في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
لندن- يبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيعود بعد غياب 7 سنوات للمشاركة في قمة توصف بالتاريخية ل حلف شمال الأطلسي (الناتو) ، التي تنطلق اليوم الثلاثاء وتستمر يومين في لاهاي بهولندا، وقد استطاع أن يدفع شركاءه في الحلف لضخ المزيد من الأموال في ميزانيته التي يتذمر -منذ عودته للبيت الأبيض- من تحمل أعبائها.
وقد أثمرت الضغوط الأميركية موافقة دول الحلف على رفع إنفاقها العسكري بنسبة 5% بحلول عام 2035، على أن تشمل الخطة المرتقبة إنفاق 3.5% من ناتجها المحلي الخام على تأهيل ترسانتها الدفاعية من الأسلحة وعدد الجنود. فيما ستخصص 1.5% إضافية لاستثمارات دفاعية أخرى ترتبط بالأمن السيبراني والاستخباراتي والتنقل العسكري.
وعبر قبولهم سقف الإنفاق الذي حدده ترامب، يتطلع الأوروبيون لإقناعه بالحفاظ على التوازنات داخل الحلف، وتجنب أي تخل أميركي مفاجئ وغير محسوب عن الدفاع عن أمن القارة الأوروبية.
ويصر الأمين العام للحلف مارك روته على أن القمة فرصة لإعادة بناء الثقة بين الحلفاء وعدم تفاقم الانقسام بينها، ودعا الأوروبيين للكف عن القلق بشأن العلاقة مع الأميركيين والتركيز على تطوير الخطط الدفاعية للحلف وإعادة تأهيل قدراته.
ورغم تعالي أصوات داخل الحلف لم توار تحفظها على رفع ميزانية الدفاع، أصرت إسبانيا على منحها خيار الخروج عن الإجماع الأوروبي، حيث قال رئيس وزرائها بيدرو سانشيز إن بلاده لن تقدم إلا نسبة 2.1% من ناتجها الداخلي الخام للإنفاق العسكري.
لكن دولا أوروبية أخرى يبدو أنها كانت تستعد منذ أشهر لاتخاذ هذا القرار، في ظل محاولة الأوروبيين إعادة رص صفوفهم وإنقاذ الحلف عبر الاستعداد لأي فك ارتباط عسكري جزئي مع الولايات المتحدة. وكشفت صحيفة فايننشال تايمز أن رفع الإنفاق الدفاعي يندرج أيضا ضمن خطة انتقالية تهدف لجعل الترسانة الدفاعية الأوروبية أقل اعتمادا على واشنطن.
يرى أناند سوندار المختص في السياسات الدفاعية عبر الأطلسي في المركز الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن الرئيس الأميركي ليس مهتما بتعزيز الوحدة عبر الأطلسي أو إعداد التحالف لمواجهة التهديدات المستقبلية، ولكنه راغب في أن يظهر بمظهر الفائز والمنتصر الذي استطاع إخضاع الأوروبيين لشروطه ودفعهم للموافقة على زيادة الإنفاق.
ويضيف للجزيرة نت أن حضور ترامب للقمة بالقدر الذي يمكن أن يشكل قوة دفع تعيد للحلفاء الثقة بأهمية العلاقات عبر الأطلسي، بالقدر الذي يهدد سلوكه السياسي غير المتوقع بتعميق الانقسامات في صفوف أعضائها، خاصة إذا قرر مغادرتها مبكرا على المنوال الذي تصرف به في قمة مجموعة الدول السبع بكندا مؤخرا.
لا يبدو الأمين العام للناتو مشغولا فقط بطبيعة الملفات والتوافقات التي سيستطيع انتزاعها من الدول الأعضاء خلال القمة، ولكن منغمسا أيضا بتدبير حضور ترامب، الذي يحذر حلفاؤه وخصومه معا من تصرفاته ويحاولون التقليل من المفاجآت التي قد تحملها مواقفه المعلنة خلال القمة.
فبعد مغادرة ترامب قمة مجموعة السبع، وجفائه الظاهر في تعاطيه مع الشركاء الأوروبيين وتبادله الاتهامات مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن أسباب مغادرته، تقول صحيفة بوليتيكو إن قيادة حلف الناتو حاولت تجنب أي ارتباك محتمل عبر تقليص أجندة القمة وتجنب المؤتمرات الصحفية المطولة.
وقبل توجهه للمشاركة في القمة، عرض المستشار الألماني فريدريش ميرتس -أمام البرلمان- خطط حكومته لزيادة الإنفاق الدفاعي، في حين يُعِد لإطلاق أكبر عملية إعادة تسليح للجيش في تاريخه منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، متعهدا بجعله "الجيش الأقوى في القارة".
