في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
يذكر الأميركيون جيدا اسم نوشير غواديا، مهندس الطيران الذي ارتبط اسمه بواحدة من أشهر قضايا التجسس في العقدين الأخيرين. وُلد غواديا في مومباي بالهند عام 1944، وفي مرحلة مبكرة من عمره أدرك والداه أن ابنهما نابغ في العلوم والرياضيات، فأرسلاه إلى الولايات المتحدة قبل أن يتم عامه العشرين لدراسة هندسة الطيران، ليحصل لاحقا على الجنسية الأميركية وينضم إلى شركة نورثروب الشهيرة لإنتاج الطائرات عام 1968.
وعلى مدار 18 عاما قضاها داخل الشركة الأميركية، لعب الشاب ذو الأصول الهندية دورًا محوريًا في تطوير نظام الدفع لقاذفة الشبح الأميركية الأشهر "بي -2 سبيريت" (B-2 Spirit)، وقدّم مساهمات فعالة في تصميم فوهات العادم الخاصة بالطائرة، والتي قللت من بصمة الأشعة تحت الحمراء الخاصة بها، مما جعلها أقل قابلية للكشف بواسطة الصواريخ الحرارية.
بعد مغادرته نورثروب عام 1986، أسس غواديا شركة استشارية خاصة استغل خلالها خبرته في تكنولوجيا التخفي، ثم بين عامي 2003 و2005 سافر إلى الصين عدة مرات، حيث قدم عروضًا تفصيلية حول تكنولوجيا التخفي وساعد في تصميم نظام عادم قلل من انبعاثات الأشعة تحت الحمراء في الطائرات الصينية، وكانت تلك العلاقة المهنية مع بكين نقطة تحول في مسيرته.
ففي أكتوبر/تشرين الأول 2005، وبعد تحقيق مطول، ألقى عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي القبض على غواديا في مقر إقامته بجزيرة ماوي في هاواي، ووجهوا إليه تهما متعددة بموجب قانون مراقبة تصدير الأسلحة وقانون التجسس، على رأسها نقل معلومات دفاعية وطنية بشكل غير قانوني إلى كيانات أجنبية، بما فيها الصين.
بدأت محاكمة غواديا في أبريل/نيسان 2010 واستمرت عدة أشهر. وفي أغسطس/آب من العام ذاته، أدين بارتكاب 14 من أصل 17 تهمة وجهت إليه، وبحلول مطلع العام التالي حُكم عليه بالسجن لمدة 32 عاما.
وشملت قائمة التهم التي أدين بها غواديا نقل مجموعة من أسرار تصنيع القاذفة الأميركية "بي -2 سبيريت" إلى الصين، الأمر الذي ساعدها في تطوير خط إنتاج القاذفات الخاص بها، والذي تخشى الولايات المتحدة حاليا أن يتفوق عليها، إذا ما دعت الظروف إلى قتال جوي بين البلدين.
لفهم تعقيدات هذه المعركة المُفترضة، لنتعرف بداية إلى الطبيعة الخاصة جدا لهذه النوعية من الطائرات، فالقاذفة نوع من الطائرات المصممة خصيصًا لمهاجمة الأهداف البرية والبحرية بإسقاط القنابل أو إطلاق الصواريخ، وتتخصص بشكل أساسي في مهام القصف الاستراتيجي (ضمن مهام أخرى)، أي استهداف البنية التحتية، أو المراكز الصناعية، أو خطوط الإمداد، أو الأصول الأخرى ذات القيمة العالية بهدف إضعاف قوة العدو وتقويض قدراته الأساسية.
وبشكل خاص، فإن بعض القاذفات مصممة لحمل وضرب الأسلحة النووية كجزء من الردع الاستراتيجي. ويفهم مما سبق أن هذه النوعية من العمليات غالبًا ما تنطوي على مهام بعيدة المدى في عمق أراضي العدو أو الخصم المستهدف، ولتحقيق هذا الغرض يجب أن تكون هذه القاذفات قادرة على السفر لمسافات طويلة دون رصدها تحت أي ظرف.
