تحولت زيارة دبلوماسية كان يُفترض أن تشهد توقيع اتفاق المعادن النادرة بين أوكرانيا والولايات المتحدة، إلى حديث العالم، بعد نشوب مشادّة كلامية أمام الصحفيين بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونائبه جي دي فانس من جهة، وضيفهما الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
ودخل الثلاثي في جدال محتدم داخل إحدى غرف البيت الأبيض بحضور عدد من الصحفيين.
ولم يُوقّع اتفاق المعادن كما كان مفترضاً، كما طُلب من زيلينسكي مغادرة البيت الأبيض.
وصرّح ترامب للصحفيين بعد ذلك، قائلاً إنه لا يعتقد أن زيلينسكي يريد السلام، ليظهر زيلينسكي بعد ذلك في لقاء مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية ويقول إنه يأسف للطريقة التي انتهى بها ذلك الاجتماع، لكنه يعتقد أن "العلاقات يمكن إنقاذها".
وتوالت ردود الفعل في أوكرانيا على لقاء ترامب وزيلينسكي، من الكتّاب والمحللين والسياسيين والمواطنين العاديين، بعضها داعم للرئيس الأوكراني، وأخرى معبرة عن الصدمة من تحول شكل العلاقة بين بلدين حليفين.
وقالت النائبة الأوكرانية ليزا ياسكو لبي بي سي، إن المشادة بين ترامب وزيلينسكي في البيت الأبيض كانت "صادمة، خاصة للأوكرانيين العاديين الذين لا يزالون يظنون أن الولايات المتحدة والغرب يساعدون أوكرانيا".
وأضافت ياسكو أن أوكرانيا تريد إنهاء الحرب، لكنها تريد كذلك "الاحترام، وعدم تناسي من هو المعتدي".
وكتبت صحيفة "كييف إندبندنت" في افتتاحيتها، بأن الوقت قد حان "لقولها بصراحة، فالولايات المتحدة غيّرت الجانب الذي تقف معه في الحرب".
وقال السياسي الأوكراني من أصل أفغاني، مصطفى نعيم، إن إدارة ترامب ترى أوكرانيا كـ "عقبة مزعجة في عالمها المريح المكون من الصفقات تحت الطاولة والمصافحات السرية".
وقال الصحفي دينيس كازانسكي، إن الرئيس الأوكراني وُضع في موقف مستحيل حين اتهمه نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس بعدم الامتنان، فـ "كان الأمر سيبدو مهيناً لو اكتفى زيلينسكي بالإيماء برأسه".
وتساءل الخبير العسكري الأوكراني، ميكولا بيليسكوفي، عن كيفية إصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة قائلاً: "كيف نبني ونطور علاقات بمنفعة متبادلة عندما لا يسمعوننا ويتجاهلون مصالحنا؟ ليس لدي أي فكرة".
وعبّرت النائبة المعارضة في البرلمان الأوكراني، إينا سوفسون، عن دعمها للرئيس زيلينسكي، وقالت: "شعرنا بشعور قوي بالظلم لأن هذه ليست الطريقة التي يجب أن نُعامل بها. نحن الأمة التي تعرضت للهجوم، ومع ذلك فهذا هو الدعم الذي نحصل عليه من أكبر دولة ديمقراطية في العالم"، وأضافت: "لم نتوقع هذا المستوى من العدوانية تجاه رئيسنا".
وتحدّثت بي بي سي مع عدد من الأوكرانيين في كييف، حيث قالت يوليا، وهي مواطنة أوكرانية: "كانت مناقشة مشحونة بالعواطف، لكنني أفهم رئيسنا، لم تكن دبلوماسية ربما، لكنها كانت صادقة. فهي تتعلق بالحياة، نريد أن نعيش".
أما أندري، 30 عاماً، فقال: "لقد كانا فظّين للغاية" – يقصد ترامب ونائبه فانس – "إنهما لا يحترمان الشعب الأوكراني".
وقال دميترو، 26 عاماً: "يبدو أن واشنطن تدعم روسيا".
وفي لفيف غربي البلاد، تفاعل أوكرانيون مع لقاء ترامب وزيلينسكي، وقال أحد السكّان: "يبدو أنه شريك لروسيا"، في إشارة إلى الرئيس الأمريكي.
وقال شخص آخر إنه يعتقد أن على أوروبا أن تكون "فاعلة أكثر" من الناحية الاقتصادية ومن ناحية الدعم العسكري.