وكانت بريطانيا قد قدمت الشهر الماضي مراجعة لخططها الحربية، تعد الأهم منذ سنوات، حيث قال رئيس وزرائها كير ستارمر إن بلاده ستنفتح على شراكات دفاعية أخرى عبر التوقيع على حلف دفاعي مع الاتحاد الأوروبي لتطوير الصناعات الدفاعية بشكل مشترك.
ويرى بول غيبسون، المسؤول السابق في وزارة الدفاع البريطانية، أن الأوروبيين -ومعهم البريطانيون- قد تأخروا في إعادة هيكلة وتأهيل منظومتهم الدفاعية لسنوات، وأن اللحظة الجيوسياسية الحالية تدفعهم الآن مرغمين وهم أكثر توترا لاتخاذ هذه الخطوة.
ويضيف للجزيرة نت أن الضغط الذي مارسه الرئيس الأميركي على الحلفاء الأوروبيين سرّع في اتخاذهم قرارات ترددوا في تبنيها رغم إدراكهم الضعف الواضح لترسانتهم العسكرية على أكثر من صعيد.
لكن نايك ويتني الباحث الأول في شؤون السياسات العسكرية في المركز الأوروبي للسياسات الخارجية، يحذر في حديث للجزيرة نت، من خطط رفع الإنفاق الدفاعي بشكل متسارع وبمعدل أكبر من اللازم، معتبرا أنه يمكن أن يعيق الجهود الأوروبية لإنقاذ الناتو، ويعقّد عمليات إعادة الهيكلة أكثر مما يخدمها.
في لحظة اختار فيها ترامب قرارا أحاديا دون تنسيق مسبق مع الحلفاء الأوروبيين دعم الحرب الإسرائيلية على إيران، ثم وجّه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، بدا هؤلاء الحلفاء أيضا عاجزين على التأثير في مسار تلك الأحداث.
وعلى الرغم من عدم إدراجه على جدول أعمال القمة، لكن المواجهة بين طهران وتل أبيب والولايات المتحدة تحتل صدارة النقاشات بين الحلفاء.
ترى صحيفة فايننشال تايمز أن الطريقة التي دبر بها ترامب المواجهة "المستعرة" في الشرق الأوسط تؤكد للأوروبيين أنه أكثر مرونة من المتوقع، وأنه لا يتبنى حصرا أجندة انعزالية، ومعني بأمن الحلفاء في لحظات التوتر الصعبة.
لكن المسؤولين الأميركيين لم يواروا انشغال واشنطن بتعزيز حضورها العسكري في مجالات جغرافية أخرى بعيدا عن أوروبا، حيث أعاد وزير الدفاع بيت هيغسيث تذكير الحلفاء الأوروبيين بضرورة تولي مسؤولية الدفاع عن أمنهم القومي، قائلا إن أولويات بلاده الدفاعية تكمن في "مكان آخر".
وفي وقت يعمل فيه هؤلاء الحلفاء على ضمان دعم أكبر لكييف، ينضم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لقادة الحلف خلال اجتماعاتهم في لاهاي دون إدراج لقاء مع الرئيس الأميركي لتجنب أي صدام جديد بينهما.
وطالب زيلينسكي بزيادة الدعم لبلاده باعتبارها خط الدفاع الأول عن أمن الحلف، محذرا من أن أي تباطؤ في الإنفاق والاستعداد العسكري قد ينتهي بدخول مواجهة مع روسيا دون امتلاك القدرة على حسمها. وأعاد في تصريحات صحفية تذكير ترامب بأن موسكو تمثل "العدو الإستراتيجي الأول" للولايات المتحدة، مقللا من أهمية العلاقات الخاصة التي تربط ترامب بنظيره الروسي فلاديمير بوتين .
Voir cette publication sur Instagram
ويرى أناند سوندار الباحث في الشؤون الدفاعية أن ترامب لا يُتوقع أن يوافق على أي بيان يدين روسيا أو يضر بالعلاقات الدافئة مع بوتين الذي يبدو أن ترامب غير قادر على اتخاذ موقف حازم من سلوكه في أوكرانيا.
وقال للجزيرة نت إن روسيا تُعد الشاغل الأمني الأكثر إلحاحا بالنسبة للأوروبيين، في حين طلبت واشنطن بشكل علني منهم التركيز على أمن قارتهم، وقد لا يمنع ذلك من بحث تفاصيل الشراكة القوية بين الحلفاء بخصوص مواجهة المخاطر في منطقة المحيطين الهادي والهندي، دون أن تكون في مقدمة أولويات الحلف.
في المقابل، يشدد الخبير ويثني على الالتزام الظاهري لترامب تجاه الناتو رغم لهجته العدوانية، وأنه على الأوروبيين ألا ينسوا تخليه الواضح عن الحرب الأوكرانية وشكوكهم تجاه دعمه للطموح الروسي. وهي أسباب كافية -برأيه- ليحسم الأوروبيون قرارهم بشأن الدفع بالاستقلالية الإستراتيجية وفك الارتباط عن الولايات المتحدة.