وبسبب ما سبق فإن القاذفات كانت دائما من سمات التفوق العسكري للدول الكبرى، وواحدة من أساسيات الردع، وقد لعبت عبر تاريخها دورا مفصليا، ففي الحرب العالمية الثانية كانت حملات القصف الاستراتيجي، مثل قصف الحلفاء لألمانيا، أو القصف الذري لهيروشيما وناغازاكي، ذات أهمية كبيرة في حسم نتائج المعارك.
ولاحقا في الحرب الباردة كانت القاذفات، مثل "بي-52″ الأميركية، جزءا رئيسيا من استراتيجيات الردع النووي، إلا أن الولايات المتحدة احتاجت إلى قاذفة قادرة على اختراق الدفاعات الجوية السوفياتية دون أن يتم كشفها بسبب التقدم الكبير في تقنيات الرادار، مما جعل القاذفات التقليدية أكثر عرضة للخطر.
بحلول منتصف السبعينيات، ابتكر مصممو الطائرات العسكرية طريقة جديدة لتجنب الصواريخ الاعتراضية، والمعروفة اليوم باسم "التخفي". وفي عام 1974، طلبت وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة "داربا" معلومات من شركات الطيران الأميركية حول أكبر مقطع عرضي لطائرة تكون غير مرئية فعليًا للرادارات.
وإثر ذلك في عام 1979، أطلقت القوات الجوية الأميركية برنامجا لقاذفة متطورة تكنولوجيا يتركز على قدرات التخفي، وفي عام 1981 فازت شركتا نورثروب وبوينغ بعقد تطوير القاذفة الشبحية الجديدة بموجب "مشروع سي جي سينيور"، وبحلول عام 1988 كشف النقاب رسميًا عن القاذفة "بي-2 سبيريت" (B-2 Spirit) للجمهور.
في الأصل، خططت الولايات المتحدة للحصول على 132 قاذفة من طراز "بي 2″، ولكن بسبب التكاليف المرتفعة، تم تخفيض العدد إلى 21 طائرة فقط، حيث قُدِّرت التكلفة الإجمالية لكل طائرة -بما يشمل الصيانة والتطوير- بنحو 2.1 مليار دولار، مما يجعلها واحدة من أغلى الطائرات العسكرية التي تم بناؤها على الإطلاق.
وفي 17 يوليو/تموز 1989 قامت قاذفة "بي-2 سبيريت" بأول رحلة لها من مصنع القوات الجوية 42 في كاليفورنيا، ومنذ ذلك الحين بات ينظر إلى القاذفة الشبحية الأميركية على أنها القاذفة الاستراتيجية الأكثر تقدمًا في العالم، بسبب قدرتها الفائقة على التخفي.
وتعزى هذه القدرة بالأساس إلى تصميم جناح الطائرة القادر على الإفلات من الرصد الراداري، فضلا عن كونها مطلية بمواد تمتص أشعة الرادار، وتمتلك قدرات على قمع الأشعة تحت الحمراء (بصمتُها الحرارية منخفضة)، كما تعمل أنظمة التشويش المتقدمة الخاصة بها على تعطيل رادار العدو وأنظمة اتصالاته.
إلى جانب ذلك، يمكن للقاذفة "بي-2" حمل قنابل نووية وتقليدية، مما يجعلها جزءًا أساسيًا من الثالوث النووي الأميركي، كما أنها قادرة على إطلاق قذائف عالية الدقة، ولذلك فقد استُخدمت في مهام الضربات الموجهة في كوسوفو (1999)، والعراق (2003)، وأفغانستان (2001-2021)، وليبيا (2011)، وسوريا (2017)، وصولا إلى العمليات الأميركية الأخيرة في اليمن.
كانت القاذفة بمثابة تغيير حقيقي في قواعد اللعبة، صارت بموجبه الولايات المتحدة القوة الوحيدة التي تمتلك القدرة على الطيران عبر خطوط العدو دون أن يتم كشفها، ومن ثم إيصال الذخائر النووية أو التقليدية، وهو ما شكل دعما لثالوث أميركا النووي بشكل غير مسبوق.
ورغم مرور أكثر من 30 عامًا، لم تقدم أي دولة تقنية مكافئة، ولكن يبدو أن هذا سيتغير قريبا، لأن الصين تعمل على اختراق هذا التفوق الأميركي، ليس بقاذفة شبحية واحدة، بل بقاذفتين.
