آخر الأخبار

قصة الهزيمة التي صنعت النصر

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

كانت معركة ردع العدوان حالة عسكرية فريدة من نوعها، إذ جرى إسقاط نظام الأسد خلال أحد عشر يومًا بقوة عسكرية أقل بكثير مما قد يحتاج إليه مثل ذلك. شكلت التحضيرات العسكرية والإستراتيجية جزءًا أساسيًّا من العملية ومدخلا أساسيا لفهم طبيعتها، أدّت هيئة تحرير الشام والفصائل المتعاونة معها دورًا بارزًا في هذا الشأن على مستوى فصائل المعارضة وعلى مستوى جيش الأسد وحلفائه. فكيف استعدت الفصائل لهذا اليوم؟

تهدف هذه المقالة إلى تسليط الضوء على التحضيرات التي قامت بها هذه الفصائل لعملية "ردع العدوان"، مع التركيز على الأساليب والوسائل التي تم تبنيها لتحقيق هذا الهدف.

عصر الهزائم

مع إعادة جيش الأسد السيطرة على مدينة سراقب الإستراتيجية بعد تحريرها من قبل قوات المعارضة، توقفت حقبة زمنية من الهزائم العسكرية لقوات المعارضة امتدت أكثر من 3 سنوات، بدأت منذ عام 2018 بسيطرة جيش الأسد على مطار "أبو ضهور" العسكري وما

مصدر الصورة بيان للجيش السوري حول السيطرة على مطار أبو ضهور 2018 (مواقع تواصل)

يعرف بمنطقة شرقي سكة القطار بأرياف إدلب الشرقية وحلب الجنوبية، حيث اضطرت هيئة تحرير الشام ومعها فصائل غرفة عمليات الفتح المبين إلى الانحسار إلى منطقة جغرافية ضيقة جدا في شمال غرب سوريا، وكذلك إلى تقبّل خسارة جغرافيا كانت خزانًا بشريًّا لقوات المعارضة خاصّة هيئة تحرير الشام.

إعلان

هذه الهزائم أجبرت كلًّا من الفصائل العسكرية في شمال غرب سوريا وسكان تلك المناطق على اتخاذ خطوات كان لها الدور الأبرز في تغيير وجه قوات المعارضة وحاضنتها البشرية بشكل أدى في نهايته إلى معركة ردع العدوان وإسقاط نظام الأسد.

فصائل المعارضة أصبحت مقتنعة تمامًا بأنه لا بد لها من إجراء مراجعات حقيقية وتغييرات جذرية على أعلى المستويات في كل من السياق الهيكلي التنظيمي والعسكري الميداني والسياسي والإعلامي؛ إذ أثبتت الهزائم الأخيرة إضافة إلى الشعور بأن نهاية الثورة السورية أصبحت قاب قوسين أو أدنى، أن إعادة استخدام المُدخَلات القديمة المتمثلة بأدوات التيار الجهادي تنظيميًّا وعسكريًّا ستؤدي في النهاية إلى مخرجات متطابقة مع المخرجات التي حصدوها خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة قبل سكون جبهات القتال.

أما أهالي المناطق التي سيطر عليها جيش الأسد وبعد خسارتهم لمناطقهم التي حرروها منذ عام 2012 وانتقالهم إلى العيش في مخيمات النزوح، فقد وصلوا إلى اقتناع مفاده أنه يجب أن ندفع بأبنائنا إلى القتال مع الفصائل العسكرية للعمل من أجل العودة إلى ديارنا، وكذلك أن نمنع أنفسنا من الاعتراض المستمر على إدارة المنطقة لأن استمرار حالة الخلاف والنزاع سيؤدي إلى سقوط كل المحرر تباعًا، وكذلك يجب التدخل بقوة من خلال وجهاء مجتمعات تلك المناطق لمنع اندلاع أي قتال فصائلي داخلي سيؤدي في المحصلة إلى إضعاف قوة الثورة وتشظي طاقتها بدل تركيزها على جيش الأسد لهزيمته وإعادة النازحين إلى مدنهم وقراهم.

