قالت المنظمة السورية للطوارئ، وهي منظمة حقوقية مقرها الولايات المتحدة، إن ما يوصف بأكبر مقبرة جماعية في سوريا، لم تُفتح بعد، وإن ما قاموا به حتى الآن هو التحقق من دقة المعلومات التي جُمعت عن المقبرة.
وقال رئيس المنظمة معاذ مصطفى، للصحفي عبد الرحمن أبو طالب من بي بي سي نيوز بدمشق، إن المنظمة لا تريد فتح المقبرة في الوقت الحالي، ريثما يصل خبراء دوليون.
وبحسب مصطفى، فإن الفريق زار الموقع المفترض للمقبرة قرب مقر الفرقة الثالثة بالجيش السوري بالقرب من قرية القطيفة، على بعد نحو40 كيلومتراً شمال العاصمة دمشق، بعد أن جمع معلومات عنها طوال الأشهر الماضية عبر شهود عيان ومشاركين في عمليات الدفن، وصوراً التُقطت عبر الأقمار الصناعية.
وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صور لاستخراج جثامين من مقابر جماعية على أنها من موقع المقبرة، لكن تدقيقاً لبي بي سي أظهر أنها من مواقع أخرى في سوريا، وليس لهذه المقبرة تحديداً.
وشارك الفريق الحقوقي البحثي، مع بي بي سي، صوراً ومقاطع فيديو لزيارة أجراها للمنطقة، وهي موقع عسكري في منطقة صحراوية، وظهرت في المقاطع آليات عسكرية وحفر، لكنها لا تتضمن شواهد قبور.
كما شارك الفريق صور أقمار صناعية للمنطقة التقطت بشكل متكرر منذ عام 2021، ظهرت فيها علامات تجريف وخنادق وحفر مستطيلة الشكل.
ولم تتأكد بي بي سي بشكل مستقل من وجود جثث في المكان.
وكانت المنظمة قد ذكرت في وقت سابق أن المقبرة الجماعية تحوي ما لا يقل عن 100 ألف جثة لأشخاص قتلتهم حكومة الرئيس المعزول بشار الأسد.
وقال مصطفى في تصريحات نقلتها وكالة رويترز إن القتلى من بينهم مواطنون أمريكيون وبريطانيون وأجانب آخرون.
وأضاف مصطفى لرويترز أن فرع المخابرات في القوات الجوية السورية كان "مسؤولاً عن نقل الجثث من المستشفيات العسكرية، حيث تم جمع الجثث بعد تعذيبها حتى الموت، إلى فروع مخابرات مختلفة، ثم إرسالها إلى موقع المقبرة الجماعية".
وأوضح أن الجثث نقلت أيضاً إلى المواقع بواسطة مكتب الجنازات البلدي في دمشق الذي ساعد موظفوه في تفريغها من مقطورات الجرارات المبردة.
وأضاف مصطفى أن مجموعته تحدثت إلى سائقي الجرافات الذين أجبروا على حفر القبور و"في كثير من الأحيان بناءً على الأوامر، قاموا بسحق الجثث حتى تتسع لها ثم غطوها بالتراب".
وأعرب مصطفى عن قلقه من عدم تأمين مواقع القبور وقال إنها بحاجة إلى الحفاظ عليها لحماية الأدلة للتحقيقات.
ويواصل فريق المنظمة التدقيق في وجود مقابر أخرى. حيث قالت العضو في فريق المنظمة سيلين قاسم في اتصال مع بي بي سي إنهم موجودون الآن في موقع النجهة جنوب العاصمة دمشق، لتدقيق المعلومات المتوفرة لديهم بشأن وجود مقبرة جماعية هناك منذ عام 2012.
ويعد البحث عن أماكن المقابر الجماعية أولوية قصوى في الوقت الحالي بالنسبة للسوريين الذي فقدوا أحبائهم. والتقينا خلال وجودنا في دمشق في الأيام القليلة الماضية بعشرات الأسر الباحثة عن أبنائها الذين اختفوا بعد توقيفهم من نظام الأسد.