لا يُعرف الكثير عن الجهود الصينية لإطلاق قاذفة شبحية بسبب التكتم المعتاد على مثل هذه المشروعات الاستراتيجية في بكين، ولكن في عام 2016 أعلن الجنرال ما شياو تيان، من القوات الجوية الصينية عن تطوير بلاده "قاذفة جديدة بعيدة المدى"، وفي عام 2018، أكدت التصريحات الرسمية أن المشروع يحرز "تقدمًا كبيرًا".
وبحلول عام 2022 أشارت وسائل الإعلام الصينية أن القاذفة "إتش-20" (H-20) تقترب من رحلتها الأولى، وفي مارس/آذار 2024، أشار الجنرال وانغ وي، نائب قائد القوات الجوية الصينية، إلى أن "إتش-20" سيتم الكشف عنها "قريبًا جدًا"، مؤكدًا أن الإنتاج سيستمر بسرعة بعد الرحلات التجريبية.
من المتوقع أن تحظى القاذفة الصينية المنتظرة بتصميم جناح مشابه للقاذفة الأميركية "بي-2″، مما يعزز قدراتها على التخفي، والسر في ذلك يتعلق بطبيعة عمل الرادار نفسه، إذ إنه بمجرد أن يطلق إشعاعا وينعكس على شيء ما حتى يعرف بوجوده، لكن تصميم الجناح بهذا الشكل يزيل زعانف الذيل ويندمج بانسيابية في جسم الطائرة، مما يخلق سطحًا أملسًا ومنحنيًا، يفتقر إلى الأسطح الرأسية والزوايا الحادة، وهو ما يَحرف موجات الرادار بدلا من عكسها مرة أخرى.
بالإضافة إلى ذلك، تحتوي الطائرات التقليدية على محركات نفاثة مكشوفة تولّد بصمات حرارية كبيرة، مما يسهل كشفها باستخدام أجهزة استشعار الأشعة تحت الحمراء، ولكن في هذا التصميم، تكون المحركات مدمجة داخل جسم الطائرة، ويتم نشر عادمها بعناية وتبريدُه قبل مغادرة الطائرة، بما يصعّب مهمة الصواريخ الباحثة عن الحرارة أو أجهزة استشعار الأشعة تحت الحمراء في كشف القاذفة.
تشير التقديرات إلى أن مدى الطائرة "إتش-20" يبلغ حوالي 8500 كلم (وفي بعض التوقعات قد يبلغ ضعف هذا الرقم، لكنها على الأغلب مبالغ فيها). ومن المتوقع أن تحمل القاذفة حمولة لا تقل عن 10 أطنان، تستوعب الأسلحة التقليدية والنووية. وفي ضوء ذلك، سيعزز إدخال القاذفة بشكل كبير مدى الصين الاستراتيجي، مما يسمح لها بتهديد الأهداف داخل وخارج سلسلة الجزر الثانية، بما فيها القواعد العسكرية الأميركية الرئيسية في غوام وهاواي.
والواقع أن ذلك كان دائما هدف الصين، سواء أثناء تطويرها للقوة البحرية المتنامية أو الصواريخ الفرط صوتية، وأحدثها "دونغ فينغ-27″، وهو الأخير ضمن سلسلة صواريخ فرط صوتية تحمل الاسم نفسه الذي يعني "رياح الشرق".
وقد ذُكر الصاروخ لأول مرة في تقرير القوة العسكرية لوزارة الدفاع الصينية عام 2021، ويُعتقد أن مداه يتراوح بين 5000 و8000 كلم، وهو مدى الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، وقد اختُبر بنجاح مؤخرا وحلق لمدة 12 دقيقة قاطعا مسافة 2100 كلم.
في السياق ذاته، ذكر تقرير صيني تسرب في فبراير/شباط 2023، أن هذا الصاروخ مُصمَّم لتعزيز قدرة الصين على الإبقاء على أهداف أميركية معرضة للخطر خارج سلسلة الجزر الثانية، التي تمثل الحدود البحرية الشرقية لبحر الفلبين، وتشمل خطا تُمثِّله جزر بونين اليابانية والبركان، بالإضافة إلى جزر ماريانا وكارولين الغربية ويمتد إلى غرب غينيا الجديدة.