كل ما سبق أوجد حالة من التناغم الإيجابي وغير المقصود بين الفصائل العسكرية وحاضنتها الاجتماعية، وكذلك إرادة حقيقية من هيئة

مصدر الصورة أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع لاحقًا) قائد هيئة تحرير الشام (مواقع التواصل الاجتماعي)

تحرير الشام والفصائل العسكرية معها للسعي بشكل جدي لإنقاذ الثورة من الموت الذي كان يحدّق فوق رأسها مع التقارب العربي مع الأسد والرسائل الإيجابية من تركيا والاتحاد الأوروبي للأسد بهدف اللقاء معه وفتح صفحة جديدة من العلاقات يسودها التفاهم لا الخلاف.

إعلان

كل شيء يبدأ من البيت الداخلي

أدركت هيئة تحرير الشام والفصائل المتحالفة معها أنه من الواجب العمل على تغيير الإستراتيجية المتّبعة في العمل حتى تتلافى أولا إمكانية الهزيمة مرة أخرى في حال هاجم جيش الأسد المناطق المحررة ثانية وأيضًا للتجهيز لعمل عسكري هجومي يستطيع قلب الطاولة على الأسد وإسقاط نظامه.

على الصعيد الفصائلي بدأت هيئة تحرير الشام جمع الفصائل العسكرية المقاتلة تحت مظلة إدارية وعسكرية واحدة بهدف توحيد الجهود العسكرية والسيطرة على قرار السلم والحرب وتوزيع الجهد العسكري لقوى هذه الفصائل على الجبهات الأهم فالأهم تبعًا للبُعد العسكري وليس للبعد المناطقي، فأغلب الفصائل كانت تولي أهمية للمنطقة التي انبثقت منها وبالتالي فهي تجعل جميع الأولويات تبدأ منها وهذا ما أدى إلى سقوط الكثير من المناطق المهمة لأن أبناءها لم يكونوا قادرين بمفردهم على الدفاع عنها ولأن أبناء المناطق الأخرى كانوا يهتمون بمناطقهم أولًا.

بعض الفصائل قاومت هذه الإرادة وتمت إزالتها بالسلاح لمنع أي محاولة لشق الصف وكذلك لمنع أي نشاط عسكري لتنظيم عابر للحدود وبالتحديد هنا كان تنظيم حراس الدين هو أبرز التشكيلات التي تمت إزالتها بالقوة العسكرية لرفضه الانضواء تحت مظلة هذه الغرفة. في جانب آخر بدأت هيئة تحرير الشام والفصائل المتحالفة معها في إدلب حملة تقارب مع عدد من فصائل الجيش الوطني في شمال حلب بهدف توسيع نطاق نفوذها ولكسب ما يمكن كسبه من هذه الفصائل إلى جانبها في حال بدء أي عمل عسكري ضد جيش الأسد.

مصدر الصورة عناصر من الجيش الوطني السوري في عفرين بريف حلب/ سوريا (الجزيرة)

على الصعيد العسكري أسست هيئة تحرير الشام أكاديمية عسكرية لضبط المنهج العلمي العسكري داخل صفوفها على مستوى القادة ومستوى الأفراد، كما أنها أولت اهتمامًا كبيرا لضمان تحقيق التطابق الفعلي بين إمكاناتها العسكرية ومستوى قادتها وجنودها وبين طبيعة خصمها العسكرية وإمكاناته وحلفائه بحيث تستطيع تحقيق أكبر فائدة ممكنة من إمكانياتها ذات الأثر التكتيكي على المستوى الإستراتيجي، وذلك من خلال استبدال التشكيلات القتالية الكبيرة واستحداث تشكيلات صغيرة سريعة الحركة خفيفة التسليح قادرة على تطبيق نماذج قتالية مشابهة لتلك المعتمدة في الجيش البريطاني.

