافظة على تفوقها العسكري، ولن يسمح البنتاغون لنتنياهو بالحصول هذا النوع من الأسلحة، في ظل وجود مصالح أميركية إستراتيجية في الشرق الأوسط وقواعد عسكرية، فهي ستدعم إسرائيل وتدافع عنها وتسلحها، ولكن لن "تسمح بإعطائها الأسلحة الإستراتيجية، وسيبقى استخدامها وتملكها حكرا على الولايات المتحدة فقط".
على رأس أولويات نتنياهو خلال زيارته سيكون تغيير الشرق الأوسط، بحسب تصريحاته الكثيرة- ضمن رؤية الرئيس الأميركي ترامب "السلام بالقوة"، والذي يسعى إلى فرض التطبيع وترتيبات إقليمية تضع إسرائيل في قلب العالم العربي والإسلامي كفاعل حقيقي.
وقبل صعوده إلى الطائرة مساء الأحد تحدث نتنياهو للصحفيين، وقال إنه "بفضل إنجازات الحرب يسمح الوضع الراهن لإسرائيل بتوسيع دائرة السلام، بما يتجاوز بكثير ما كنا نتصوره، لقد غيرنا الشرق الأوسط جذريا، ولدينا فرصة لبناء مستقبل باهر لشعب إسرائيل والشرق الأوسط".
وبعد لقائه بترامب فجر الثلاثاء قال نتنياهو "لقد أزلنا الورم (الايراني)، لكن هذا لا يعني أنه قد لا يعود، علينا التأكد من عدم عودته، هذا انتصار تاريخي غيّر وجه الشرق الأوسط بالفعل، ويخلق فرصة لتوسيع نطاق اتفاقيات أبراهام".
وكان ترامب في خطابه بالرياض في 13 مايو/أيار 2025 قد رسم مستقبلا "للشرق الأوسط الجديد" يقوم على ما سماها "التجارة بدل الفوضى، والتكنولوجيا بدل الإرهاب"، مع تشجيع التطبيع وتوسيع اتفاقيات أبراهام لتشمل دولا إضافية كالسعودية وسوريا ولبنان
وتتقاطع رؤية ترامب مع رؤية نتنياهو، والتي تركز على تفكيك إيران وحزب الله وحماس، وتوسيع النفوذ الساعي لإعادة تشكيل المنطقة نحو هيمنة إسرائيلية واضحة، مع دعم أميركي كامل.
وفي هذا السياق، أشار المختص منصور إلى أن نتنياهو ينظر إلى التغيرات الجيوإستراتيجية التي حدثت بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول على أنها مكاسب يمكن فعلا أن تغير مكانة إسرائيل بشكل إستراتيجي، لكن هذا لا يحدث بالقوة وحدها، إذ "يجب أن تكون هناك توافقات وتسويات وعملية سياسية، وهو يطمح إلى ذلك، وما يروج له من شرق أوسط جديد تتضمن ذلك، لكن تشكيلة ائتلافه الحالية لا تساعده للوصول إلى هذه الأهداف".
وأضاف أن نتنياهو سيتوافق مع ترامب خلال لقائهما في واشنطن على الخطوط العامة ضمن تصور للمنطقة، ويذهب إلى انتخابات مبكرة بعد أن يحل ملف غزة ويعيد الأسرى، وبذلك يكون قد حقق هذا الأمر بدعم ومساعدة أميركية.
وفي النهاية، يرى مصطفى أنه سوف تطرح قضايا متعلقة بالمشهد الإقليمي وإمكانيه التوصل إلى اتفاقيات تطبيع مع بعض الدول الإقليمية، ولكن هذا الأمر سيكون منوطا بوقف الحرب على غزة.
وبالتوازي، يكون هناك مسار إقليمي يستطيع نتنياهو من خلاله أن يسوّق فكرة وقف الحرب بالاستناد إلى وجود مسار إقليمي قد يؤدي إلى اتفاقيات تطبيع بين إسرائيل والدول العربية.