في مطلع يناير/كانون الثاني الماضي، ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية مقاطع مصورة لطائرة عسكرية كبيرة تقوم -على ما يبدو- برحلة تجريبية، وأظهرت المشاهد الطائرة الكبيرة بالشكل "الماسي" المميز للطائرات الشبحية الذي يمنحها مقطعا عرضيا منخفض للرادار.
وأشار خبراء في تصريحات لمجلة "أير آند سبيس فورس"، أنه إذا كانت الطائرة هي بالفعل "إتش-20″، فإن الصين تحرز تقدماً في القاذفة بشكل أسرع مما توقعه البنتاغون، الذي قال في أحدث تقرير للقوة العسكرية الصينية إن الطائرة قد لا تظهر إلى النور قبل 10 سنوات قادمة.
وقال التقرير الصادر منتصف ديسمبر/كانون الأول 2024، إن الطائرة إتش-20 التي رجّح ظهورَها لأول مرة في وقت ما خلال العقد المقبل، يُتوقع أن يكون لها مدى يسمح للصين بإبراز قوتها بما يتجاوز "سلسلة الجزر الثانية" وفق مفهومها الدفاعي الاستراتيجي. وقال البنتاغون إنه من خلال التزود بالوقود جواً، يمكن للطائرة "تغطية العالم"، مضيفًا أنه من المتوقع "أن تَستخدم أسلحة تقليدية ونووية وتتميز بتصميم خفي".
وتعد "إتش -20" قاذفة من النوع الاستراتيجي، ما يعني أن لديها دائرة قتالية أكبر، وتتسلح بأنظمة رادار متقدمة، مما يمنح الصينيين طريقة موثوقة لتوصيل الأسلحة النووية عبر الجو، وبالتالي خلق ثالوث نووي موثوق.
لكن الأمر لا يقف عند حدود القاذفة "إتش-"20 فقط، حيث تمتلك الصين مشروعا لتطوير قاذفة تكتيكية باسم "جي إتش-إكس إكس" (JH-XX) بميزات مماثلة على صعيد التخفي، ولكنها أصغر حجمًا وتركز على المناطق الأقرب، فضلا عن تمتعها بتقنيات مقاتلات الجيل الخامس، مثل دمج البيانات والاتصال الشبكي والطيران الفائق السرعة.
ووفقًا لتقرير وكالة استخبارات الدفاع لعام 2019 عن القوة العسكرية الصينية، فإن القوات الجوية الصينية تعمل "على تطوير قاذفات شبحية جديدة متوسطة وطويلة المدى لضرب أهداف إقليمية وعالمية، وتواصل تقنية التخفي أداء دور رئيسي في تطوير هذه القاذفات الجديدة، التي يُحتمل أن تصل إلى القدرة التشغيلية الأولية في موعد لا يتجاوز عام 2025".
في 26 ديسمبر/كانون الأول 2024، أشارت صور ومقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن شركة تشنغدو للطائرات (CAC) حلقت علنًا بطائرة جديدة حول مطار مملوك للشركة في تشنغدو بمقاطعة سيتشوان، يتميز تصميمها بجناح طائر وثلاثة محركات نفاثة وبدون ذيل. وقد أطلق عليها محللون عسكريون مؤقتا اسم "جي-36" (J-36)، معتقدين أنها ربما تكون نموذجا أوليا لطائرة مقاتلة من الجيل السادس.
وبالرغم من أن مواصفاتها الدقيقة تظل سرية، يُعتقد أن الطائرة المقاتلة الجديدة تتميز بمجموعة من التقنيات المتطورة التي تُعد طفرة حتى بالنسبة لمقاتلات الجيل الخامس الحالية، مثل تقنيات التخفي المتقدم، والهيكل الذكي الذي يشتت أشعة الرادار، وتقنيات إخفاء الأسلحة داخل جسم الطائرة، إضافة إلى قدرات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات وإدارة المسيرات أو الطائرات الأخرى، وتحسين عملية اتخاذ القرار في سيناريوهات القتال في الوقت الحقيقي.