إعلان

و تقوم ال عقيدة العسكرية على حاملين رئيسيين هما الحامل الديني التربوي المحلي المعتدل المختلف نوعًا ما عن السلفية الجهادية المعروفة في التيارات السلفية الجهادية، والحامل السياسي الوطني بديلًا عن المشروع العابر للحدود تحت المظلة الدينية فقط، على صعيد آخر أولت هيئة تحرير الشام والفصائل المتحالفة معها أهمية كبيرة للتطوير والتصنيع العسكري حيث ركزت على تطوير أسلحة معينة تستطيع تحقيق الهدف التالي "الأثر الكبير بالتكلفة البسيطة"، وكان من أبرز ما تم تطويره سلاح المسيّرات بكل أنواعها وعلى رأسها طائرات الشاهين، وسلاح الصواريخ بكل أنواعها وعلى رأسها سلاح صاروخ زؤام.

فيما يخص المسيّرات فمع بدء تنظيم الدولة (داعش) استخدام المسيّرات لأغراض قتالية بعد أن كانت تُستخدم لأغراض الاستطلاع والتوثيق المرئي للمعارك بدأت الفصائل الثورية أيضًا تطوير هذا السلاح لتنفيذ مهام أكبر من رمي قنابل صغيرة، واستمرت عملية تطوير سلاح المسيّرات على صعيد وزن القنبلة المحمولة والمسافة المقطوعة والإصابة الدقيقة حتى وصلت إلى الاستعاضة عن قذائف المدفعية الميدانية غير الدقيقة بالمسيّرات الانتحارية ذات المحرك الصاروخي والقدرة التدميرية الكبيرة، وهنا لا بد من ذكر أن استخدام القوات الروسية للمسيّرات الانتحارية ضد أهداف مدنية وعسكرية بشكل مكثف في الأشهر الأخيرة قبل المعركة دفع هيئة تحرير الشام إلى تركيز جهد كبير في هذا المجال لتحقيق توازن مع الروس في هذا السياق.

أما فيما يخص سلاح الصواريخ فقد طوّرت هيئة تحرير الشام صناعته لدرجة وصلت إلى أن تستبدل بالعربات الانتحارية الصواريخ الشديدة الانفجار الدقيقة التوجيه والإصابة، كما وقع في أثناء الهجوم على جيش الأسد في الفوج 46 بالقرب من مدينة الأتارب غرب حلب، إذ انتشر خبر بين عناصر جيش الأسد بأن الهجوم على النقطة الدفاعية الكبرى في هذا الموقع العسكري تم عبر عربة مفخخة ليظهر لاحقًا أنه صاروخ موجّه شديد الانفجار.

أما في مجال الاستخبارات فقد طورت الهيئة ثلاث أدوات لاختراق جيش الأسد. الأداة الأولى تتعلق بشبكة الاتصالات العسكرية الخاصة بالنظام وذلك من خلال الوصول إلى الترددات اللاسلكية التي يعتمدها جيش الأسد والإيرانيين؛ لتحقيق عدة أهداف أولها التنصت فترات طويلة عليهم وبالتالي معرفة تحركاتهم وآلية عملهم ومراكز القيادة والسيطرة ومن يوجد فيها ومن هم أصحاب القرار في جبهة حلب، ثانيها التشويش عليهم عند الإغارة على مواقعهم في السنوات السابقة لردع العدوان، وتأخير عمل منظومة القيادة والسيطرة عن الاستجابة السريعة للتعامل مع هجمات كهذه، ثالثها اختراق هذه المنظومة أثناء معركة ردع العدوان لإعطاء عناصر جيش الأسد أوامر متضاربة مع الأوامر التي تأتي من قيادة ضباطهم في تلك المنطقة، وهذا ما أوجد حالة من الخوف وعدم الثقة بالأوامر التي تأتي خوفًا من أن تكون مصيدة للجنود؛ مما دفع الجنود إلى اتخاذ قرارات فردية غالبها كان الانسحاب للحفاظ على أرواحهم وهذا ما أدى إلى انهيار منظومة القيادة والسيطرة لدى جيش الأسد في جبهة حلب ثم انهيارها كلّيًّا.

