في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في لبنان، كل عبارة تُقال في السياسة تُقرأ بعين الأمن، وكل إشارة تُبث من خارج الحدود قد تفتح أبواب تأويلات لا تنتهي. هذا تماما ما حصل مع التصريحات الأخيرة للسفير الإيراني في بيروت، مجتبى أماني، والتي أثارت تساؤلات عميقة حول مستقبل "سلاح حزب الله"، والأكثر حساسية: هل وافقت إيران، فعلا، على بحث فكرة تسليم السلاح أو إعادة النظر في دوره؟
وفي معرض رده على أسئلة صحفية، قال السفير الإيراني:"الدول التي تخلّت عن أسلحتها الدفاعية، كما حصل في ليبيا والعراق و سوريا، لم تجنِ سوى الاحتلال والانهيار".
تصريح لم يُشر مباشرة إلى " حزب الله"، لكن وقع الكلمات، وسياقها الإقليمي، جعلا من الجملة مفتاحا لسيل من التحليلات.
فهل كان هذا التصريح رفضا ضمنيا لأي طرح يتعلق بنزع سلاح الحزب، أم محاولة استباقية لتثبيت مشروعية هذا السلاح في المعادلة اللبنانية؟
استدعاء السفير... رسالة رسمية لبنانية مشفّرة
رد الدولة اللبنانية جاء سريعا، فقد تم استدعاء السفير مرتين خلال أسبوع واحد إلى وزارة الخارجية، في إشارة غير اعتيادية على امتعاض رسمي من تصريح يُنظر إليه على أنه تدخل في الشؤون السيادية.
مصادر دبلوماسية أفادت بأن الجانب اللبناني نقل للسفير الإيراني رسالة مفادها أن “لبنان لا يقبل أن يُستخدم منبره للترويج لمواقف تتعارض مع سيادته ومقتضيات الأمن الوطني”.
لكن خلف الأبواب المغلقة، قرأت بعض الأوساط هذه الاستدعاءات كرسائل إقليمية – دولية مرسلة عبر بيروت إلى طهران: (كفّوا عن دعم السلاح غير الشرعي، أو على الأقل، أعيدوا صياغة الخطاب).
رؤية قانونية: قراءة في المضمون والدلالة
قدّم هادي دلول، أستاذ القانون الدولي، في تصريح خاص الى برنامج التاسعة على "سكاي نيوز عربية" قراءة تحليلية لمضمون كلام السفير الإيراني، مؤكدا أن الحديث لا يحمل في جوهره التزاما واضحا ولا قرارا فعليا.
وقال دلول: "من الناحية القانونية، لم ترد في تصريحات السفير أي صيغة ملزمة تشير إلى نية الدولة الإيرانية تسليم أو سحب أو حتى مناقشة مصير سلاح حزب الله".
لكنه لفت إلى أن اللهجة الدبلوماسية الجديدة تعكس نوعا من "البراغماتية السياسية"، حيث تتجه طهران، وفق تعبيره، إلى تخفيف حدة خطابها في الملفات الخلافية، تماشيا مع التحولات الإقليمية وضغوط العقوبات والحوار مع الغرب.
سلاح الحزب... من ورقة قوة إلى عبء تفاوضي؟
في السنوات الماضية، كان سلاح حزب الله يُقدَّم كأداة ردع ضد إسرائيل، وضمانة لحماية لبنان وفق ما يراه الحزب نفسه وحلفاؤه.
لكن مع تبدل الأولويات الإيرانية، خصوصا بعد الاتفاقات الإبراهيمية، والمفاوضات النووية المتعثرة، بدأ الحديث في طهران يأخذ شكلا أكثر حذرا.
مصادر متابعة تؤكد أن إيران لم تعد ترى في سلاح حزب الله "ورقة رابحة" بالمطلق، بل باتت توازن بين كلفته وفعاليته في ظل التوازنات الجديدة.
هذا لا يعني أنها على وشك سحب دعمها، ولكن ربما على وشك إعادة "تموضع" هذا الدعم ضمن إطار سياسي جديد، أكثر ليونة وانضباطا.
السيناريوهات المحتملة: ما بعد التصريح الإيراني
هل وافقت إيران على تسليم سلاح حزب الله؟
الإجابة الدقيقة حتى اللحظة: لا. لكن إيران – على ما يبدو – باتت تدرك أن استمرار دعم السلاح بشكله الحالي أصبح ملفا ضاغطا، داخليا وخارجيا، وهي تميل إلى إعادة صياغته سياسيا بدلا من إلغائه عسكريا.
ولذلك، فإن تصريح السفير أماني ليس إعلان نوايا حقيقية، لكنه أيضا ليس مجرد زلة لسان، إنه جزء من خطاب إيراني جديد يحاول أن يوازن بين التمسك بالنفوذ والاعتراف بتغير قواعد اللعبة الإقليمية.