آخر الأخبار

سوريا تحت قيادة الشرع تفتح صفحة جديدة مع الخليج، فهل تنجح بإعادة بناء الجسور بعد عقود من العزلة؟

شارك الخبر
مصدر الصورة

عندما سُئل رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع عن وجهته التي يختارها كأولى زياراته الخارجية بعد توليه السلطة في أعقاب سقوط حكم الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أجاب أنها ستكون إلى تركيا أو السعودية، وهو ما فتح باباً واسعاً للتساؤلات حول استراتيجية السياسة الخارجية لسوريا في المرحلة المقبلة.

وفي خطوة دبلوماسية تمثّل استعادةً لعلاقاتٍ كانت قد شهدت توترات عبر الزمن، حطّ الشرع الأحد في السعودية لأول مرة منذ استلامه السلطة، وذلك بعد أيام من لقاء جمعه بأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ما يؤكد توجه سوريا الجديدة نحو فتح صفحة جديدة مع دول الخليج.

الزيارة إلى الرياض، التي كانت تعدّ في السابق مركزاً رئيسياً للضغط السياسي على دمشق خلال سنوات الحرب، وقبل أنقرة، تمثل خطوة ملموسة نحو تعزيز العلاقات وإعادة بناء الثقة بين الطرفين.

يأتي هذا التحول في وقت تسعى فيه سوريا جاهدة للانتقال من مرحلة الحرب إلى مرحلة البناء، وطيّ صفحة العزلة التي فرضها حكم الأسد لعقود، والانخراط مجدداً في العمل العربي المشترك.

وفي ظل الأزمات التي لا تزال تعصف بالمنطقة، يبرز السؤال الأهم: هل ستتمكن سوريا فعلاً من بناء جسر متين مع الخليج بعد سنوات من التوترات؟

"السعودية عمود العرب"

يقول الدكتور سمير التقي، الباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، لبي بي سي إن السعودية اليوم هي "العمود الأساسي للعرب"، وتعدّ زيارة الشرع لها بمثابة خطوة نحو تعزيز العلاقات السورية الخليجية في ظل التحديات التي تواجهها سوريا بعد حكم الأسد.

وفيما يتعلق بالتوقعات المرجوّة من الزيارة، يوضّح التقي، وهو باحث سوري، أن اللقاء مع أمير قطر كان أمراً متوقعاً، إلا أن الترقب الأكبر كان لزيارة السعودية بسبب الأبعاد السياسية الكبرى التي تحملها.

"العلاقة مع الرياض كانت دوماً محورية بالنسبة لسوريا في محيطها العربي"، بحسب التقي.

مصدر الصورة

من جانبه، يؤكد غازي الحارثي، الصحفي السعودي في صحيفة الشرق الأوسط، أن الإدارة السورية الجديدة بقيادة الشرع تسعى للاستفادة من الفرص التي توفرها العلاقة مع السعودية في ظل التحديات التي تواجهها البلاد.

ويوضح الحارثي لبي بي سي أن هذه الفرص تتنوع في مجالات عدة، أبرزها الدعم الدولي الذي يمكن أن يسهم في رفع العقوبات المفروضة على سوريا، وهو أمرٌ بالغ الأهمية للحكومة السورية الجديدة.

كما يرى أن أن "الجانب الاقتصادي يبقى من أبرز المجالات التي يمكن لسوريا الاستفادة منها من خلال التعاون مع المملكة، لا سيما في ظل الحاجة الماسة لإعادة الإعمار"، انطلاقاً من التجربة الاقتصادية السعودية "الملهمة"، كما وصفها الشرع سابقاً.

وتابع الحارثي مستعرضاً الجهود الإنسانية التي قدمتها السعودية منذ سقوط حكم الأسد، لاسيما الجسرين الإغاثيين الجوي والبري الذي أرسلتهما المملكة لمساعدة السوريين.

ولفت إلى أن دور السعودية لم يقتصر على الدعم الإغاثي فقط، بل تعدّى إلى الإنساني، من خلال "احتضان السوريين في أزمة 2011، فالسعودية لم تعاملهم معاملة اللاجئين بل فتحت لهم ذراعيها في إطار الدعم المستمر".

"سوريا، حينما تنظر إلى جوارها، لن تجد أفضل من السعودية كشريك استراتيجي تتوجه إليه في المرحلة المقبلة"، بحسب ما يقول الحارثي.


* ما بين التخوف من "الإسلام السياسي" و"العودة إلى حضن العروبة"، كيف نقرأ التحركات السورية تجاه دول الخليج؟

"بؤرة سلبية"

يوضح التقي أن اختيار الشرع للرياض لا يقتصر فقط على البعد المالي، بل يمتد ليشمل أبعاداً سياسية واستراتيجية أعمق.

ويقول إن "الإدارة السورية الجديدة بحاجة إلى اكتساب مستوى من الشرعية في الأوساط العربية، وهو ما يتطلب التأسيس لوحدة وطنية في سوريا أولاً"، مشدداً على أن الدور السعودي في هذه المرحلة يتجاوز الشق المالي ليكون أكثر أهمية في فتح الحوار حول شروط نجاح التجربة السورية في المستقبل، على حد تعبيره.

أما الحارثي فيقول: "السعودية، التي تعتبر سوريا دولة كبيرة في العالم العربي، ليس من صالحها عدم استقرار سوريا، بل ترى أن استقرارها جزء أساسي من استقرار المنطقة ككل".

ويشير إلى أن سوريا، في السنوات الأخيرة، تحولت إلى بؤرة سلبية على الأصعدة الأمنية والاجتماعية والاقتصادية، فهو يرى أن السعودية استثمرت كثيراً في سوريا عبر الزمن ولا ترغب أن ينعكس هذا الوضع السلبي عليها سواء على صعيد الإرهاب أو تهريب المخدرات وغيرها من المخاطر الأمنية، وفق الحارثي.

مصدر الصورة

ويوضح الحارثي أن الإدارة السورية الجديدة أظهرت انفتاحاً على محيطها العربي، ما يشق طرقاً للتعاون مع دول الخليج العربي، وبخاصة السعودية التي ترى أن استقرار المنطقة هو الهدف الأساسي.

وفي هذا الإطار، يؤكد الحارثي أن السعودية سعت من خلال اتفاق بكين مع إيران إلى تعزيز هذا الاستقرار، من خلال إشراك جميع الأطراف، بما فيها سوريا، في دفع عملية التنمية الإقليمية.

ويرى أن على سوريا أن تستغل هذه الفرصة وتثبت أنها عضو فعال ونموذج ناجح في المنطقة، وهو ما يفسر مساعي المملكة لمساعدة سوريا في العودة إلى مكانتها الطبيعية في العالم العربي، بحسب الحارثي.

"الأجندات الإقليمية تتضارب في سوريا"

يوضح الدكتور سمير التقي أن الحكومة السورية الحالية قد تواجه تحديات إقليمية كبيرة تعيق تقاربها مع دول الخليج.

ويقول التقي إن سوريا تتعرض لضغوط شديدة من عدة دول إقليمية، "فأكثر من دولة لديها جنود على الأرض، وكل منها لها أجندة، والأجندات تتضارب".

وأشار التقي إلى أن الحكمة والذكاء في التعامل مع هذه التدخلات الإقليمية ستكون أساس نجاح سوريا بعيداً عن أي تصعيد داخلي أو مواجهات إضافية.

وفيما يتعلق بالدور الخليجي، يلفت التقي إلى أن "السعودية تمتلك وزناً نوعياً أكبر من قطر في هذه المعادلة، مما يجعل قدرتها على التأثير في القضايا الإقليمية أكبر".

وبينما يرى التقي أن هناك تحديات تواجه التقارب السوري الخليجي، فإن الحارثي يستبعد أي تحديات حقيقية، مؤكداً وضوح الرؤية من الجانبين بشأن أهدافهما المشتركة.


* مخاوف في سوريا من انتشار الأسلحة بين الفصائل والأفراد

ويشير الحارثي إلى أن الشرع يرى في سيطرته على سوريا تأثيراً إيجابياً، وبخاصة في ما يتعلق بإبعاد الخطر الإيراني عن المنطقة، موضحاً أن موقف الشرع يعد "إيجابياً" إذا كان قد أسهم في تخفيف التهديدات الأمنية التي قد تواجه سوريا والمنطقة بشكل عام.

ويقول الحارثي إن السعودية تأمل مشاركة جميع السوريين في الإدارة الجديدة والمساهمة في استقرار البلاد، وتحسين البنية التحتية، وتعزيز سلطة الدولة والحفاظ على المؤسسات الوطنية. هذه الأهداف، بحسب الحارثي، تتماشى مع ما تسعى إليه الإدارة السورية الجديدة، مما يفتح مجالاً للتعاون بين الجانبين.

"الأهم الآن هو تنفيذ هذه الرغبات المشتركة، فدول الخليج، وعلى رأسها السعودية، مستعدة لتجاوز أي تحديات من أجل دعم سوريا في هذا الاتجاه"، بحسب الحارثي.

"فرصة لتحفيز الاستثمارات الخليجية في سوريا"

مصدر الصورة

يقول الدكتور محمد الحدب، الخبير المالي والاقتصادي، لبي بي سي إن التقارب بين سوريا ودول الخليج يعد "فرصة حاسمة" لإعادة إعمار الاقتصاد السوري وتحفيز الاستثمارات الخليجية في قطاعات حيوية مثل البنية التحتية والطاقة والإسكان والزراعة، ما سيسهم في توفير فرص العمل وتعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

ويشير الحدب إلى أن "الاقتصاد السوري في عهد النظام السابق كان يعتمد بشكل كبير على تجارة المخدرات لتمويل الدولة، وأن التقارب مع الخليج يفتح باباً لمصالح مشتركة بين الجانبين، إذ يسعى الطرفان إلى بناء اقتصاد مستدام بعيداً عن هذه التجارة غير المشروعة".

كما يلفت إلى أن هناك توجهاً لإعادة فتح خطوط التجارة بين سوريا والخليج، ما سيعزز الصادرات السورية ويقلل من اعتماد سوريا على إيران، وهو ما يعدّ هدفاً استراتيجياً مشتركاً.


* ماذا يعني ارتفاع قيمة اللّيرة السورية؟

ويضيف الحدب أن هناك مساعٍ لتوجيه الاقتصاد نحو قطاعات مستدامة مثل السياحة والزراعة والصناعات التحويلية، مع ضرورة إجراء إصلاحات اقتصادية وتشريعية لجذب الاستثمارات الإقليمية والدولية.

وفيما يتعلق بالدعم الخليجي، أكد الحدب أن دول الخليج قد تشترط تنفيذ هذه الإصلاحات مقابل الدعم المالي، بما يضمن تحسين بيئة الأعمال وتقليل الفساد، مما سينعكس إيجاباً على الاقتصاد السوري، وفق تعبيره.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك الخبر

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا