في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
انتخاب العماد جوزيف عون رئيسا للجمهورية اللبنانية لم يكن مجرد نتيجة لإجماع داخلي، بل جاء بفعل ضغوط دولية وإقليمية مكثفة. في سياق تتداخل فيه السياسة بالاقتصاد والأمن، يشكّل هذا الانتخاب نقطة تحول محتملة في العلاقة بين الدولة اللبنانية وحزب الله، وسط مؤشرات على تغير المعادلات الإقليمية والدولية.
إن الدعم المقدم من فرنسا والولايات المتحدة والسعودية لانتخاب جوزيف عون يظهر توجها جديدا نحو إعادة لبنان إلى وضعه الطبيعي كدولة ذات سيادة.
ويعتبر أستاذ العلاقات الدولية، خطار أبو دياب، في حديثه مع التاسعة سكاي نيوز عربية، أن هذا الدعم هو بمثابة اعتراف بنزاهة عون وقدرته على بدء عملية إنقاذ لبنان.
يشير أبو دياب إلى أن عون كان اسما مطروحا منذ فترة طويلة، ولكن الولايات المتحدة كانت مترددة في دعمه، قبل أن تغيّر موقفها نتيجة تجربة إيجابية مع المؤسسة العسكرية اللبنانية منذ عام 2005.
هذا التحول في الموقف الدولي يُفسر بِإدراك عون كخيار موثوق لمواجهة التحديات المتعددة، خصوصا بعد تطورات إقليمية أضعفت المحور الإيراني في المنطقة.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان أول المهنئين بعون، معتبرا أن انتخابه يمثل فرصة لإطلاق إصلاحات جوهرية. باريس تصف اللحظة بأنها “تاريخية”، مع تأكيدها على ضرورة تشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة.
حزب الله في عهد جوزيف عون وإعادة تشكيل العلاقة؟
التحدي الأكبر الذي يواجه جوزيف عون يكمن في إعادة صياغة العلاقة بين الدولة اللبنانية وحزب الله.
منذ عام 2005، هيمن حزب الله على القرار السيادي اللبناني، مدعوما بنفوذ إيراني مباشر. لكن، وفقًا لأبو دياب، انتهت حقبة الهيمنة الإيرانية، مما يضع الحزب أمام واقع جديد يتطلب إعادة تموضع داخلي.
عون، في خطاب القسم، شدد على محاربة المحاصصة واعتماد نهج جديد يعزز سيادة الدولة. هذا الطرح قد يضعه في مسار تصادمي غير مباشر مع حزب الله، خاصة إذا حاول عون حصر السلاح بيد الدولة. ومع ذلك، يدرك عون أهمية التعامل البراغماتي مع الحزب لتجنب تصعيد داخلي قد يعطل مسيرته الإصلاحية.
التحولات الإقليمية وتراجع النفوذ الإيراني
انتخاب عون يأتي في ظل تغيرات إقليمية عميقة. يشير أبو دياب إلى أن "تطورات ما بعد 7 أكتوبر" أضعفت المحور الإيراني في سوريا ولبنان، مما أتاح للدول الغربية والعربية مساحة أكبر للتأثير في المشهد اللبناني.
فرنسا، على سبيل المثال، تبدو مدفوعة بالرغبة في الحفاظ على نفوذها التاريخي في لبنان، بينما تسعى الولايات المتحدة لدعم استقرار لبنان ضمن استراتيجيتها الإقليمية التي تركز على أمن إسرائيل.
من جهة أخرى، تبرز دول الخليج، مثل السعودية وقطر، كأطراف رئيسية في دعم إعادة الإعمار والاستقرار الاقتصادي، وهو دعم مشروط برؤية إصلاحية واضحة من القيادة اللبنانية.
الدور الفرنسي بين الطموح والواقع
منذ انفجار مرفأ بيروت عام 2020، لم تتوقف المبادرات الفرنسية لدعم لبنان، لكن أبو دياب يشير إلى أن هذه المبادرات غالبًا ما تصطدم بِتعقيدات السياسة الداخلية اللبنانية. ومع ذلك، يبدو أن باريس تراهن على عون كفرصة لإعادة تشكيل السياسة اللبنانية.
ماكرون، الذي وصف الانتخابات بأنها "فرصة مهمة للبنانيين"، يدرك أن نجاح عون يتطلب توافقا داخليا ودعما دوليا مستداما. إلا أن هذا الرهان يتطلب حذرا، خاصة مع تعقيدات المشهد الإقليمي ووجود قوى دولية مثل الصين وروسيا التي تسعى لتوسيع نفوذها في المنطقة.
الاقتصاد واستعادة الثقة
الأزمة الاقتصادية الخانقة في لبنان تجعل من إنعاش الاقتصاد واستعادة ثقة المستثمرين العرب والدوليين أولوية قصوى. عون يواجه تحديا كبيرا يتمثل في خلق بيئة سياسية وأمنية مستقرة تُشجع على عودة الاستثمارات.
الدعم العربي، خاصة من دول الخليج، قد يكون عاملا حاسما. لكن، كما يشير أبو دياب، هذا الدعم "ليس مجانيا"، بل يتطلب إصلاحات جذرية وضمانات بعدم استخدام لبنان كمنصة ضد الدول العربية.
عون، وفقا لمراقبين، يدرك أن تحقيق السلام المستدام والشفافية في إدارة الدولة هما المفتاح لاستعادة ثقة الداخل والخارج.
انتخاب جوزيف عون رئيسا للجمهورية يشكّل لحظة فارقة في تاريخ لبنان الحديث. بفضل الدعم الدولي والإقليمي، يمتلك عون فرصة تاريخية لإعادة بناء الدولة اللبنانية على أسس سيادية ومستقرة.
لكن، النجاح ليس مضمونا. العلاقة مع حزب الله، تشكيل حكومة إصلاحية، والسيطرة على السلاح هي تحديات تتطلب حكمة وحنكة سياسية كبيرة. كما قال أبو دياب: "نجاح أو فشل جوزيف عون سيكون له تأثير كبير على لبنان بشكل عام".
الكرة الآن في ملعب اللبنانيين، فهل يستطيعون حماية هذه الفرصة التاريخية وعدم التفريط بها؟ الإجابة ستتضح في الأشهر المقبلة.