والأداة الثانية هي تأهيل فريق متخصص بالاتصالات الخليوية المدنية استطاع اختراق السيرفرات الرئيسية لشبكة الاتصالات المدنية (MTN) وإرسال رسائل إلى الضباط الكبار في جيش ومخابرات الأسد تحثهم على الانشقاق وترك نظام الأسد مقابل ضمانات بعدم التعرض لهم في حال عم انخراطهم بالقتال، إضافة إلى إرسال رسائل إلى الضباط أصحاب الرتب العالية والعاملين على خطوط الجبهات تأمرهم بضرورة الانسحاب وإيقاف القتال بشكل يتضارب مع الأوامر التي تأتي عبر شبكة الاتصالات اللاسلكية العسكرية بالتزامن مع انتشار الأخبار التي تفيد باختراق هذه الشبكة؛ مما دفع الضباط إلى تنفيذ الأوامر التي تأتي عبر شبكة الاتصالات اللاسلكية المدنية لاعتقادهم بأنها غير مخترقة، وهو ما أدى تباعًا إلى تحييد قطع عسكرية كبيرة عن القتال في هذه المعركة.

مصدر الصورة عنصر من ردع العدوان أمام نواعير حماة (الجزيرة)

أما الأداة الثالثة فهي اختراق تحركات القادة الاستخباريين والعسكريين لكل من نظام الأسد وإيران في مدينة حلب عبر زرع خلايا نائمة بينهم لدراسة تحركاتهم وأماكن اجتماعاتهم، هذا الاختراق ساهم في الوصول إليهم بعد انطلاق المعركة حيث كانوا يجتمعون بشكل مستمر لدراسة الخيارات المتاحة للتصدي لهجوم فصائل المعارضة فوقع الهجوم عليهم وتصفية أغلبهم بعملية فدائية لجنود من خلف الخطوط في جهاز الأمن العام بهيئة تحرير الشام؛ إذ تمكنوا من اغتيال العميد كيومرث بورهاشمي المعروف بالحاج هاشم وهو المسؤول العام عن المستشارين العسكريين الإيرانيين في حلب وكذلك عدد من ضباط الأمن والمخابرات السوريين؛ وبذلك تم توجيه ضربة قاضية لمنظومة القيادة والسيطرة لكل من قوات الأسد والقوات الإيرانية والتشكيلات العسكرية الرديفة لها؛ مما انعكس على ميدان المعركة بسقوط مدينة حلب بدون مقاومة حقيقة وهروب جميع التشكيلات العسكرية التابعة لإيران ونظام الأسد من المدينة باتجاه مدينة حمص ودمشق بهدف تجميع قوتهم العسكرية لشن هجوم مضاد.

إعلان

على الصعيد الحكومي فقد زادت هيئة تحرير الشام من توسيع مهام حكومة الإنقاذ التي أنشأتها عام 2017 من خلال إدخال كوادر مدنية تكنوقراطية فيها للتدريب على ممارسة الحكم وإدارة المرافق العامة وتأمين الخدمات الرئيسية للناس وجمع الضرائب للحكومة؛ وبذلك استطاعت هيئة تحرير الشام عبر ذراعها المدني "حكومة الإنقاذ" إدخال عدد كبير من الكوادر السورية في مشروعها الإستراتيجي دون أن ينتسبوا تنظيميًّا إلى الهيئة، وهذا ما أدى إلى خروج الهيئة من القوقعة التي كانت تحبس نفسها بها على المستوى البنيوي من خلال الامتناع عن العمل مع أي كادر خارج دائرتها التنظيمية، هذا الانفتاح أكّد بشكل كبير تحوّل الهيئة من تنظيم جهادي عابر للحدود إلى مشروع سياسي محلي يعكس هوية المجتمع المحافظ الذي ولد فيه ويُمثّل أبناءَه على المسرح السوري العسكري والسياسي.