وفي أحدث ردود الفعل الأوروبية والدولية على لقاء ترامب وزيلينسكي، قالت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، إن "الخلاف الذي لا يوصف" بين ترامب وزيلينسكي "أكد أن عصراً جديداً من العار قد بدأ". وأضافت في بيان متلفز: "للأسف، لم يكن هذا حلماً سيئاً، بل واقعاً ثقيلاً".
أما رئيس الوزراء النرويجي، يوناس غار ستوره، فقال إن حكومته ستطلب من برلمان البلاد زيادة الدعم الاقتصادي لأوكرانيا، وأضاف أنه "من الضروري" أن تساهم الولايات المتحدة مع أوروبا في "سلام دائم".
وقال رئيس وزراء جمهورية التشيك، بيتر فيالا، إن أوروبا "يجب أن تهتم بأمنها ومستقبلها. فلا أحد آخر سيفعل ذلك من أجلها". وأضاف: "أوروبا تواجه اختباراً تاريخياً".
أما رئيس وزراء سلوفاكيا، روبرت فيتسو - وهو ناقد صريح لدعم الاتحاد الأوروبي لكييف في الحرب - فكرر أن بلاده لن تدعم أوكرانيا عسكرياً أو مالياً لمواصلة الحرب ضد روسيا. وقال إن أوكرانيا "لن تكون أبداً قوية بما يكفي للتفاوض من موقع قوة عسكرية".
وقال الرئيس البولندي، أندجي دودا، إن زيلينسكي يجب أن "يعود إلى طاولة المفاوضات"، مضيفاً أنه "لا يرى أي قوة أخرى في العالم غير الولايات المتحدة يمكنها وقف العدوان الروسي على أوكرانيا".
وخلاله استقباله الرئيس الأوكراني زيلينسكي في لندن، أعاد رئيس وزراء المملكة المتحدة، كير ستارمر، التأكيد على دعم المملكة المتحدة لأوكرانياً، قائلاً: "نحن نقف مع أوكرانيا مهما طال الأمر"، مشيراً إلى وجود "تصميم لا يتزعزع" لتحقيق سلام دائم في أوكرانيا.
من جهته قال الأمين العام لحلف الناتو مارك روته، لبي بي سي، إنه تحدث مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مرتين بعد الاجتماع في البيت الأبيض.
وأضاف أنه أخبر زيلينسكي بأن "علينا احترام" ما فعله ترامب لأوكرانيا حتى الآن.
وتابع روته بالقول إن زيلينسكي يجب أن "يجد طريقة" لاستعادة علاقته مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب بعد أن تصادما في البيت الأبيض.
وفي أحدث ردود الفعل الروسية على اللقاء، وصفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، زيارة فولوديمير زيلينسكي إلى واشنطن يوم الجمعة بأنها "فشل دبلوماسي كامل لكييف".
وأضافت زاخاروفا أن الرئيس الأوكراني "مهووس" بإطالة أمد الحرب، مشيرة إلى أن هدف موسكو يبقى "نزع سلاح" أوكرانيا وضم جميع الأراضي التي تحتلها روسيا حالياً.
وتابعت زاخاروفا: "بسلوكه الفظ بشكل فاضح خلال وجوده في واشنطن، أكد زيلينسكي أنه التهديد الأكثر خطورة للمجتمع الدولي كمحرض غير مسؤول على حرب كبيرة".
وتفاعلت كذلك وسائل الإعلام الأمريكية مع لقاء ترامب وزيلينسكي، وعرضت شبكة فوكس نيوز عنواناً عريضاً على شاشتها مكتوب فيه: "مخاوف من الحرب العالمية الثالثة"، وذلك خلال ترويجها لمقابلة أجرتها مع زيلينسكي.
وجاء في العنوان الرئيسي في الصفحة الأولى لبلومبرغ: "خلاف زيلينسكي مع ترامب يترك الحلفاء في مواجهة كارثة".
أما صحيفة واشنطن بوست، فتقول إن "الاجتماع الناري" في المكتب البيضاوي "يقلب صفقة ترامب للسلام بين روسيا وأوكرانيا رأساً على عقب".
واستشرفت شبكة "سي إن إن" ما سيحدث بعد اللقاء، وقالت في عنوانها الرئيسي: "القادة الغربيون يتدافعون لدعم أوكرانيا".
وكتب أنتوني فيشر، من محطة "إن إس إن بي سي": "اجتماع ترامب في المكتب البيضاوي مع زيلينسكي كان لحظة مخزية لأمريكا".
فيما أشارت صحيفة نيويورك تايمز إلى أن اللقاء يدلل على "الثورة التي يقوم بها ترامب في السياسة الخارجية".