إلى جانب ذلك، تمتلك هذه الطائرات خصائص دمج البيانات، مع تحسينات كبيرة في نطاق إلكترونيات الطيران، تجعلها أفضل بالمقارنة مع الجيل السابق، ناهيك بقدرة الطائرة على التواصل وإدارة طائرات من أجيال أقدم خلال المعركة.
وتحمل هذه الطائرات المقاتلة صواريخ بمدًى أبعد وأسلحة طاقة موجهة (تقنيات عسكرية متقدمة تركز الطاقة على تدمير الأهداف أو إتلافها أو على الأقل تعطيلها)، وأسلحة تفوق سرعة الصوت، مع إمكانات صد أو بدء هجوم سيبراني.
بالتأكيد تظل تلك مجرد افتراضات لم تتأكد صحتها بعد، وحتى على فرض صحتها لا يُعرف متى ستكون هذه المقاتلة جاهزة للانضمام إلى الترسانة الصينية، لكن المؤكد أن عدد مقاتلات الجيل الخامس من فئة "جي-20" في سلاح الجو الصيني يقدر حاليا بنحو 200 مقاتلة، وتنتج بكين منها سنويا قرابة 100 طائرة، كما تعمل حاليا على إدخال نُسخ محسنة من المقاتلة إلى الخدمة.
وتعد "تشنغدو جي-20 مايتي دراغون" (Chengdu J-20 Mighty Dragon) المقاتلة الشبحية الرائدة من الجيل الخامس في الصين، إذ تستخدم الطائرة تصميمًا أنيقًا مع أجنحة جانبية وحجرة أسلحة داخلية، مما يقلل من المقطع العرضي الراداري ويعزز قدرتها على العمل دون أن يتم اكتشافها.
ومع إلكترونيات وأجهزة استشعار متقدمة، إلى جانب السرعة الفائقة وقدرات المناورة العالية، فإن المقاتلة مصممة تماما لمنافسة المقاتلات الأميركية المتقدمة مثل "إف-22 رابتور" و"إف-35 لايتنينغ".
منذ عام 2016، ركز إنتاج القوات الجوية الصينية على ثلاثة طرز من الطائرات المقاتلة: تشنغدو جي-10 المعروفة أميركيا باسم "فايربيرد" (J-10 Firebird)، و"شنيانغ جي-16″ (J-16) و"تشنغدو جي-20″ (J-20). وتنشر القوات الجوية حاليا أكثر من 600 طائرة من الأنواع الثلاثة في 19 لواء قتاليا على الأقل في الخطوط الأمامية، وتتطلع إلى التوسع بشكل أكبر.
وبحسب المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وهو معهد أبحاث بريطاني في مجال الشؤون الدولية، فقد تضاعفت معدلات الإنتاج السنوية لكل من جي-16 وجي-20 خلال السنوات الماضية. وإذا استمر إنتاج جي-20 تحديدا وفق المعدل الحالي، فمن المرجح أن يتجاوز هذا المخزون مخزون طائرة لوكهيد مارتن "إف-22 رابتور" الأميركية قريبا.
ورغم أن مخزون القوات الجوية الأميركية المشترك من طائرات أف-22 و أف-35 يظل أكبر بكثير من الترسانة الصينية في الوقت الحالي، فمن الواضح أن بكين ليست راضية عن البقاء في المرتبة الثانية البعيدة عن واشنطن، وهي تسعى لتقليل الفجوة بين الطرفين فيما يتعلق بقدرات القتال الجوي المتقدمة.
جُهزت المقاتلات الصينية الثلاث برادارات للمسح الإلكتروني النشط، وبالتالي يمكنها استغلال صاروخ جو-جو بعيد المدى من طراز "بي إل-15" (PL-15)، الذي تعتبره الولايات المتحدة وحلفاؤها مثار اهتمام نظرًا لقدراته المتقدمة، حيث يتمتع بمدى يتجاوز مدى صاروخ "أيم-120 أمرام" (AIM-120 AMRAAM) الأميركي، مما يسمح للطائرات الصينية بمهاجمة الأهداف من مسافات أكبر.
ويمكن للصاروخ الوصول إلى سرعات تصل إلى 4 ماخ (أربعة أضعاف سرعة الصوت)، مما يمكنه من مهاجمة الأهداف سريعة الحركة بشكل فعال.