سياسيًّا كانت هيئة تحرير الشام والفصائل المتحالفة معها تسير بخطوات ثابتة نحو تقديم صورة عنها تتسم بالواقعية السياسية تحت المظلة الوطنية السورية التي تتشارك فيها مع نسيج متنوع من الأعراق والأديان، بدأ ذلك من خلال السماح للمسيحيين في ريف إدلب بإقامة صلواتهم بدون أي مضايقات، وكذلك زيارة قائد تحرير الشام لقرى أبناء الطائفة الدرزية في إدلب لطمأنتهم وسماع مشاكلهم والتأكيد على أن الأخطاء الماضية لم تقع بقرار من قيادة الهيئة وأنه قد تمت محاسبة مرتكبي هذه التجاوزات.

ثم تجلت بوضوح حالة النضج السياسي لهيئة تحرير الشام من خلال البيانات التي نشرتها أثناء معركة ردع العدوان والتي تطمئن فيها شرائح عرقية ودينية في سوريا وتؤكد أنهم جزء أصيل من النسيج السوري، إضافة إلى إرسال رسائل طمأنة إلى عدد من حكومات الإقليم والعالم ومنها ما كان يسير في مسار تقارب وتطبيع مع نظام الأسد كالمملكة الأردنية أو كان داعمًا مباشرًا للأسد في المعركة ضد ثورة الشعب السوري كدولة روسيا الاتحادية أكدت هيئة تحرير الشام فيها على أن لا مشكلة بينها وبين تلك الدول إلا أنها تساند الأسد ضد شعبه والتذكير بأن مصالح تلك الدول هي مع الشعب السوري وليست مع النظام المجرم الذي يرتكب المجازر بحق شعبه.

إعلان

ولعل من أبرز ما يمكن رصده كتحضير لعملية ردع العدوان في السياق السياسي إنشاء هيئة تحرير الشام عبر حكومة الإنقاذ لكلية العلوم السياسية في إدلب عام 2023 كصرح أكاديمي يتم من خلاله الانفتاح على الكفاءات العلمية السياسية في العالم، وكذلك تُصقَلُ فيه الهوية السياسية الجديدة للهيئة وفصائل إدلب ثم يتم تلقينها للكوادر البارزة في تحرير الشام والمثقفين من الشباب السوري في المناطق المحررة؛ مما أدى لاحقًا إلى ظهور تجانس سياسي وفكري بين القيادات والقواعد البشرية انعكس على أدائهم في التعامل مع المجتمعات التي تمت السيطرة عليها ونتجت عنه حالة من الدعم الشعبي لعملية ردع العدوان وضرب لسردية نظام الأسد القائلة بأن قوات المعارضة ستقوم بالتنكيل بهذه المجتمعات إذا وصلت إليها وأن الأسد يقوم بحمايتهم من هذه التنظيمات.

معرفة الخصم تضمن النصر

"إن كنت تعلم قدراتك وقدرات خصمك، فما عليك أن تخشى من نتائج مئة معركة، وإن كنت تعرف قدرات نفسك وتجهل قدرات خصمك فلسوف تعاني من هزيمة ما في كل نصر مكتسب، أما إن كنت تجهل قدرات نفسك وتجهل قدرات عدوك فالهزيمة المؤكدة هي حليفك في كل معركة"