كما أشارت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى مقبرة جماعية أخرى، وقالت إنها "مسرح لجريمة جماعية أو ربما كانت موقع تنفيذ إعدامات ميدانية".
ويقع موقع المقبرة الجماعية وفقا لـ"هيومن رايتس ووتش"، في حي التضامن جنوب دمشق، حيث يوجد أعداد كبيرة من الرفات البشرية في موقع مجزرة وقعت في أبريل/ نيسان 2013 وأخرى مبعثرة في مناطق مجاورة.
وتدعو المنظمة، السلطات السورية الانتقالية إلى اتخاذ خطوات عاجلة لتأمين وحفظ الأدلة المادية في جميع أنحاء البلاد على الجرائم الدولية الخطيرة التي ارتكبها أعضاء الحكومة السابقة، بما فيها تلك الموجودة في مواقع المقابر الجماعية والسجلات والأرشيفات الحكومية، والتي ستكون أساسية في المحاكمات الجنائية والإجراءات القانونية المستقبلية.
وقالت هبة زيادين، باحثة أولى في قسم الشرق الأوسط في المنظمة، إنه "دون جهود سورية ودولية فورية لتأمين المواقع المحتملة للجرائم الجماعية وحفظها من أجل عمليات منسّقة لاستخراج الجثث وإجراء تحقيقات جنائية، هناك خطر يتمثل في ضياع الأدلة الأساسية للمساءلة".
وتضيف "يستحق أحباء الأشخاص الذين قُتلوا بوحشية هنا أن يعرفوا ما حدث لهم. الضحايا يستحقون المساءلة".
وفي الموقع، عثر باحثو المنظمة وفقا للتقربر على رفات بشرية منها "أسنان وجمجمة وفك ويد وعظام حوض" على الأرض وفي كيس جمعه السكان، كما تتناثر رفات بشرية على أرضية المباني المجاورة للمقبرة الجماعية، ما دفع الباحثين إلى استنتاج أن أشخاصاً آخرين ربما قُتلوا أو دُفنوا في الموقع نفسه.
وقال سكان في حي التضامن إن الإعدامات كانت شائعة في المنطقة. وفي مقابلات أجريت عام 2022، وصفوا 10 حوادث أخرى على الأقل للقتل الميداني بين أغسطس/ آب 2012 ويناير/ كانون الثاني 2014 في التضامن، وداريا، والمعضمية، والمناطق المحيطة بها.
وأوضح أحد سكان التضامن، يبلغ من العمر 24 عاماً وعاش في المنطقة طوال فترة النزاع، لـ "هيومن رايتس ووتش"، إنه حتى عام 2020 على الأقل، "كانت قوات الدفاع الوطني، وهي مجموعة شبه عسكرية موالية للحكومة، تمنع السكان من الاقتراب من منطقة تبلغ مساحتها كيلومتر مربع واحد على الأقل وتضم المقبرة الجماعية".
وأضاف أنه في أواخر عام 2015 وأوائل عام 2016، "أجبر -وكان صبيا بعمر 15 عاماً في ذلك الوقت- على القدوم إلى المنطقة لإنشاء الأنفاق، وانتشال الجثث من بين الأنقاض وإلقائها في قبور محفورة مسبقاً، بينما كان أفراد قوات الدفاع الوطني يطلقون النار بين أرجلهم".
وقال ساكن آخر من المنطقة للمنظمة، إنه في 20 مايو/ أيار 2013، "ذهبت والدته البالغة من العمر 61 عاماً وشقيقته، 27 عاماً، وابنته، 12 عاماً، إلى منزلهن قرب هذه المنطقة لجلب بعض ممتلكاتهن، ولم يعدن قط"، وفقاً له، مضيفاً أنه "لم يسمع عنهن، وقدّم إلى السلطات وثائق تفيد باختفائهن".