وردًا على قدرات "بي إل-15″، بدأت الولايات المتحدة تطوير صاروخ "أيم-260" التكتيكي المتقدم بهدف تجاوز قدرات الصاروخ الصيني في المدى والأداء. بالإضافة إلى ذلك، قدمت البحرية الأميركية صاروخ "أيم 174 بي" (AIM-174B) وهو نسخة متطورة تهدف إلى مقارعة مدى "بي إل-15" الموسع.
ما سبق هو فقط لمحة عن التطور الراهن في قدرات القوات الجوية الصينية، ورغم أنها لم تصل بعد إلى مستوى الولايات المتحدة، فإن ما يقلق الجنرالات في البنتاغون هو تسارع معدلات التطور والفجوة التي تضيق باستمرار.
ويبدو أن للقلق الأميركي ما يبرره بالفعل، ففي 24 يوليو/تموز 2024 اعترضت قيادة الدفاع الجوي لأميركا الشمالية (نوراد) قاذفتين صينيتين من طراز "شيان إتش-6 كي" وقاذفتين روسيتين من طراز "تو-95 إم إس بير"، كانت تحلق بالقرب من ألاسكا، وكلا النوعين من القاذفات قادرٌ على حمل أسلحة نووية.
ومع أن الطائرات كانت تحلق في المجال الجوي الدولي وليس في المجال الكندي أو الأميركي، فإن اقترابها الشديد من المجال الأميركي (على مسافة 300 كلم من ساحل ألاسكا) أثار انتباه واشنطن بشكل غير مسبوق.
كان هذا الحادث هو الأول من نوعه بالنسبة للبلدين، مما يدل على استعداد بكين وموسكو لتوسيع التعاون بين قواتهما النووية الاستراتيجية، ويشير إلى استمرار اختبارهما لعزيمة الولايات المتحدة، حتى من خلال الإجراءات العسكرية على مقربة من الحدود الجوية الأميركية.
تعد هذه هي الرحلة الجوية المشتركة الثامنة للقاذفات الصينية والروسية منذ عام 2019، حيث كانت الرحلات السابقة للقاذفات في بحر اليابان وبحر الصين الشرقي وغرب المحيط الهادئ، مع تحليق بعضها عبر مناطق الدفاع الجوي لليابان وكوريا الجنوبية. ولم تقتصر الدوريات الجوية والبحرية المشتركة بين الصين وروسيا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ على القاذفات فحسب، وإنما شملت عمليات تحليق الطائرات المقاتلة التي باتت أكثر تواترا.
في ضوء ذلك كله، يمكن اعتبار القاذفة "إتش-20" مجرد مخلب صغير لتنين ضخم يستكشف قدراته، ومن حين لآخر يحاول مد يديه للتحرش على استحياء بالعملاق الأميركي، لكن هذا الفعل البسيط ليس إلا بداية صراع طويل الأمد، ربما يكون باردا في الوقت الراهن، لكنه سيشتعل على الأرجح عند لحظة ما، وهو ما تدركه واشنطن جيدا، إذ نصت في استراتيجيتها للأمن القومي لعام 2022 على أن جمهورية الصين الشعبية هي المنافس الوحيد للولايات المتحدة الذي "يملك النية والقدرة على إعادة تشكيل النظام الدولي".
يؤكد الأميركيون أن قادة الحزب الشيوعي الصيني يعتنقون عقيدة مركزية تقول إن الجيش الحديث والقادر ضروري "لتحقيق الأهداف الصينية والتغلب على ما تراه بكين بيئة دولية مضطربة على نحو متزايد".
وقد شرع ذلك الجيش المتطور بالفعل في الإفصاح عن قدراته خلال السنوات الأخيرة عبر تبنّىي إجراءاتٍ أكثر حسما للسيطرة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، مع تسريع تطوير قدراته ومفاهيمه لتعزيز قدرته على "خوض الحروب والفوز بها" ضد "عدو قوي"، ومواجهة احتمالية تدخّل طرف ثالث في صراع على طول محيط جمهورية الصين، فضلا عن إظهار القوة العسكرية في أي مكان بالعالم.