آخر الأخبار

روسيا وأوكرانيا: في ثوانٍ قليلة، قُتلت ثلاثة أجيال من عائلة أوكرانية واحدة

شارك الخبر
مصدر الصورة

تتجمع ألعاب الدببة المحشوة، الكبيرة والصغيرة حول قبر آدم بوهايوف وكأنها تؤنسه في نومه.

لكن الطفل البالغ من العمر 17 شهراً ليس وحده، فوالدته صوفيا بوهايوفا (27 عاماً) مدفونة في القبر معه، في مقبرة في مدينة زابوروجيا جنوبي أوكرانيا.

كما أن جدة آدم الكبرى، تاتيانا تاراسيفيتش (68 عاماً) في قبر إلى جوارهما مباشرة.


* لماذا يحتاج جنود الجيش الأوكراني لحمامات البخار على جبهة القتال مع الجيش الروسي؟

قُتل الثلاثة معاً في 7 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي خلال هجوم روسي في حرب تعيشها أوكرانيا منذ عام 2022 - لكنها لم تعد ذات اهتمام على الأجندة الدولية.

التقطت تاتيانا بعض اللحظات الأخيرة لآدم في مقطع فيديو على هاتفها، حين كان الاثنان في نزهة مع والدة آدم، صوفيا.

يرتدي آدم - ذو الشعر الأشقر والعينين الزرقاوين - سترة حمراء وقبعة صوفية عليها ملصق ميكي ماوس، وتقول له تاتيانا بلطف: "لا تخلع قبعتك، سوف تشعر بالبرد"، لكنه فعل ذلك على أي حال.

وبعد ساعة كان الثلاثة في المنزل، على وشك تناول وجبة خفيفة، عندما اخترقت قنبلة روسية موجهة المبنى السكني الذي يقطنون فيه، قُتل آدم وصوفيا وتاتيانا، إلى جانب ستة مدنيين آخرين.

وتكافح والدة صوفيا، يوليا تاراسيفيتش (46 عاماً) الآن لمواصلة حياتها - دون معظم أفراد أسرتها، وبدون ماضيها ومستقبلها.

تبدو نحيلة ومنهكة، وتكاد تغرق في معطفها الأسود الثقيل.

تقول: "لا أعرف كيف أعيش، إنه جحيم على الأرض، لقد فقدت والدتي وابنتي وحفيدي في ثانية واحدة".

تكمل حديثها وهي تبكي: "أمي العزيزة"، وتمسح صورة تاتيانا، وهي طبيبة مثلها.

الصورة معلقة على صليب خشبي، على بعد خطوة واحدة توصلها إلى قبر صوفيا وآدم، وتنحني لتلمس صورته، وتناديه "قطتي الصغيرة".

ثم تتحدث مباشرة إلى صورة صوفيا - صورة بالأبيض والأسود لامرأة شابة ذات شعر داكن طويل - وتبكي: "ابنتي الجميلة، أنا آسفة لأنني لم أستطع إنقاذك".

والد صوفيا، سيرغي لوشاي، البالغ من العمر 60 عاماً، يقف بجانبها، وهو شخصية قوية ويشاركها خسارتها وحزنها.

مصدر الصورة

تقول يوليا: "نزور المقبرة كثيراً، وسنستمر في ذلك ما دمنا على قيد الحياة، لأن ذلك يجعل الأمر أسهل علينا".

وفي كل مرة يأتون، يجدون المزيد من القبور الممتدة في المسافة. تقول يوليا إن المقبرة تتوسع "بسرعة مذهلة"، وتخترقها صفوف من الأعلام الزرقاء والصفراء، التي تميز قبور الجنود الذين قتلوا في الحرب، تحت السماء الرمادية القاتمة.

في زابوروجيا، حيث عاشت الأسرة، ما زالت المدينة هدفاً متكرراً للقوات الروسية، فهي مدينة صناعية ذات أهمية استراتيجية، بالقرب من خطوط القتال الأمامية. وتسيطر القوات الروسية على أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا، التي تتواجد على بعد حوالي 55 كيلومتراً من المدينة.

وفي يوم الهجوم الذي أودى بحياة صوفيا وتاتيانا وآدم، اتصلت يوليا بابنتها من غرب أوكرانيا، حيث كانت في رحلة عمل.

وتضيف: "قلت لها أن تكون حذرة، كانت القنابل تتساقط على المدينة منذ الصباح، وقالت: شكراً لك يا أمي، لا تقلقي. كل شيء سيكون على ما يرام معنا".

كان سيرجي في العمل عندما سمع بحدوث أمر ما. اتصل بابنته أيضاً، لكنها لم ترد.

ثم رأى على مجموعة واتساب الخاصة بسكان المنطقة رسالة تقول: "أصدقائي، من بقي تحت الأنقاض؟".