* المفكر العسكري الصيني صون تزو

بعد التحضير النظري العسكري الذي قامت به هيئة تحرير الشام عبر أكاديميتها العسكرية وإدراك ما تستطيع قوتها فعله بدأت دراسة خصمها بشكل تفصيلي لضمان تحقيق النصر عند اندلاع الحرب كما قال صون تزو، وكان ذلك من خلال تطوير سلاح استطلاع يهتم بتفكيك قوات جيش الأسد وحلفائه على خطوط التماس من خلال معرفة أنماط تحصيناتهم ونماذج توزيع نيرانهم والضباط الذين يديرون محاور القتال وعلاقة هؤلاء الضباط بجنودهم وعلاقة كل تشكيل عسكري بالتشكيلات الأخرى، وهو ما عُرِفَ لاحقًا بملفات "هوية وقوام العدو" التي ساعدت على تعرية خطوط نظام الأسد على جميع جبهات التماس أمام قيادة الهيئة العسكرية وساعدت لاحقًا على توجيه ضربات حاسمة يمكن وصفها بالعمليات الجراحية الدقيقة أدت في النهاية إلى سقوط هذا الخصم الذي يشبه المريض الذي يعيش على أجهزة التنفس الاصطناعي.

إعلان

بالتوازي مع دراسة الخصم المتأنيّة والتفصيلية بدأت هيئة تحرير الشام والفصائل المتحالفة معها اختبار الخلاصات التي وصلت إليها عن قوتها وقوة الخصم من خلال شن هجمات مستمرة على نقاط ضعف الخصم لتأكيد هذه الخلاصات أو نفيها أو إجراء تعديلات عليها لجعلها ناجعة وذات نتيجة إيجابية، خلال أعوام 2023 و2024 شنّت الهيئة وحلفاؤها في غرفة عمليات الفتح المبين على نقاط جيش الأسد أكثر من ألفي هجوم تمكنوا من خلالها من رسم خريطة دقيقة لنقاط الضعف لدى خصمهم، تُوِّجت بأن يكون اختيار نقطة الشيخ عقيل بداية لهجوم ردع العدوان الذي تمكن من إسقاط نظام الأسد خلال أحد عشر يومًا.

ماذا تعلمت الهيئة؟

أدركت هيئة تحرير الشام أن عودة الانتصارات التي فقدتها منذ عام 2016 لا يكون بتكرار ما كان ناجحًا في بداية الثورة السورية لأنه لن يكون ناجحًا مع خصم يتعلم بسرعة ويوجِد حلولًا حقيقية لمشاكله، ولذلك بدأت الهيئة أولًا الخروج من عباءة التنظيم الجهادي على المستوى العسكري بتجديد الدماء في جسمها العسكري بإنشاء أكاديمية عسكرية لتعليم تكتيكات جديدة ونظريات حرب مغايرة لتلك التي كانت مُعتمدة في الأدبيات العسكرية للتنظيمات الجهادية، وعلى المستوى السياسي تركت الخطاب العالي السقف والعابر للحدود واستبدت به الخطاب الوطني الذي يجمع كل أطياف سوريا العرقية والدينية تحت مظلة دولة مدنية يفتح باب المشاركة فيها لجميع مكونات سوريا.

إضافة إلى ما سبق فإن فهم طبيعة الخصم العسكرية ونقاط قوته وضعفه وكيف يمكن إسقاطه بضربات دقيقة سريعة، وكذلك فهم طبيعة حلفائه وعلاقتهم فيما بينهم وخاصة على خطوط التماس وما ينتظره كلّ منهم من الآخر؛ ساعد فصائل ردع العدوان على تحييد نقاط قوة حلفاء الأسد بأدوات عسكرية واستخبارية وسياسية.

وأخيرا قراءة المشهد السياسي الإقليمي والدولي والقدرة على قياس قوة كل فاعل فيه سواء كان على مستوى الدولة أو ما دون الدولة، أظهرتا لفصائل ردع العدوان اللحظة المناسبة للبدء في العملية بحيث يكون هؤلاء الفاعلون في أضعف حالاتهم وأكثرها رغبة في التخلي عن حليفهم الهزيل.

إعلان

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا