تشهد العاصمة الليبية طرابلس أزمة أمنية جديدة تكشف عن هشاشة المؤسسات السيادية في مواجهة الميليشيات المسلحة، بعد اقتحام مجموعة مسلحة مقر المؤسسة الوطنية للنفط.
هذا الحدث دفع مجلس النواب إلى المطالبة بنقل مقر المؤسسة إلى مدينة أكثر أمانًا، بعيدًا عن نفوذ الميليشيات، فيما هددت الحكومة المكلفة بإعلان حالة " القوة القاهرة" على الحقول والموانئ النفطية.
ويهدد هذا التصعيد بتوقف القطاع النفطي الحيوي وسط تصاعد الفوضى الأمنية التي ألقت بظلالها على العاصمة الليبية والمؤسسة العاملة فيها
اقتحام مقر المؤسسة.. تفاصيل الحادث
أفادت وسائل إعلام محلية أمس الأربعاء أن مجموعة مسلحة تُطلق على نفسها اسم "وحدة السيطرة" اقتحمت مقر المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس، وسيطرت على أجزاء منه.
وذكرت المصادر أن المسلحين كانوا يستقلون سيارات تحمل شعار "مجلس الوزراء – إدارة المهام الخاصة"، حيث طوّقوا المبنى واقتحموا مكتب رئيس مجلس الإدارة، وسيطروا على جزء منه دون إعلان الأسباب.
دعوات لنقل المقر وفتح تحقيق عاجل
دعا رئيس مجلس النواب، المستشار عقيلة صالح، إلى إعادة النظر في موقع مقر المؤسسة الوطنية للنفط ونقله إلى مدينة أكثر استقرارًا، حفاظًا على سلامة العاملين وضمان استمرارية العمل في القطاع الذي يُعد المصدر الأساسي للدخل الليبي.
كما طالب النائب العام بفتح تحقيق فوري وشامل في ملابسات الحادث.
وأوضحت مصادر أن الحادث نفذته 3 مركبات عسكرية رباعية الدفع مجهزة بأسلحة متوسطة، تحمل شعارات " قوة التدخل السريع والسيطرة"، إلى جانب ملصقات تشير إلى ارتباطها بحكومة عبد الحميد الدبيبة المنتهية ولايتها.
تهديدات من الحكومة المكلفة
أعلنت الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان برئاسة أسامة حماد أنها تدرس اتخاذ تدابير احترازية تشمل إعلان حالة القوة القاهرة على الحقول والموانئ النفطية، أو نقل مقر المؤسسة مؤقتًا إلى مدن أكثر أمانًا مثل رأس لانوف أو البريقة.
وأكدت الحكومة أنها لن تقبل أي تدخل من البعثة الأممية في هذه القرارات التي وصفتها بـ"الضرورية والحاسمة"، في ظل الاعتداءات المتكررة على المؤسسة.
مفهوم "القوة القاهرة"
تشير حالة "القوة القاهرة" إلى ظرف طارئ وغير متوقع يجعل تنفيذ الالتزامات التعاقدية مستحيلًا دون وجود تقصير من أحد الأطراف، مما يتيح قانونيًا تعليق تنفيذ العقود، مثل عقود تصدير النفط.
يُذكر أن الحكومة الليبية المكلفة – مقرها بنغازي - تسيطر على نحو 80% من الأراضي الليبية، بما يشمل أهم الحقول والموانئ النفطية، خصوصًا في منطقتي الهلال النفطي (السدرة ورأس لانوف) وحوض مرزق جنوب البلاد.
رد المؤسسة الوطنية للنفط
قللت المؤسسة الوطنية للنفط من أهمية الحادث، ونفت اقتحام مقرها، مؤكدة أن ما حدث كان خلافًا شخصيًا محدودًا في منطقة الاستقبال، وتم التعامل معه على الفور من قبل الأمن الإداري.
وفي المقابل، ترى بعض المصادر الليبية أن رد المؤسسة الهادئ قد يكون صادرًا تحت التهديد، نظرًا لمحاصرتها من قبل الميليشيات.
سجل الاعتداءات المتكرر
قالت نجوى البشتي، رئيسة قسم العقود السابقة بالمؤسسة، إن الهجوم الأخير ليس الأول من نوعه، مشيرة إلى حادثة سابقة في 2018 تسببت في أضرار مادية وإصابة موظفين، مع وفاة أحدهم.
وأوضحت في تصريح خاص لـ"سكاي نيوز عربية" أن الميليشيات تسيطر على العاصمة وتتحكم في التعيينات داخل المؤسسة والشركات التابعة لها، مما يؤثر سلبًا على استقلالية القرار.
وأضافت أن نقل المؤسسة أو إعلان القوة القاهرة سيواجه معارضة من "أصحاب المصالح" الذين يرون في بقاء المؤسسة في طرابلس ضمانًا لاستمرار نفوذهم، مشيرة إلى أن المجتمع الدولي قد لا يعترف بهذه القرارات، ما قد يؤدي إلى تدخل دولي لإعادة تدفق النفط.
تهديد لأمن الطاقة العالمي
في حديثه لـ"سكاي نيوز عربية"، أكد المحلل الاقتصادي علي الفارسي أن أي اعتداء على المؤسسة يشكل تهديدًا مباشرًا للاقتصاد الليبي واستقرار إمدادات الطاقة عالميًا، لا سيما في ظل التحديات الراهنة.
وأشار إلى احتمال فرض عقوبات دولية على بعض الجماعات المسلحة التي تسعى للسيطرة مجددًا على القرار الاقتصادي داخل المؤسسة، عقب مقتل شخصية نافذة مؤخرًا.
عواقب اقتصادية
من جانبه، حذر الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الحميد الفضيل من أن إعلان حالة القوة القاهرة قد يحمل تداعيات كارثية على الاقتصاد الليبي.
وأوضح في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية" أن 95% من عائدات النقد الأجنبي تأتي من النفط، والميزانية العامة تعتمد بأكثر من 98% على هذه العائدات.
وأكد أن إغلاق الحقول والموانئ سيؤدي إلى عجز مالي كبير قد يمنع الحكومة من دفع رواتب القطاع العام، الذي يمثل أكثر من 60% من الإنفاق العام، كما سيزيد من عجز ميزان المدفوعات، الذي بلغ 5.2 مليار دولار العام الماضي، و4.5 مليار دولار خلال الأربعة أشهر الأولى من العام الحالي.
وأضاف أن استمرار هذه الأزمة سيؤدي إلى استنزاف الاحتياطي النقدي لدى المصرف المركزي، مما سيُجبر على تخفيض جديد لقيمة الدينار الليبي، الأمر الذي سينعكس سلبًا على القوة الشرائية، ويؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم وزيادة معدلات الفقر في البلاد.