وأضاف: "هرعت إلى المنزل وأنا أصلي طوال الطريق، لكن صلواتي كانت بلا جدوى بالفعل".

"عندما وصلت، كل ما رأيته هو الأنقاض. تجولت بحثاً عن شرفتي. لا أعرف كم من الوقت مر - ساعتان أو ثلاث ساعات - وأدركت أنه لم يتبقّ شيء، ولا أمل في الإنقاذ" كما يروي.

في الأيام التي تلت ذلك، تمت استعادة بعض المتعلقات من بين الأنقاض، كوب صيني لصوفيا، لم ينكسر بطريقة ما، وسمكة لعبة كان آدم يلعب بها في الحمّام، والسترة الحمراء الصغيرة التي ارتداها في نزهته الأخيرة. أصبحت هذه الأشياء الآن كنوزاً عائلية، إلى جانب العديد من الذكريات الثمينة.


* كيف يستخدم الجيشان الروسي والأوكراني الحرب النفسية؟

يقول سيرجي: "كل مساء عندما أعود إلى المنزل من العمل، كنت آخذ آدم في نزهة. كان فضولياً للغاية بشأن السماء. كان يشير بإصبعه الصغير إلى الأعلى، وكان يحب الطيور".

يُظهر مقطع فيديو عائلي آخر آدم محمولاً بين ذراعي صوفيا، وهو يتأرجح من جانب إلى آخر، ثم يركض على الأرض، محاطاً بالحمام.

تقول يوليا: "كان قد بدأ في التحدث تقريباً، وكان يبتسم دائماً. كان يتمتع بصحة جيدة.. كان جميلاً وذكياً. لقد أسعدنا هو وابنتي كل يوم".

بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022، أخذت يوليا صوفيا إلى مكان آمن في المملكة المتحدة.

استخدمت الشابة مهاراتها اللغوية، وعملت كمترجمة للقوات الأوكرانية التي دربتها القوات البريطانية، لكنها لم تستطع الابتعاد عن أوكرانيا.

تقول يوليا: "لقد افتقدت والديها وأقاربها والبلاد حقاً"، ثمّ عادت صوفيا وأنجبت لاحقاً آدم في يونيو/حزيران 2023. كما درست علم النفس لأنها "كانت تعلم أن الكثير من الناس في أوكرانيا يحتاجون إلى مساعدة نفسية"، كما تقول والدتها.

مصدر الصورة

في خضم حزنها، تعلم يوليا أن أوكرانيا قد تتعرض قريباً لضغوط للتفاوض مع العدو الذي حرمها من الكثير.

عاد الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، بكل ما أوتي من قوة، للدفع باتجاه محادثات السلام بين موسكو وكييف. ولكن يوليا وسيرجي مصران على أن أوكرانيا لا بد وأن تستمر في القتال. وقد أخبرتني أن مزاعم ترامب بأنه قادر على إنهاء الحرب في يوم واحد - كانت "مضحكة".

تقول يوليا: "روسيا معتدية، جاءت إلى بلادنا، ودمرت منازلنا وأسرنا. لذا، لا يمكن الحديث عن أي وقف لإطلاق النار أو محادثات سلام. وإذا تركنا هذا الشره [الرئيس الروسي فلاديمير بوتين] مع أراضينا ولم ننتقم للأشخاص الذين فقدناهم، فلن ننتصر أبداً".


* موسكفا: كيف غرقت سفينة روسيا الحربية؟

ويقول سيرجي إن الاتصال الوحيد مع الروس على الأراضي الأوكرانية يجب أن يكون من خلال القتال.

ويعتقد العديد من الأوكرانيين أنه حتى لو كان هناك وقف لإطلاق النار، فإن روسيا ستعود للحرب عاجلاً أو آجلاً، كما فعلت في عام 2022، بعد ثماني سنوات من ضم شبه جزيرة القرم. وتسيطر موسكو الآن على ما يقرب من خُمس أراضي أوكرانيا.

الوقت ليس في صالح أوكرانيا، ففي عام 2025، هناك خطر على عدة جبهات - نقص القوى العاملة، وانخفاض محتمل في المساعدات العسكرية الأمريكية في المستقبل، وتلاشي الاهتمام الدولي.

وتتقبل يوليا أن الحياة مستمرة في بلدان أخرى.

وتقول: "لا يستطيع الناس أن يعيشوا في ضغوط مستمرة، ولا أن يفكروا فينا فقط".

وتضيف: "مع ذلك، أود منهم أن يتذكروا أن هناك حرباً تدور في الجوار، حيث لا يموت الجنود فحسب، بل والمدنيون أيضاً".

تريد يوليا أن يعرف العالم أسماء من فقدتهم - آدم بوهايوف، وصوفيا بوهايوفا، وتاتيانا تاراسيفيتش.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك الخبر

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا