في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
ترك القضاء اللبناني جريمة قتل لقمان سليم بلا قاتل، وقد أصدر قاضي التحقيق الأول في بيروت قرارًا ظنيًا أعلن فيه التوصل إلى "عدم توفّر أدلة عن هوية مرتكبي الجريمة لتوقيفهم وسوقهم للعدالة".
واكتفى القاضي باتهام "مجهولين بالوقوف وراء خطف وتصفية لقمان سليم، وتسطير بلاغ تحرٍ دائم لتحديد هوياتهم".
عُثر على جثمان لقمان سليم صباح 4 فبراير 2021 مضرجًا بالدماء داخل سيارته في بلدة العدوسية جنوبي لبنان، بعد ساعات من اختفاء أثره عقب مغادرته منزل صديقه.
5 رصاصات أراد القتلة من خلالها كثرتها أن تضمن لهم أن صوت لقمان الصادح بما يؤمن به، مهما كان مكلفًا، قد همد.
توزعت الرصاصات الخمس في رأسه وأعلى ظهره، كما ظهرت كدمات على وجهه وذراعه الأيسر.
لماذا لقمان سليم؟
لقمان سليم كان كاتبًا وناشرًا ولغويًّا ومخرجًا سينمائيًّا ومؤرشفًا ومترجمًا، أما أكثر ما اشتهر به وسبب له المتاعب فكان معارضته الشرسة لحزب الله.
لم يكن لقمان معارضًا عاديًا، لا من حيث جرأته التي لم يكن لها أسقف، وقد كان يقارع الحزب ورعاته ومَراعِيهم في عقر دارهم بجسد أعزل وصوت عارٍ، وهو الذي لم يبارح منزله في ضاحية بيروت الجنوبية مهما اقترب الخطر من سوره ودق بابه.
في 2019، تعرض لقمان لتهديدات صريحة تطاله بالاسم، حينما علّق مجهولون -عرفت مفرداتهم- ملصقات على باب دار النشر الذي يملكه "أمم"، تحمل تهديدات تتهمه وعائلته بالعمالة والخيانة، وتصفه إحدى الملصقات بالصهيوني.
فيما كانت إحداها قد بلغت حدّ الهجوم على شخصه، إذ اكتفت بالقول إن "حزب الله شرف الأمة"، أما أخطرها فكانت تلك التي مجّدت كاتم الصوت كأداة للاغتيال.
وكانت تلك مفارقة عجيبة، تجسد التبجح في التهديد بالقتل، والجبن في تنفيذه.
كما أن لقمان تفرد إلى حد بعيد بنوعية معارضته لحزب الله، وكان يصرّ على أن لشيعة لبنان ماضيهم اللبناني الصرف، قبل أن تُصدّر الثورة الإيرانية من طهران إلى الشيعة اللبنانيين.
وكانت مكتبته التي أفرغها للتوثيق حافلة بالوثائق التي تبين أن ما أنتجه النظام الثيوقراطي في إيران بعد ثورة 79، لا يشبه شيعة إيران أنفسهم.
فبأي وجه منطق يمكن أن تشبه شيعة لبنان؟
خيبة بعد ارتياح
أما عدم المقدرة على تحديد هوية القاتل، وفقًا لما توصل إليه القضاء اللبناني، فقد جاء وكأنه يسير عكس اتجاه رياح التغيير في لبنان، لا سيما بعد أفول دور حزب الله بفعل الحرب شبه الإقليمية التي أدت، من بين ما أدت إليه، إلى تقهقر دور إيران في الشرق الأوسط إلى ما وراء حدودها.
ما دفع بكثير من شيعة لبنان المعارضين لحزب الله، وهي الفئة التي لطالما نظرت إليها على أنها الأكثر تعرضًا للاضطهاد، إلى زيادة منسوب المعارضة والدعوة إلى إحلال الدولة مكان الميليشيا.
وقد أطلق عدد من الناشطين اللبنانيين الشيعة قبل أسابيع مبادرة "نحو الإنقاذ"، بحضور أكثر من 100 ناشط وصحفي، دعت من بين ما دعت "إلى الاحتماء بشرعية الدولة ودستورها واتفاق الطائف، وبالشرعية العربية، وبالقرار 1701 القادر على حماية اللبنانيين، خصوصًا أهالي الجنوب والبقاع والضاحية".
أيًا يكن، تزامن القرار المخيب لآمال اللبنانيين الطامحين إلى إحياء زمن العدالة مع الذكرى الرابعة لاغتيال لقمان سليم، لكن يبقى أن ما دأب الراحل على السعي لأجله، وربما لأجله قُتل، يتحقق رويدًا رويدًا.
في لبنان الذي بدأت تبعث فيه الحياة السياسية مع انتخاب رئيس والشروع في تشكيل حكومة يُؤمَل منها أن تعزز مفهوم الدولة، وتطوي صفحة الماضي غير المرغوب فيه لبنانيًا. وهي مفارقة مفادها بأنه ربما لم يُنصفك القضاء، لكن أنصفك القدر.